مسيرة عطرة وغنية بالمنجز الأدب والفكر المتميزشخصية فرضت وجودها في ساحات الأدب والفكر وأعطت ومازالت تعطي للأدب للثقافة ما هو ثر ننهل منه
أهلا ومرحبا وضيف نفحات القلم الراقي المبدع أ.د. مصطفى عطية جمعة
حاورته منيرة أحمد
=مما كتبت بما معناه أن المجاملات في ميدان الأدب وخصيصا في اختيار المنتج ليكون له مكانه في معارض الكتب عموما .. هذا يقودنا إلى سؤال يؤرق الكثيرين حول المجاملات التي اتشرت كالنار في الهشيم خصيصا في العالم الأزرق. ما تعليقك ؟
بداية، أشكرك كثيرا أ. منيرة، على هذا الحوار، وأسعد بالتعاون معكم دوما في موقع الثقافة الراقي، والمتميز، وأثمن جهودك الرائعة ونشاطك الثقافي والإبداعي.
وبالنسبة لسؤالك المطروح، يمكنني القول إن المجاملات آفة اجتماعية عميقة الجذور في مجتمعاتنا العربية، ولها أسباب عديدة، وللأسف فقد انتقلت وانعكست على الحياة الثقافية عامة، والأدبية منها خاصة.
علما بأن المثقفين هم طليعة الأمة، وقادة التغيير الفكري، وبحكم خبرتي الطويلة وتواجدي في الحياة داخل مصر وخارجها، منذ عقود وسنوات طويلة، فإنني أقول إن المجاملات بين المثقفين والمبدعين هي السمة الغالبة، وتظهر في الكلام النقدي المجاني، والمديح المتكاثر، مما أفقد الإبداع الحقيقي قيمته، وأضحى الجميع سواءً في مستويات الإبداع، فالكل يُمتَدح، والمادحون يصفون الممدوحين بنعوت فخمة، على شاكلة: أشعر الشعراء، وأروع الكتّاب والكتابات، وأنها كتابة فذة، وأن هذا هو الإبداع الخالد.
كما تظهر المجاملات أيضا في سلاسل النشر الحكومي، وفي الكتب المرشحة لنيل الجوائز، ناهيك عن التربيطات التحتية التي تتم بين محكّمي بعض الجوائز، وبين المبدعين، وهناك همسات كثيرة تروى في ذلك، مما جعل هدف المبدع المعلن أن يكثر من علاقاته الاجتماعية، وجلساته المسائية، و”عزوماته الغذائية” مع أصحاب المناصب الثقافية، والإعلامية، وأن هذا هو طريق الشهرة، وليس الإبداع الحقيقي والجاد.
وأقول، هناك مئات من المبدعين أضاعوا أنفسهم وأماتوا موهبتهم بهذا الوهم الزائف، والركض وراء العلاقات والشللية والإعلام، فما الفائدة أن تكسب مئات الأصدقاء، وتخسر ذاتك الإبداعية؟
*****
= دأب العدو بكل أشكاله وأدواته على تدمير التراث العربي ولهذا الأمر أبعاده الخطيرة حبذا لو تطرقنا من خلالك لهذا الموضوع .
السؤال: من هو العدو؟ والإجابة: هي كل من ترصّد وهاجم التراث العربي، ونظر إليه نظرة دونية، وانتقده بعنف، دون النظر إلى ما يحفل به هذا التراث من علوم وفنون وآداب ومعارف، وراح يعلي من شأن الفكر الغربي ونموذجه الحضاري، سواء كان من المستشرقين الغربيين، أو من العرب والمسلمين المتغربين.
والمشكلة أن مفهوم التراث عند هؤلاء يعني الإسلام أولا، فهم يتعمدون الخلط بين الإسلام بوصفه دينا وشريعة وهديا، وبين المؤلفات التراثية والتاريخية التي قد يساء فهمها، أو يخلطون بين الإسلام والأحداث التاريخية الدامية، وهكذا.
بالطبع هناك مئات الكتب والبحوث العلمية التي ردّت على هذه الترهات، ولكن للأسف، لا يتم تسليط الضوء عليها، فهناك جهات عديدة تدعم الرؤى الغربية المهاجمة للتراث، وتمدّها بالمنابر الإعلامية والميزانيات الضخمة.
*****
= دكتور عطية تحدثتم في مقال لكم عن (حفريات السرد في بدايات التاريخ الإنساني) لو تكرمت توجز لنا وتوضح للقارئ ما الذي تعنيه بالضبط.
