نعم لا دروس في الحب او الشعر .. هو الوجود … هي الحياة ..وما تختزنه الروح يتنشلنا من عوالم يضعنا صرعى أو ملوكا …. نعم للحياة فلسفتها … ولكل منا في مساراتها ومندرجاتها فلسفتنا التي تنطبق علينا فقط …. وما المتشابهات إلا نوادر …
منيرة أحمد – نفحات القلم
معه لا مقدمات إلا ما يقول ومعه نبقى :إنه المحامي الشاعر وائل الديراني
قبل أن أسألك كشاعرٍ من أنت، كمحام: لو وكلك الشعر، فعن أي قضيَّةٍ شعريةٍ ترافع ؟
: عن كل قضيةٍ محقة، و ما أكثرها في شرقنا البائس.
– كتب فيك الأديب السوري أكثم ديب:” وبعدَ القراءةِ الثالثةِ ألحَّ عليي سؤالٌ كادَ يقتلني، مقارناً تجربتهُ الأولى مع تجاربِ فطاحلِ الشعر:
هل بدأ السيابُ مثلاً بدايةً أفضل ؟ وهل بدأ محمود درويش بدايةً أفضل ؟ …
فأتاني الجوابُ واضحاً قطعياً: لا لم يفعلوا“.
و السؤال: ما تعليقك ؟
: أكثم ديب قارئ متعمقٌ و مطلع، و من الصعبِ أن تنتزع منه مديحاً إن يكن مقتنعاً بذلك، وهو بدون شك يتحمل مسؤولية ما قاله، ولم يرم به جزافاً، بدليل قوله ( بعد القراءة الثالثة) أي إنه قرأ الديوان ثلاث مرات على الأقل، و غربله حرفاً و فاصله؛
وهو هنا لا يبحث عن إطرائي و إلا لسبك أجمل العبارات بلغته المتمكنة ليقولها لي. أكثم عندما يسأل نفسه هذا السؤال فإنه يقول: كلما قرأت نصّك وجدت جديدا.
– ما هي أهم أدوار الشعر ؟ و كيف تعيشُ إرهاصات قصيدتك ؟
:للشعر أدوار عديدة، منها ما هو ثانوي، عندما يكون مرآةً لوجهٍ حسن، و منها ما هو أساسي: عندما يكون لسان الضمير تجاه قضايا أكثر تعقيداً.
أما عن إرهاصات القصيدة، فإنها مخزونه بداخلي ما إن يلامسها موقف أو حدثٌ ما حتى تنسكب عن غير قصد.
ويعتمد هذا المخزون على درجة شفافيتك و إحساسك بذاتك و بمن حولك، و بواقعك المعاش ومحدداته وزاوية الرؤيا لكل منها.
– لمن تكتب؟
: أكتب للمصادفات، للمواجهات، للتحديات، للمعاركِ و الجراحات و الدماء النازفة ..
أكتبُ للمرأة الأنثى أينما وجدتها: تحت سقفِ الليلِ أو تحت جلدي أو داخل صمتها أو فيما يطفو من سلوكها أو فيما تمنحني إياه من مساحة وطن..
أكتبُ للتفاصيل التي لم يلاحظها أحد في نبرةٍ أو سكتةٍ أو زلةٍ أو غياب ذلك ..
لكن أيّاً تكن القضية، فإن الغوص يكون بحثاً عن التاء،
الأنوثة في الطاوية هي حالة سكون و استقرار و فكر و تفكر، أما الذكورة هي حالة أو عارض حركي، لذا عندما تضطرين للغوص في موضوعٍ ما فإنه لابدَّ لكِ أن تجدي (تاء تأنيثه) بهذا المعنى، و إلا راهق النص على عتبات الفكرة.
لا يهم لمن أكتب أو عما أكتب، الأكثر أهمية أن ألتقيها أو ألتقطها هناك.
