منير صبح سعيد
–بالامس مرت مناسبة انضمام اللغة العربية الى لغات الامم المتحدة الخمس المعتمدة منذ نشأتها فكانت السادسة وفي هذه المناسبة لايسعني الا ان اقدم عددا من الحقائق المجهولة لدى الكثيرين من ابنائها الى اليوم :
1– كثيرون هو الذين يربطون بين العربية والاسلام ويظنون انها تعود الى قرنين قبل الاسلام لااكثر وفي هذا جهل فاضح لان ثقافة اليمن عربية منذ خمسة عشر قرنا قبل المسلاد اي منذ حضارة معين وحضرموت وكان الهلال الخصيب اله جميع الدول اليمنية المتعددة والمتعاقبة ومصدر ثقافتها واسمه عند الحضارمة(15 ق م)(سين) وهو الاسم الاكادي والبابلي والمسند اليمني يرسم حرف الالف مركبا من السين والنون كما ان حضارة ابلا عربية وحضارة اغريت عربية يمنية والبعل هد عربي يمني وايل الكنعاني عربي ولم ترثه اية لغة في العالم الا العربية في (ال) التعريف وفي حرف الجر( إلى) ناهيك عن الاف الكلمات التي يدخل في صلبها
2– كثيرون يحتجون في ان العربية لم يعثر عليها في نقوش الاثار القديمة والحقيقة تقول ان اللغات كلها تنتقل بالسماع وليس بالكتابة فالعربية لغة الطبيعة الاولى وهي الاقدم باصواتها الثنائية وليس الثلاثية كما زعم سيبويه ,كما ان الاثار لم تخلد لغة في الدنيا ولا المعاجم بدليل ان ثمانين بالمئة من مفردات المعاجم لم يعد مستخدما بل اصبحت ميتة,اما لغات الاثار فاستخدامها اقل بكثير ولا ننسى ان اللغة صورة حياة ومحتمع ,وما دامت المجتمعات تتطور وتتقادم وتنقرض فكذلك اللغات لكن العربية اثبتت انها متواصلة الى اليوم بحكم انتمائها لمنطقة قل اجتياح الغرباء لها ولم تتعرض لتغير ديموغرافي مثل باقي المواقع السائدة في العالم كتركيا على سبيل المثال
3– يجهل كثيرون ان العربية كانت لغة العلم والحضارة يقبل علي تعلمها الاوروبيون حتى القرن السادس عشر وعن طريق العرب تعرف الاوروبيون على فلسفة اليونان وليس ادب اليونان لان العرب منذ المعتزلة انفتحوا على الثقافات الاخرى وظهر لديهم علم الكلام ولا ننسى دور السريان في نقل العلوم والفلسفة اليونانية الى العربية منذ عصر المأمون ولكن العرب (اقصد الناطقين والناشرين بالعربية)طوروا معارفهم كثيرا ويكفي ان نشير الى علوم طبية وفلسفية ولغوية ودينية وصوفية زخرت بها المكتبة العربية وكانت منهلا لاوروبا في العصور الوسطى بل ماتزال المخطوطات والاثار العربية تشكل اكثر من نصف ميراث المكتبات والمتاحف الغربية وهي تختزنها كما تختزن اثارنا الى اليوم وقد لاحظ الاوروبون ان الحضارة بدأت باسبانيا وريثة الاندلس وايطاليا وريثة صقلية التي ظلت حاضرة عربية ثلاثة قرون وذلك قبل انكترا وفرنسا
4– لكننا نعترف ان حضارة الجزيرة العربية كانت في اليمن فحسب اما وسط الجزيرة العربية فكان ميدانا للرعي والنزاعات القبلية ولهذا كانت الحضارة على حدود الجزيرة العربية اليمن سوريا العراق مصر غير ان الوحدة الجغرافية للمنطقة جعلت منها وحدة حضارية متكاملة فالمسافة بين العراق ومصر لاتبلغ مسيرة شهر على الجمال وتلك مسافة قصيرة جدا اذا علمنا ان المسافة بين دمشق واسبانيا تبلغ عشرة اشهر ومع ذلك كانت الاندلس من اغنى حواضر العالم ثقافة وفنا وقد انجبت من اعلام الفكر واللغة والفلسفة والفن ماهو خالد الى اليوم وجدير بالخلود في المستقبل
5–اما لغتنا فقد تعرضت لمحن كثيرة عبر التاريخ ولكنها صمدت كما لم تصمد لغة اخرى فهي ماتزال محافظة على نحوها وصرفها الفا وحمسمئة من السنين وهذا اطول عمر لاية لغة معروفة اما مفرداتها فهي اقدم من ذلك بالاف السنين وذلك يعود الى طبيعة المكان وخواص البيئة وتعتبر الفصحى احدث لهجة توحدت معها اللهجات الكثيرة الموروثة ولا ننسى دور القرآن في الحفاظ على الفصحى سليمة في وجه التتريك والفرنسة في الجزائر وسرعان مااستعادت عافيتها في كل الاقطار العربية بفضل التعليم والاعلام وكونها لغة محببة لناطقيها