المقصود بــ “حفريات السرد” هو حضور الحكي والقص وسائر الأشكال السردية المختلفة في العصور القديمة في التاريخ، جنبا إلى جنب مع الأشعار والأغاني والحكمة، وكانت هناك سرديات أسطورية، وأخرى واقعية إخبارية، وكلها تتعلق بالإنسان: خيالا وواقعا وأحداثا. حيث تشير الأدبيات التاريخية إلى أن أقدم القصص التي وصلت إلينا لم تكن سطحية للتسلية، بل هي مملوءة بالحكمة وتجارب الأيام، ولا يمكن للإنسان أن يخلق مثل هذه القصص بين عشية وضحاها، بل لابد لها من حقب وأزمنة طوال، تنشأ فيها وتنمو. والدليل واضح من خلال الجماعات البدائية التي لا تزال تعيش على كوكبنا، وتمتلك تراثا من القصص والقوانين يرثونها جيلا عن جيل، من غير تسجيل، أي يعتمدون الشفاهة والحفظ بوصفهما وسيلتين لنقل السرديات والقصص. فالأرجح أن يكون أسلافنا مثل هؤلاء؛ فكروا وعبروا قبل الكتابة والتدوين.
فهذه الجماعات لديها ثقافاتها وفنونها وآدابها، المتوارثة بطرق مختلفة، أساسها شفاهي، وتحمل عقائد الجماعات وتوجهاتها، وحكمتها المتوارثة، بما يعني أن الأدب: شعرا وقصا، هو الوجه الآخر لحياة الإنسان أيا كانت نوعية ثقافته، ومستويات حضارته.
لقد اختزن الإنسان البدائي الحكايات بكافة أشكالها، ورواها، وتعمّد حفظها، لينقلها إلى الأجيال التالية، فلمّا تقدمت المجتمعات، ونشأت الحضارات، وتوصلوا إلى أبجديات الكتابة؛ تحوّل الشفاهي إلى مكتوب، للحفظ والرواية.
فلم تخلُ حياة الإنسان من الأدب في أي مرحلة من مراحلها، غير أن الشعر ربما يكون سابقا على الإبداع النثري، لأن الشعر لغة الوجدان، والنثر لغة العقل، والإنسان ينشد بوجدانه قبل أن يفكر بعقله. ويرى والفلاسفة وعلماء الاجتماع أن “البشرية لما قطعت أشواطا في مدارج المدنية؛ هدأت العاطفة الحادة، وزاد التفكير المنظم، فجاء تعبير الإنسان عن أفكاره نثريا، وأخذ الأدب يتطور في صور مختلفة، لأن الأدب ظاهرة اجتماعية تنشئها العوامل الطبيعية، التي تنتج الظواهر الاجتماعية الأخرى، والاجتماع قائم على أساس المادة، ويتطور المجتمع ويترقى كلما تطورت موارده وتكاثرت، واستقرت مصادر غذائه.
هذا، و يمكن الجزم بأن السرد يتفوق على الشعر، لأنه لصيق الصلة بحاجات الإنسان، فإذا أبدع الإنسان الشعرَ من أجل الغناء والطرب، فإنه يروي السرد بكافة أشكاله لدواع عدة، منها المتعة والتعلم والاستئناس والاستفادة، أي أنه يروي في كافة حالاته، وأينما تواجد. ثم تطور الأمر من الشفاهي إلى الكتابي، على الأحجار وجدران الكهوف، ثم في البرديات والأوراق وصولا إلى الطباعة وما تلاها.
*****
= حدثنا لو سمحت عن مضامين كتالك (الرؤية والأداة: جماليات المكان والزمان والتأويل في النص الأدبي”.
يأتي هذا الكتاب طارحا مفهوم “اللُّحمة والسَّداة” كمدخل لدراسة النص الأدبي. فنحن لا ننأى عن جوهر النص من حيث كونه نصا لغويا يحمل الكثير من الإشارات والجماليات والإيحاءات والدلالات، فهذا المصطلح يصب في صميم مفهوم النص، وفق النظرية النقدية الحديثة؛ فالنص الإبداعي مثل النسيج، يمكن رؤيته على هيئة النسيج: خطوط عرضية وهي اللحمة، وأخرى طولية وهي السداة. وإذا كنا لا نتخيل نسيجا دون خطوط متقاطعة متلاحمة، فإن الأمر يتشابه في النص الأدبي، بل هو واقع كائن فيه، وما على الناقد إلا أن يقرأ النص في ضوء هذا التصور، بأن يتخيل الخطوط / العناصر الطولية التي تشكل بنية النص، والخطوط / العناصر الأفقية
إن مفهوم النص الأدبي بوصفه نسيجا، يتطلب التعامل معه، بدراسة بنائه الرأسي، والدوائر الدلالية الكامنة خلف هذا البناء، التي تتقاطع معه، ونتمعن في إشاراته الأسلوبية وما تبثه من إيحاءات ودلالات، وهذه عملية مكتملة، لا تقف – بالطبع – على حدة عند الرأسي أو الأفقي، بل تدرس لحمة النص وسداته بشكل شمولي، في استكناه ما يختزنه النص من أبعاد ثقافية واجتماعية تفهم من شفرات النص، وتُضاء بتحليل الناقد.
إن هذا المفهوم يعيد قراءة النص كوحدة واحدة، بعيدا عن القراءات التي تمعن في عرض جماليات الشكل، أو القراءات التي تقف عند طروحاته الفكرية، وقد يجرف القلم الناقد فيحمل النص ما لا يحتمل من رؤى.
