437- المدن المنسية
ادلب البوصلة… المدن المنسية تترقب بلهفة عودة حماة الديار… بواسل الوطن
اعداد : د. سمير ميخائيل نصير
*- المدن المنسية… تاريخ وفن معماري سوري عمره آلاف السنين :
– هي مواقع لمدن وقرى أثرية تقع ضمن الحدود الإدارية لمحافظتي حلب وادلب. وهي من أكثر تجمعات المناطق الأثرية في العالم كثافة في وحدة المساحة.
– تنتشر على مساحة تقارب /5500/ كم² من قورش شمالاً الى أفاميا جنوباً على امتداد 140 كم ومن حلب شرقاً الى وادي العاصي غربا بعرض 40-20 كم، وذلك في جبال الكتلة الكلسية (الجيرية) ووديانها وشعابها.
– يعود بناؤها إلى الفترة ما بين القرنين 1 و7 للميلاد والبعض منها حتى القرن 10, وهي من المناطق الهامة في تاريخ المسيحية حيث بني فيها أكثر من 2000 كنيسة, اشهرها كنيسة سمعان العمودي التي تم اشادتها بين عامي 476 و491.
*- خضعت هذه المدن والقرى للكثير من المسح والدراسات والبحوث :
– سميت في البداية المدن الميتة, حيث أطلق عليها هذا الاسم في العام 1861 السفير الفرنسي في القسطنطينية المركيز شارل دي فوغويه (1848-1910) عندما زارها برفقة هنري وليم ودنفتن المختص بقراءة الكتابات اليونانية واللاتينية. وقد أصدر دي فوغويه كتابه الشهير عنها باسم سورية المركزية Syrie central حيث ذكر فيه المواقع الأثرية التي تعود الى الفترة الواقعة بين القرنين 1 و7 للميلاد.
– في العام 1890, قام عالم الآثار والاستاذ الجامعي الأمريكي هوارد كروسبي بوتلر (1878-1922) بتنظيم عدة بعثات لزيارة المنطقة بتكليف من جامعة برانسيتون بولاية نيوجرسي… لينشر نتائج عمل بعثاته في الأعوام 1903 و1905 و1909, وليتم نشر مجمل تجربته واعماله عن المنطقة في العام 1929 وذلك بعد وفاته.
– قام العالم والمعماري الروسي الشهير جورج تشالنكو (1978-1905) بزيارتها ودراستها وألف عنها كتابا بثلاثة أجزاء بعنوان : القرى الاثرية في شمال سورية.
– حسب بحث الآباء الفرنسيسكان بقيادة عالم الآثار الكاهن باسكال كاستيلانا الذي تجول مع فريقه في جبال الكتلة الكلسية وبخاصة في جبلي الدويلي والوسطاني وقاموا باكتشاف ما لم يكن معروفاً من القرى من قبل, ليبينوا أن عددها أكثر من 800 مدينة وقرية أثرية.
– أحصى المعهد الفرنسي لآثار الشرق الأوسط IFAPO عددها, فبين أنه 778 منها : 321 مهجورة بشكل كامل و135 مأهولة السكان و322 مطورة ومحدثة.
– أضافتها اليونيسكو الكثير منها الى قائمة التراث العالمي عام 2011, لتضعها لاحقا في قائمة التراث العالمي المهدد عام 2013 بسبب التخريب والحفر العشوائي الذي قامت به العصابات الارهابية وعصابات سرقة الآثار… لا بل أكثر من ذلك… فقد قصف الطيران التركي معبد موقع عين دارة الذي يعتبر أجمل المواقع الأثرية فيها.
*- تاريخ وسمات المدن المنسية :
– دلت التنقيبات الأثرية في العديد من هذه القرى والمدن, أن تاريخها يعود الى آلاف السنين… فمثلا في موقع عين دارة المكتشف صدفة عام 1954, تبين وجود أكثر من مدينة فوق بعضها ودلالات ذلك العثور على أدوات صوانية وأحجار بناء تعود للعصر الحجري الحديث, ويعتقد أن معبد عين دارة يزيد عمره عن 3000 عام. أيضا بينت التنقيبات في قرية سرجيلا التي تعتبر أكبر القرى الأثرية في جبل الزاوية وجود مقابر تعود إلى العهد الآرامي والعموري.
– ازدهرت هذه المواقع خلال الفترة الطويلة الفاصلة بين القرنين 1 و7 للميلاد و كانت ذروة ازدهارها بين القرنين 4 و7 للميلاد .
– تتميز بأنها بنيت وفق اسلوب معماري واحد واطلق عليها علماء الآثار اسم فن العمارة السورية تمييزاً عن فن العمارة الكلاسيكية اليونانية والرومانية.
– أسلوب زخرفتها من الداخل والخارج فريد لا مثيل له في العالم، ومن أبرز خصائص الزخرفة الداخلية هي تلك السجادات الرائعة من الفسيفساء التي تعكس مرحلة من مراحل تطور فن الفسيفساء من الأسلوب الكلاسيكي بجماله الجسدي واعتماده على الأساطير الوثنية إلى الأسلوب الديني ببساطته واهتمامه بالجمال الروحي واعتماده على الرموز الروحية والزخرفة النباتية والحيوانية.