6– ولكن اليست العربية في ازمة اتجاه الحداثة ؟كيف؟ سؤال هام لايجوز الفرار منه لاننا معشر العرب متهمون تهمة صحيحة وهي اننا لانقرأ وحصة المواطن العربي من القراءة لاتعدو دقائق قليلة في اليوم وحصته من الكتاب هي الادنى في العالم وقد فوجئت بان التركي يستهلك الكتاب اكثر من العربي عشرين ضعفا بحسب احصائيات الاونيسكو لكن اللغة لاتتحمل مسؤولية التقصير بل ناطقوها ومؤسساتها المتخلفة ,لان اللغة ماتزال تبدع في مجال الادب والفكر ولكنها قاصرة في مجال العلوم العصرية بل ان شاعرا مثل نزار قباني يقرأ في المغرب والعراق والسودان مثلما يقرأ في سوريا كما ان كاتبة مثل الجزائرية احلام مستغانمي تقرأ في سوريا ولبنان والعراق مثلما تقرأ في الجزائر ان لم يكن اكثر بالرغم من التاريخ العسير للجزائر التي كان كتابها الكبار وحتى الستينيات بيكتبون بالفرنسية ولا يعرفون من العربية شيئا اذكر منهم كاتب ياسين ومولود فرعون واخرين…وكانوا مبدعين حقا ولكن بالفرنسية
7–هذا يعني انني لااخشى على الفصحى طالما يولد في ثوبها ادب رفيع يلقى اقبالا من جماهير القراء خارج الحدود الاقليمية مما يرشح اللغة وحدها لتكون مركز الشد القومي بين الاقطار العربية في حين اننا متفرقون في كل شيء سواها وهكذا زالت عقدة الفصحى من اقطار المغرب العربي وهاهي موريتانيا تقدم بلد المليون شاعر وكانت مجهولة منسية لم نكن نعرف عنها شيئا في شبابنا الاول و هذا لايعفينا من المسؤولية ,لماذا لاتكون العربية لغة العلم كما هي لغة الادب ؟
8– الجواب يقتضي منا ان نعترف جميعا بتقصيرنا كل في موقعه ولا سيما الاكاديميون العرب الذين لم يقوموا بواجبهم تجاه لغتهم ولم يعربوا ماهو في دائرة اختصاصاتهم اسوة بالشعوب التي حولنا مثلما يفعل الاتراك(بالرغم من ان التركية لغة بدون ابجدية قومية) والاسرائيليون (بالرغم من جداثة العبرية الاسرائيلية) وكذلك الايرانيون الذين يسبقوننا في توليد كلمات من لغتنا العربية بينما نجد الجامعة العربية لاتقدم الا صفرا في هذا المجال وكان عليها ان تهتم بهذا اكثر من اي شيء اخر ,وهنا لايسعني الا ان اشيد بالجهود الجبارة والمثمرة التي ظهرت في سوريا والتي بذلها الكتور حسني سبح طبيب الرئيس شكري القوتلى حيث دفعته دفعته غيرته الى تعريب المصطلحات الطبية فكانت كلية الطب في جامعة دمشق اول بل واخر كلية تعرب التدريس فيها ثم انقطعت المحاولات الناجحة الا القليل القليل
9– نعم ان جميع لغات الارض تتراجع امام الانكليزية اليوم كلغة للعلم والاقتصاد حتى ان كل مشاريع الدكتوراه في الابحاث العلمية تقدم بالانكليزية سواء في اليابان او روسيا او فرنسا والمانيا ولكن شعوب هذه الدول تواكب التقدم العلمي معرفة وثقافة بسبب اهتمام علمائها بخدمة اوطانهم بينما لانعثر على مجلة علمية متخصصة الا اذا كانت مترجمة وغالبا لانعرف مااذا كانت الترجمة صحيحة ولذلك لن تجد لها قراء بل نستغرب ماذا تفعل المجامع اللغوية المتناثرة في العالم العربي ومراكز الثقافة والبحث ومن اطرف مافعلوه انهم عربوا الكمبيوتر بالحاسوب وليتهم تركوا كلمة الكمبيوتر من دون تعريب لان لغتنا تعرف هذا المعنى منذ الاف السنين فالكم في العربية هو الحساب والعد والاله تور (الهلال) هو اله الحساب الخصيب الجميل(bio) (كم +بيو+تور),ومن هنا فالعربية تقدم معنى كمبيوتر حاسوب قبل ان يصنع, بقي ان اشير الى ان الانكليزية هي اقرب اللغات الاوروبية الى العربية فالاعداد فيها من واحد الى عشرة هي اسماء البعل العربي وقدمت عنها دراسة تفصيلية وكذلك اعضاء الجسد الخارجية فكلمة ( فط) تعني استخدم قدمك(foot) وكلمة ارمِ اي استخدم ذراعكarm ,وكلمة head هي بعل اوغاريت وكلمة صفنseven ايضا بعل اوغاريت وكانت اوغاريت تستورد القصدير من الجزر البريطانيةقبل خمسةوثلاثين قرنا وكانت تسمى جزر القصدير وكلمة father تعني الذي فاء بالذرية اي انجب الابناء وهو الاله الآب وكلمة mother تعني الالم التي تذر الابناء ونحن ننادي الام يامو (mo) وغيرها كثير لكن العرب يجهلون العربية ويجهلون العلم ولذلك نحن في ازمة حتى يستيقظ ضمير الغيارى ويتصدوا لحلها