– ديوانك (فمُ المحظور) قيد الطباعة، و يتوقع له النقاد نجاحاً إشكالياً باهراً، فهل قصدت أن تكون إشكالياً بتجديدك ؟ أم بتصويرك ؟
: لا لم أقصد، كما لم أقصد أن أكونَ شاعراً، وهنا أعود لقول الشاعر محمود درويش:
لا نصيحة في الحب إنما هي التجربة
لا نصيحة في الشعر إنما هي الموهبة
الإشكالية في مجتمعاتنا متصلة دائما بالبوح، و بمدى مطابقة هذا البوح للواقع، خذي مثلا كلمة (أحبك) إشكالية، هل أحبك فعلا ؟ و لماذا ؟ و هل أعني شيئاً آخر و خانني التعبير ؟
إذا كانت هذه الإشكالية التي تقصدينها، فإن تجاوزها ببساطة يكون من خلال الابتعاد عن اللف والدوران حول المعنى، دون ملامسته، أو بالعكس من خلال إعادة صياغتهِ أو بنائه ليكون البيت أو القصيدة رسولاً بكل ما تحمل الكلمة من معنى.
– هل سجنكَ الشعرُ الموزون – و هذا رأي شعراء هذا الزمان- ممن يعتقدون أن هناكَ شيئاً ما اسمهُ قصيدة النثر ؟
: لا على العكس، بداية يجب توضيح بأن بحور الشعر الموزون أوسع من أن تكونَ سجناً، بدلالة الآثار الشعرية التي تركها لنا أرباب الشعر مثل المهلهل و عنترة بن شداد و عمرو بن كلثوم و غيرهم، وهذا الإرث الموسيقي مزروع بأعماقنا بدلالة أنك و إن فاتك معنى أحد المفردات أو أحد الأبيات، فإن استمتاعك بالقصيدة لا يتوقف عنده، وهو فضلاً عن جزالة التصوير و قوة الإيقاع يتمتع بشاعرية هائلة تتفوق على شاعرية هذا الزمن، وهو المقدمة اللازمة لشعر التفعيلة التي طورت هيكيلة القصيدة دون المساس بطبيعة القصيدة العربية كوحدة إيقاعية و موسيقية أساسها التفعيلة، و بالمناسبة إن كتابة قصيدة التفعيلة بخلاف ما يعتقد الكثيرون هو أصعب من كتابة القصيدة العمودية، لأنها تخرج عن النوتة الموسيقية للبحر دون أن تخرج عن البحر نفسه، بل تغرق نفسها فيه.
أما (قصيدة) النثر، فليست شعراً بنظر اللغة العربية، مما يضطر روادها للتوسع بمفهوم الشعر ليشمل كل ما تشعرين به، أيا كان الشكل أو القالب الذي تسكبين فيه هذا الشعور، وهذا تعريف خاص، أقرب للتبرير لها، و على أية حال لا تزال تجربة هذه القصيدة بعيدة عن إثبات ذاتها أمام الشعر العربي.
– أين أنت من الصوفية ؟ و أين هي منك ؟
: في الحقيقة أنا بعيد كل البعد عنها، و قريب كل القرب منها؛ بعيد كل البعد عنها كحركة دينية و كمذهب، وقريب كل القرب منها بمعنى الصلة و التواصل مع الوجود.
– كيف استطعت أن توازن بين الموسيقى ( و أنا أتحدث هنا عن شعر التفعيلة عندك) و الصورة عندما كثفت مبسطاً ؟
: كما سبق و أجبت من دون قصد، الشعر يلوح في الأفق كمصادفة بحته، كأن تلتقي شخصا من غير المتوقع لقاؤه، فتطرحين معه مواضيع لم يكن في نيتك الخوض بها، و تخبرينه أخباراً لم يكن يخطر ببالك إعلامه بها. فيمضي الحديث بسيطاً و على السجيه أو الفطرة، أما إذا كنت ذاهبة للقاء قد حضرت له سلفاً فذلك هو النظم.