– أشارت بعض الدراسات إلى أن أغلب هذه المواقع كانت مصيفا أو ممتلكات ريفية تابعة لعائلات من أنطاكية ومناطق أخرى, في حين تشير دراسات أخرى الى أن العديد من القرى بنيت لتؤوي المزارعين السوريين الذين ساعدوا في جعل هذه المنطقة تزدهر زراعياً و تجاريا… وأن هذه الأبنية الرائعة قد شيدت مكاناً للإقامة كتجمع اجتماعي ومن أجل الصلاة .
– تروي منطقة المدن المنسية فصلا مميزا من تاريخ سورية. ففيها استقلت الكنائس عن روما (الفاتيكان) وتطور بناؤها من الكنيسة المضافة او غرفة الاستقبال الى الكنيسة الكاملة ( الكاتدرائية). وفيها أيضا نشأ اسلوب حياة الأديرة ومنها انتقل الى اوروبا مفهوم بناء الأديرة الذي يجمع بين العمل والعبادة. وفيها أيضا اشتد الصراع بين الكنيسة السورية الوطنية التي تهدف الى الدفاع عن الوطن وهويته في وجه الاجانب وبين الكنيسة البيزنطية الرسمية التي تحاول السيطرة على البلاد. ويؤكد المؤرخون بأن كنيسة القديس سمعان كانت لفترة طويلة من أعظم كنائس العالم المسيحي, وان نماذج الكنائس التي بناها المعماري السوري "قيروص فيريانوس" المدفون رفاته في كنيسة دير ست البنات هي الاساس في بناء كثير من الكنائس الاوربية اللاحقة.
– عاشت هذه المواقع على منتجات الزيت من حقول الزيتون و النبيذ من كروم العنب… و أيضاً اشتهرت بتصدير هذه المنتجات إلى مناطق عديدة في أوروبا.
– تعود اسباب تدهور وانقراض الحياة في هذه المواقع الى عوامل عديدة منها زيادة عدد السكان في القرن السادس الميلادي الذي قابله واقع انتاجي زراعي لا يؤمن المطلوب. ولكن أهم الأسباب كان الأحداث السياسية التي بدأت في أوائل القرن السابع للميلاد بالحروب البيزنطية الفارسية ثم الحروب المتعددة الناجمة عن مقاومة السوريين للحملات البيزنطية.
*- الاعتداءات والأضرار التي لحقت بالمدن والقرى المنسية :
– كغيرها من المواقع الأثرية تعرضت هذه المناطق لأعمال تنقيب وتخريب وسرقة كما نشطت فيها عصابات تهريب الآثار… وتبين أن طبيعة وأماكن الحفر توحي باستعانة اللصوص بخبراء في البحث والتنقيب عن الآثار، إذ يتم الحفر بأسلوب منظم ويتركز بشكل عام في أماكن محددة داخل الكنائس وتحت النواويس وحولها بحثاً عن دفائن وكنوز، كما تؤكد المعلومات المنقولة عن أبناء المنطقة وجود الكثير من تجار الآثار والمهربين من المنطقة وخارجها، خاصةً من تركيا… ونذكر من هذه الأعمال :
– في موقع كفر عقاب في جبل الوسطاني : تعرض إلى دمار وتخريب كبير سبّبهما لصوص الآثار، وأكدت المعلومات أن كفر عقاب هو أكثر المواقع تضرراً في المنطقة إذ تنتشر حفر كبيرة وعميقة، ظهرت في بعضها مدافن بكر تم نهبها وتكسير الحجارة المنحوتة، كما هُدم البرج الجنوبي.
– في موقع بنصرة في جبل الوسطاني : توزعت كثير من الحفر في مختلف أرجاء الموقع، وقد أدى التخريب في الكنيسة الجنوبية إلى قلب جميع الأعمدة الحجرية وظهور بعض أجزاء من أرضيات الفسيفساء، وإلى تكسير ناووس حجري كبير شرق الكنيسة.
– في موقع الكفير في جبل الأعلى : انتشرت حفر التنقيب، وبدا أن أكثرها ضرراً في غرفة المارتيريوم بالكنيسة. وتبين وجود مدفن صغير الحجم في الأسفل تم الوصول إليه نتيجة تكسير البلاطات الحجرية.
– عانى تجمع جبل الزاوية الذي يضم البارة، وادي مرتحون، مجليا، بترسا، بشلا، بعودا، سرجيلا، دير لوزة، شنشراح، ربيعة من تعديات وتخريب في بعض أجزائه ففي هذه المنطقة :
– في البارة : كُسرت ثلاثة توابيت حجرية داخل المدفن الهرمي المعروف بـالمذوقة، وكُسر ساكف بوابة، وخُلع باب معصرة الزيتون، وسُرقت أربعة تيجان أثرية.
– في سرجيلا : كُسرت لوحات الدلالة والتابوت الحجري الموجود في مدخل الموقع.
– وأخيرا وليس آخرا… قصف الطيران التركي معبد عين دارة في 2018/02/20 مسببا أضرارا جسيمة بحجة ملاحقة الميليشيات الكردية.
*- أهم مواقع المدن والقرى المنسية :
قلعة سمعان, براد أو قصر براد, برج حيدر, دارة عزة, ست الروم, القاطورة, باسوفان, خراب شمس, تل و معبد عين دارة, موقع النبي هوري, خربة سرجة, المغارة, جبل باريشا, الدانا, ترمانين, كنيسة قلب لوزة, عمود سرمدا, باب الهوى, البارة, قلعة كلونة, كيمار, كفرقدو (كفر قابو) , كالونة, كنيسة المشبك, دير حسان, سرجيلا, كفرلانا.
– المدن المنسية… تاريخ وفن معماري سوري عمره آلاف السنين.