من المغرب أشرق على صفحات مجلتنا بنفحات من طيب الكلم ومعانيها
الشاعر جمال بل لأخضر
حاورته لنفحات القلم منيرة أحمد
سؤال ـ1ـ كيف دخلت عالم التصوير الشعري
الحقيقة ، في سؤالك إيجاز ذكي لحكايتي مع الشعر ، إذا علمت إن
اهتمامي بهذا الفن لم يكن منفردا عن اهتمامي بالفنون الأخرى وخصوصا الرسم و النحت والموسيقى. إلى جانب النحو العربي ( الذي اعتبره فنا و ليس فقط مكونا لغويا ) ، … كل ذلك كان له ، و لا يزال ، أثر في بلورة معالم شخصيتي .
بداياتي كانت خربشات و خواطر لحظية عفوية فطرية ، كان التركيز فيها على القوافي (تقليدا للشعر المقفى و للزجل الشعبي ..والتلاحز الارتجالي … في طفولتنا لم نكن نعرف بعد الشعر الحر ) … شخصيا لم أحط قدما واثقة في الشعر إلا بعد دراستي للعروض و البلاغة بصفة عصامية ،لأن تخصصي الأكاديمي علمي . دراسة علوم الاحياء و الأرض …و مدرسها إلى وقتنا الحالي
مهنة التدريس ، ساعدت كثيرا في كيفية التعاطي مع أي موضوع …مع أي لقطة
و مداخل التعامل معها حسيا مثلا ..
هناك نظرية نفسية حركية في التربية تقول بأن طرق التعلّم و تلقين المعرفة و المهارات ثلاث .. منها ما يعتمد
البعد صفر ( الكلام ـ موسيقى ) ثم بعدا واحدا ( الكتابة ) ثم بعدين ( الصورة شكلا و ألوانا و ضوءا و تباينهما) ثم ثلاثة أبعاد ( الحجم المجسم بقوامه و بينته ) …فالشعر ليس ألفاظ جميلة متراكمة ..كما سبق لك أن قرأت لك على … بل يجب على الشاعر أن يستحضر اللفظ في جميع أبعاده و حركاته أو سكناته … بشكل يكون رابطا واضحا بين ما يوجد في هالته ، في بنية القصيدة و مدلولها الجمالي .
السؤال ـ 2 ـ الشعر لوحة تبحر في الوجدان وإتقان لحبك الحرف .. ما قولك؟
الشعر لوحة ..و اللوحة شعر … و الموسيقى شعر و لوحة …و الرقص كذلك
كل الفنون هي ذبذبات إيقاعية ( بالمعنى الفيزيائي و الفيزيولوجي للمصطلح ، فالصوت الحامل للنغمة أو اللحن ذبذبات صوتية ….و الألوان إشعاعات كهرومغناطيسية أو طول موجات و الرقص و الميم حركات تهيج العين …بحيث لا يخلو فن من تهييج مستقبلات حسية ، التي تتجمع في حواسنا الخمس … فالفن هو كيف نجعل من هذه الذبذبات مصدرا لسعادة الإنسان … و ارتقاء أخلاقه و من تم تصرفاته تجاه بيئته بأكملها .. فالإنسان في رقيه، كائن فنان ) تحرك الوجدان ..فمن الطبيعي أن تنبع منه .. بحيث يكون هناك تواصل بين منفذ المرسل والمتلقي …فهما ينتميان بيولوجيا و سوسيولوجيا لنفس النوع الذي هو الإنسان .
و بالتالي ،هناك عوامل داخلية وخارجية تهيج سليقة الفنان ليبدع من عمق وجدان المتلقي … إذ لو لكانت هناك قطيعة بينهما لما حركت في هذا الأخير تذوقا و لا اهتماما حتى.
السؤال ـ 3 ـ ما الذي تحمله لشعرك ؟
كل شاعر ..و عموما كل فنان …يحمّل نتاجه شخصيته …رصيده المعرفي…تاريخه …خياله … تطلعاته … طوباوية عالمه المرئي و معالم بستانه السرّي …و إذا استعمِلتْ هناك رمزية بالتوافق …فإنها في الواقع لا تمثل نفس الشيء عند كل مبدع …و كأن هناك صقلا شخصيته هو كنهه و ماهيته و ما يحدد أسلوبه الخاص … فالموجة …و القمر ..و الضباب … هي ألفاظ ( مصطلحات ) شعرية .. نجدها عند كل شاعر أوكاتب .. لكن منظروها ،جمالية و فلسفة استعمالها …مختلف باختلاف المبدع .