أما التكثيف، فيتأتى من عمق التجربة الشعورية، و الرغبة بمشاركتها، و التجربة عادة ما يتم توصيلها في الحياة العادية من خلال التلمحيات: ما رأيك بفلان مثلا ؟ فترفعين حاجباً حركة بسيطة و عميقة في آن، و هو أمر لا بدّ منه إذا لم أشأ أن أضيع وقتك في قراءة سطحيات، تخرج بطبيعتها عن الشعر، لأن القصيدة مليئة بالجرار و الخمر في الجرار يجب أن يعتق قبل أن نسكب القصيدة على الورق. ومن هنا تأتى وصف (نديم الشعر).
– تعال نتمشى قليلاً في رحاب عنوان المجموعة أو الديوان ؟
: فمٌ محظور، في شرقنا يبدو كل شيء محظوراً، لكن نفوسنا طليقة من الداخل، يعتمل فيها خوف المجاهرة بالحب أو بالمعتقد أو أحيانا كثيرة بحقيقتنا كبشر، من هنا يأتي الخجل و التمسك بالقشور و المظاهر سواء الدينية أو الاجتماعية كنوع من الحماية، مالذي يمكن للمحظور أن يقوله لو منحناه فماً ؟ سيقول ببساطة من نكون.
– لمن تقول شكرا ؟ كشاعر و كإنسان ؟
: كشاعر أقول شكراً للمصادفة التي جعلتني شاعرا، أما كإنسان، فعليَّ أن أشكر المعاناة و الحرمان و الإشتهاء و الفضول و الوصول و الحزن و الفرح و النجاح و الفشل، جميعهم أشخاص مرّوا في حياتي و شكلوا تجربتي و جميعهم يعرفون أنفسهم بدون ذكر أسماء.
– لقد أثنى عليك أكثم ديب مع حفظ الألقاب في مقدمته عن ديوانك ؟ و يعتبر الكثيرون ثناءه تكريماً و الحقيقة أن هذا التقديم أثار فضولي و جعلني أقرأ ديوانك و أنا أحملُ عصا بيد و مجهراً بيدٍ أخرى، و بعيداً عن رأيي في الديوان أريد أن أسألك أستاذ وائل: لماذا و ماذا ؟
: مع احترامي للجميع ..فإن الساحة الأدبية عموماً و الشعرية خاصة تكاد تكون خاوية على عروشها، لماذا أكثم ؟ لأنه و كما وصفه الكاتب و الباحث عبدلله أحمد – على سبيل المثال لا الحصر- في مقاله على صحيفتكم، كاتب مبدع و فريد من نوعه، و مرشح لدخول موسوعة غينس في الإعجاز اللغوي عن روايته (طلائع الطل) التي كتبها بثلاثة عشر حرفاً.. فمن أجدر بتقديمي من أديب متمكن، جدي، و صادق في رأيه، ومحب لاستفتاء رأيه في المجموعة ؟ وقد قدم أكثم بالفعل و بكل محبة وصدق وقته و رأيه لكتابة تقديم هو بحد ذاته إضافة للديوان، بل إنه يكاد يقترب أكثر من القراءة النقدية للعمل؛
أما عن ماذا ؟ فإذا كنت تقصدين ماذا أضافَ التقديم لي فاعتقد أني أجبتكِ، لقد قدم مجموعة إضاءات لمختلف زوايا الديوان و على غير مستوى سواء على مستوى المعنى أم على المستوى الفني أم اللغوي، و هو فضلاً عن ذلك يحاول أن يجيب على نفس السؤال بطريقته الخاصه: من نكون ؟
– ما هو مشروعك القادم ؟
: أحضر للمجموعة الشعرية القادمة، و التي ستكون امتدادا لاحترامي للقصيدة العمودية من جهة و لجوءاً إنسانياً لقصيدة التفعيلة من أجل معالجة المواضيع الأكثر إشكالية بالنسبة لإنساننا الشرقي المعاصر، أيا يكن انتماؤه وهواه، وبجميع الأحوال فإن الشعر بحد ذاته يفاجئك.