تتالى أحداث القتل الدائرة منذ فترة بين عشائر لبنانيّة من الطائفة الشيعيّة وبين أهالي بلدة عرسال (البقاع) اللبنانيّة السنيّة. وتنذر هذه الأحداث بارتفاع منسوب العنف المذهبي بين المسلمين السنّة والشيعة في لبنان. وبات واضحاً أن ارتفاع وتيرة هذه الأحداث يتزامن مع تعمّق مشاركة حزب الله في الحرب السوريّة، وتعاظم مستوى العلاقة بين القوى السلفيّة اللبنانيّة وشقيقاتها السوريّة.
وتتركّز المشاهد الحاليّة من هذا التوتّر، على طول الضفّة اللبنانيّة المقابلة للحدود السوريّة، والتي تقطنها جماعات شيعيّة وسنيّة. وفيما تُعتبَر بلدة عرسال وجرودها الشاسعة معقلاً للسنّة اللبنانيّين المتحالفين مع تشكيلات المعارضة السوريّة، فإن كلاً من مدينتَي الهرمل وبعلبك تُعتبَران معقليَن أساسيَّين لحزب الله المنخرط إلى جانب النظام في الحرب السوريّة .
وخلال نهاية الأسبوع الماضي، قتل مسلّحون أربعة مواطنين شيعة لدى توقّفهم لإصلاح سيارتهم في منطقة نائية بالقرب من عرسال. وقبل يومَين من هذا الحادث، حاول مسلّحون اختطاف مواطن لبناني من مدينة بعلبك في المنطقة نفسها، لكن مجموعة مسلّحة شيعيّة أنقذته واعتقلت محاولي اختطافه. وتبيّن أن هؤلاء المسلّحين هم سوريّان من الجيش السوري الحرّ ولبناني واحد من عرسال. لكن التعدّيات تحصل من الجانب الشيعي أيضاً، بحسب ادّعاء أهالي عرسال التي تعرّض أحد أبنائها للقتل مؤخراً.
وثمّة خشية حقيقيّة اليوم من ذهاب لبنان في اتّجاه سريع ليلتحق بحالة الاقتتال المذهبي الشرس التي تعمّ المنطقة، وبخاصة في كلّ من العراق وسوريا. ويلعب الإعلام العربي دوراً كبيراً في تغذية حالة الاحتقان المذهبي على مساحة كل الدول العربيّة. والآن، بدأ يُسهِم بدوره اللامسؤول ضمن هذا الاتجاه، في لبنان. فخلال الأسبوعَين الماضيَين تلقّى عشرات الآلاف من المواطنين اللبنانيّين صوراً على الهواتف المحمولة تنقل وقائع كلام شيخ سلفي كويتي يهدّد فيه شيعة لبنان بحرب إبادة ضدّهم. كذلك تحدّث عن قيام إسلاميّين سلفيّين بذبح رجل دين شيعي في سوريا، ثم بعد ذلك أجهزوا ذبحاً على طفله الصغير.
وهذه الواقعة ليست إلا نموذجاً من بين عشرات الرسائل الإلكترونيّة التي يتمّ تبادلها في لبنان بكثافة، ومصدرها فضائيات عربيّة.
وما يسهم في جعل لبنان مهدّداً بانتقال الحرب المذهبيّة السنيّة – الشيعيّة إليه على نحو شامل وأشد ضراوة، هو أنه يمرّ في هذه المرحلة في حالة يمكن تسميتها بـ "فشل الدولة". فالبلد من دون حكومة بالأصالة منذ أكثر من شهرَين، فيما الرئيس المكلّف تشكيل حكومة جديدة عاجز أمام الانقسامات السياسيّة، عن تحقيق مهمّته. كذلك، فإن الجيش اللبناني يشكو من فراغ على مستوى مجلسه العسكري الذي تقاعد عدد من أعضائه من دون توفّر إمكانيّة لتعيين بدلاء عنهم، نظراً لعدم وجود حكومة ذات صلاحيات قانونيّة. ومنذ أسبوعَين، جدّد مجلس النواب لنفسه لنصف ولاية مقبلة، نظراً لتعذّر إجراء انتخابات تشريعيّة جديدة في أجواء الظروف الأمنيّة الراهنة المضطربة. ونهاية الأسبوع الفائت، حذّر الكاردينال بشارة الراعي رأس الكنيسة المارونيّة في لبنان، من أن استمرار الانقسامات السياسيّة ينذر بعواقب وخيمة ويجعل لبنان أشبه بمركب يغرق.
وأخطر ما في هذه الأزمة الراهنة أنها تتّجه نحو الصدام الأمني المذهبي، والانفجار الاجتماعي الناتج عن تعاظم كلفة استيعاب النازحين السوريّين الذين تتضارب التقديرات بخصوص عددهم. ففي حين تقول بعض هذه التقديرات أنهم تجاوزوا 750 ألف نازح، تتحدّث أخرى عن أن أعدادهم ستقارب المليون مع نهاية هذا العام. ويشكو لبنان من أن المجتمع الدولي لا يفي بتعهّداته بخصوص تقديم الإعانة له لتجاوز النتائج الاقتصاديّة والاجتماعية الباهظة التي يرتّبها عليه هذا الملفّ.