بالنسبة لي … أحاول أن اختلق مفهوما شاسعا للفظ الشعري … فيه المعنى و الإيقاع .. و الربط و الرمز … و ذلك من تفاعل أكيد بين مخزون مشارب تكويني
و اللقطة اللحظية الملهمة … و في غالب أمري مع الكتابة و خلالها . يتهيأ لي أنني أرسم بالكلمات …فالقصيدة عندي هي معرض وتوقيت خارج الزمن لعدة لوحات (أحادية الموضوع طبعا ) . فإن كان المسرح أبا الفنون، فالشعر هو كل الفنون.
السؤال ـ 4 – من تعتبره مثلا لك في الكتابة ؟
في الواقع لا أجد في نفسي مثلا محددا في الكتابة ..أو بالأحرى تعاقبت عدة أمثلة
مع الزمن منذ مراحل الدراسة الأولى، و أكيد أنه كلما قرأت نصا رائعا ، تترسخ روعته في نفسي فأتمنى أن أكون مثل صاحبه … بلغة أخرى لقد شكل كل رائد متمكن مثلا لي…و هذا ليس في الشعر فقط …بل في كل المجالات الفنية التي أمارسها …لكن إذا اردت أسماء معينة … فقد كان لجهابذة الشعر أثر بليغ في صقل ذوقي للفظ و مفهومه مثل أصحاب المعلقات ثم المعري و ابن الرومي
و حديثا … نزار قباني و محمود درويش .. بدر شاكر السياب …
السؤال-5- كيف تنظر للشعر بالتالي للأدب العربي في ظل ما نشهده في عالمنا العربي منذ عدة سنوات ؟
العالم العربي منذ بضع سنوات …و خصوصا أثناء و بعد ما يسمى إعلاميا ب ” الربيع العربي ” ، الذي هو في الواقع شتاء بارد صقيع أريد منه القضاء على كل لبنة ما زالت تحلم بجمع شتات العرب جغرافيا ..اقتصاديا ..أو ثقافيا … بل بالعكس ..أصبحنا نرى تشجيع و تبني العاميات المحلية كلغات رسمية ..تأخذ مكان الفصحى في التلقين .. اللهم ما كان من مجهودات شخصية من ذوي الغيرة على اللغة العربية ، و هذا لا ينبئ بخير …لأن ما نراه هو نتيجة لأهداف استعمارية منذ … أخذت مجراها في تلك الفترة السوداء من تاريخ العالم العربي …مثلا ..في بلادي المغرب … تجند الان طاقات ليست بالهينة … لاستعمال الدارجة المغربية رسميا في التعليم … و للخروج من هذا الصراع ، تم التخلي عن تعريب المواد العلمية و الرجوع فرنستها رسميا و كأن …ذلك وفاق بين الدارجيين و المدافعين علن العربية …هناك في الواقع محاولة طمس اللغة العربية .لأنها مرتبطة بالعقيدة و هي أداة لا تصدأ للنبوغ الفكري و الفني …و استبدالها بالعامية لأنها لا تعلّم شيئا
الفكر و النتاج الفكري يسمو عندما يكون التفكير و التعبير بأسمى سجل في لغة ما
و عليه ، نعاني اليوم في العالم العربي من وجود هوة كبيرة بين برجية المؤلف ( باعتبار المبدعين الحقيقيين ) و الضعف اللغوي للقارئ ( إذا وجد فعلا ) .
ضعف التكوين … و عطب زيف الاكتمالية (هزالة النص في مبناه و معناه تشي دوما بمستوى صانع النص ) يخلقان مؤلفا متذبذبا و مهتما وهميا .
نهضة الفنون أو الأنشطة الثقافية، أو تدنيها في بلد ما مرتبط أساسا بمرجعيتها الثقافية
السؤال ـ6- هناك من يرفض تسمية قصيدة النثر بقصيدة بمعنى آخر لا ينسبها للشعر ما رأيك ؟
التوقيع الحقيقي للشاعر هو القصيدة الموزونة العمودية. مثلما أن التوقيع الحقيقي للفنان التشكيلي هو اللوحة الواقعية … ومنطلق كل فن هو الواقع .
أريد أن أوضح من هذا بأن الفنان مكتمل النضج في أي مجال كان … يجب أن يكون ملمّا بتاريخ الفن و مدارسه كرونولوجيا ..و محطات الطفرات الدقيقة التي تحدد ظهور هذه المدرسة أو تلك ..أنا أتعجب كيف يرتمي بعض ممتهني الفن ليمارسوه في صورة أخر مدارسه …لدى أرى .. منطقيا ..أن يبدأ الشاعر بدراسة نظرية للعروض ( لأن كل فن يمارس خارج إطاره النظري يعتبر عبثا و استخفافا بالذوق العام ) ثم تجريبيا ..بكتابة القصيدة العروضية …و لو في أبسط بحورها .
ثم بعد ذلك له أن يكتب في أي نمط وجده ناجعا للتعبير و مطاوعا للموضوع .
شخصيا أفضل كتابة القصائد الحماسية المرتبطة بقضايا قومية وطنية بالشعر العمودي ..و شعر الغزل فبما يسمى بالقصيدة النثرية .
و كل نص فيه ..إيقاع واضح أو داخلي …فيه رمزية تستثنيه من الكلام العادي ،
فيه جمالية تسمو بالذوق و تلطّفه هو شعر .
و ما يسمى بالشعر النثري هو في الثقافات الأخرى شعر و كفى …يعبر عن الأنسان ..كائنا و مكينا ..فلم تستسلم نحن العرب لحرب تسميات لا طائل من ورائها
يمكن أن نترجم قصيدة إلى العربية ..و تبقى شعرا .
السؤال -7 – هناك من يطلق مسمى أدب المشرق وأدب المغرب العربي ،هل أنت من ذلك ولماذا
عوض التسمية ، أفضل أن استعمل مصطلح ” التصنيف ” فهو أكثر علمية …و أشمل معنى . هو بدا تصنيفا تاريخيا
مع اتساع رقعة انتشار اللغة العربية عبر إسلام عدة أمم ( خاصية اللغة العربية أنها تنفل كل رصيدها الثقافي تلقائيا أيمنا حلّت و الداخلون في الإسلام ينكبّون بشغف على دراسة الفصحى حتى لتقولن إنه عربي ) ، فرض هذا التصنيف نفسه وأصبح جغرافيا …ليعني مجموع ما ينتج من أدب في رقعة جغرافية معينة.
لكن لا يجب أن نفهمه كقطيعة نهائية بين أدباء الأقاليم، فوحدة المرجعية من جهة ،( اللغة العربية الفصحى و هي ماهية محفوظة عقائديا ) ومن جهة أخرى التخليط الفكري الناتج عن أدب الرحلات الفردية و التجارية و تشكل معاقل سياسية قوية ( دولة الأموين بالأندلس مثلا ، المرتبطة مباشرة بالشرق العربي ) جعلت ازدهار الادب العربي يحدث و كأنه في جسد واحد ، رغم محاولات المستعمر حديثا من ضرب هذا العنصر الأساسي من الوحدة الدينية و القومية ، عن طريق الاستشراق بأهدافه الثلاثة المعروفة ..ثم الاستعمار ( خلق تبعية واضحة للأدب الإنجليزي أو الأدب الفرنسي و هي في العمق استبقاء لهيمنة لغتهم مما يسهل عليهم السيطرة السياسية و الاقتصادية تخدم مصالحهم )
يجب أن نكون مع التصنيف في أطار الأدب المقارن ، لأنه الأصل في ازدهاره بصفة سليمة ، و لا يتحول الأدب العربي إلى أدب غربي مترجم …في التأليف و في نظريات النقد . و لست مع القوقعية …لأن الأدب فن بشري في واقع الأمر ، و التأثيرات المتبادلة لا مفر …مع الحفاظ على هويتي لكي لا أذوب في هدف الآخر فآقصى .
– السؤال- 8 – وسائل التواصل الاجتماعي مجال رحب للانتشار واثبات الوجد للشاعر ام هو فضاء حمل الغث والثمين على نفس السوية ؟
لا أظن أن في تاريخ البشرية، تعرض الإنسان لظاهرة تواصل لحظي مثلما خضع للنت والشبكات الاجتماعية فمحاسنها تيه و رزاياها تيه. النت مثله مثل الساعات الخصوصية …غالبا لا تفيد إلا النجباء من الطلّاب .
الشبكات الاجتماعية تشد الانتباه باللقطة الصورة، المرصعة بالألوان والعبارات الصادمة التي غالبا ما تأخذ طابعا إشهاريا … يفقد بريقه مع بث لقطة أخرى ـ فنعته هذا يجعله ميدانا غير ملائم لنشر الكلمة الهادفة و الشعر الرقي، إلا ما كان من مواقع أدبية يحدد فيها مشرفون أكفاء أسس و بنود النشر يقرأون ، يعلقون ، و ينتقدون ، في هذه لحالة يصبح النت مجالا رحبا لإثبات الشاعر لنفسه .
النت نوافذ تفتح و تغلق ..يخلق الإعجاب بفتحها و ينهي في غالب الأحيان بغلقها .
و هو سوق أفكار بشرية ، الغت و السمين موجودان تاليها و تذوقا ..و من يشتري موجود عن دراية و تكوين أو عن محاباة و دناءة هدف .
أفضل النشر الورقي لما أكتب، ففيه تكتسب كلماتي الشرعية الفنية …ولأنه كذلك هو توثيق باذخ ذي ركائز متينة في عالم التأليف، و إن كانت صفحتي مرتادا لأصدقاء في مستوى عال من الثقافة الأدبية و الفنية و الإعلامية … فجلهم من سوريا بلد الذوق الراقي و الثقافة الفنية بامتياز .
( بالمعنى الفيزيائي و الفيزيولوجي للمصطلح ، فالصوت الحامل للنغمة أو اللحن ذبذبات صوتية ….و الألوان إشعاعات كهرومغناطيسية أو طول موجات و الرقص و الميم حركات تهيج العين …بحيث لا يخلو فن من تهييج مستقبلات حسية ، التي تتجمع في حواسنا الخمس … فالفن هو كيف نجعل من هذه الذبذبات مصدرا لسعادة الإنسان … و ارتقاء أخلاقه و من تم تصرفاته تجاه بيئته بأكملها .. فالإنسان في رقيه، كائن فنان ) تحرك الوجدان ..فمن الطبيعي أن تنبع منه .. بحيث يكون هناك تواصل بين منفذ المرسل والمتلقي …فهما ينتميان بيولوجيا و سوسيولوجيا لنفس النوع الذي هو الإنسان .
و بالتالي ،هناك عوامل داخلية وخارجية تهيج سليقة الفنان ليبدع من عمق وجدان المتلقي … إذ لو لكانت هناك قطيعة بينهما لما حركت في هذا الأخير تذوقا و لا اهتماما حتى.
س9- هديتك لقراء الموقع
الاقتراح الأول
سواغ الفراغ …. جمال بالأخضر ــ فاس ــ
***** *****
في طرفة قرار
وظَبَتْ حقيبتها
أنهت كتابة كلمات
خربشات ما ضاع //
لم تفارق ذهنها
منذ نظرات الشقاق
كما لا تفارق الرياح الشراع //
تسللت من بين عاصفة ذكريات
بخار قطرات مطر
سالت على سواري الزمن
بكر دمعات خانت زينة المسكارى
هل هو منتهى وداع //
يا ترى…
أم جفاف أحاسيس
أم بداية سفر
رمى ما صاغ من صدق
لبس ألف قناع //
امتص دمع لحظات الاشتياق
سمم رضاض السكر
في ثنايا ” كراميل ” القُبل
حبيبية السواغ //
تختلط بهدب الرضاب
فتنسج سيناريو أحلام
على وسادة الفراغ
لم تعشها أقلام
و لم يفسرها حبر يراع //
الاقتراح الثاني
معناك ـ جمال بل الاخضر… فاس ـ
****** ******
النظرة عمق
سرق من وميض الأغلال
فراغ في مقلتيك
مبدأها قطرة زلال
قد نشأت في يم الاهتمام
تسامت في عالم الأحلام
ثم زوبعة وصال
ما بين غسق و شروق
قزّحت ظلمة الليال
فكان قمرك عينايَ //
الهمسة ميم الشفاه
قن العشاق فريد
كأنه رتق بخيوط عسل
رج ما بيننا من هوى
قبل اللقاء
شطّ بنا النوى
إلى شاطئ الخجل
موجه تتلاطم على جمر الرموش
إلى مبغى به القلب اكتوى
فهذا مرسى آهاتك سكناي //
اللمسة نسق
رونق يحاكي ربى البصمات
يحكي في غلاف قصص الصّبا
بدت بيننا سراع خطوات
مسار ليلة
أرسم لوحة انطباعية
و أنت في غفلة
ما بين الخاتم والخلخال
هذا فن مدحي كلّه
وما بلغت مناي //
والقبلة بلسم
تنسي شح البوح
إن سقطت على الجيد
تنشأ حرارة شجيّة
ثم كرزية الذوق
على لسان يوم العيد
بين الشفاه القانية
تطفئ لهيب التوق
وتشفي ما بيّ
فأفهم في الحياة معناي //