وقد رأى المؤلف أن تكون مدرستا الهرمنيوطيقا (علم التأويل)، والسيموطيقا (علم العلامات) منهجين أساسيين يعتمدهما في قراءاته، وهذا لا يعني أنه سيقتصر على هذين المنهجين فقط، بل هو ساع إلى الاستفادة من مناهج نقدية أخرى مثل البنيوية والأسلوبية والسرد، والنقد الثقافي والاجتماعي وغيرها، وهذا ما يلمسه القارئ في مباحث الكتاب: النظرية والتطبيقية.
على صعيد آخر، وفي ضوء عنوان الكتاب المتقدم، فإن اللحمة والسداة لهما مفهوم أكثر خصوصية. فلكل نص علاماته، وهذه العلامات قد تكون ذات إيحاءات خارجية (إلى ما هو خارج النص في الحياة)، أو داخلية (إلى ما هو داخل النص عبر ما رسخ في ذهن المتلقي في رحلته النصية)، ولا يمكن فهو العلامة النصية إلا بتأويلها وفق المعطيات النصية، ونقاط الضوء التي يتلسمها الناقد في ثنايا النص.
وبعبارة أخرى أكثر دقة، فإن العلامات النصية / السيميوطيقيا أشبه بالسداة عبر تتابعها الرأسي في النص، وتأتي جهود تأويل النص تلحم هذه العلامات مع بعضها البعض، وفي ضوء نسيج النص الكلي.
*****
= ماذا عن القصة القصيرة جدا كشكل أدبي جديد . وهل ما زالت تحصد مراتب متقدمة بالنسبة للقارئ ؟ ولماذا ؟
إذا تأملنا نصوص القصة القصيرة جدا، سنجد أنها تعبر عن رؤى عديدة، بعضها يمثل ثوان مرت في حياتنا، وبعضها يختصر الحياة كلها، وقد تعبر عن دقائق أو أيام أو سنوات، ولكن الثابت فيها أنها تختصر ما هو رحب، وتوجز ما هو مسهب، وتقول في كلمات ما يمكن أن يقال في صفحات طوال .
إنها شكل مستقل، قد نجده في ثنايا بعض النصوص، ولكن يظل له خصوصيته المميزة، لأنه يعبر في قالب بليغ عن خطرات أو مواقف أو أحداث أو تأملات في حياتنا، لا يمكن ذكرها في رواية أو قصة قصيرة لأنها مجرد إلهامات عابرة في ثوان أو أجزاء من ثانية، ولا تصاغ في شكل الخاطرة، فالخاطرة تظل في النهاية شكلا أدبيا بلا ملامح ولا علامات، أي نص سائل لا وعاء يحويه .
فتأتي القصة القصيرة جدا ذات علامات واضحة محددة : أساسه حدث وقد يكون حوارا، وعلامته روح القص، وأسلوبه بليغ يقترب من الشاعرية في كثير من الأحايين، مع ملاحظة أن الأسلوب هنا ليس به تنميق الصورة ولا الإكثار من الرمز، والتراكيب والألفاظ الموحية، لأنه مقيد بالبعد السردي، أي أن الجملة لابد أن تساهم في البنية السردية، وإلا صارت حلية زخرفية، فتصبح عبئا على النص، وليست مساهمة في بنيته وأسلوبه .
وبعبارة أخرى فإن الأسلوب في القصة القصيرة جدا، يجب أن يكون بليغا سرديا أو هو سرد مصاغ بأسلوب بليغ، وهي بلاغة الجملة السردية، فهي تتكون بلاغيا، وتبدو براعة الأديب في قدرته على الصياغة بألفاظ موحية، وتراكيب لغوية مؤثرة، بحيث تساهم الجملة في حركة السرد في القصة من ناحية، وفي الظلال والأصداء المتولدة عن كلماتها وتعبيراتها من ناحية أخرى.
لقد أصبحت القصة القصيرة جدا هي الشكل الطاغي في الكتابات الأدبية المنتشرة الآن، أو بالأدق في العقود الأخيرة، وما علينا إلا أن نتأمل أكثر ما يكتبه الشباب، ونجده مبثوثا في المنتديات ومواقع التواصل الاجتماعي، أو في الصفحات الثقافية في الصحف والمجلات، ونضع تصورا إحصائيا، لنكتشف أنه الشكل الأكثر انتشارا، والأعظم رواجا على صعيد القراءة، لدواع عدة تتصل بقصر كلماته، فتسرع العيون في قراءتها والعقول في فهمها، ليكون هو الأكثر كتابة وقراءة.
وقد ساهم الحاسوب وأجهزته المتعددة سواء كانت محمولة أو لوحية أو هاتفية، في سحب القارئ إلى عالم تقني رحب، يصاحبه متى تنقل أو استقر، بل متى اضطجع أو جلس، وهذا القارئ متعجل بطبعه، لا صبر لديه على قراءة صفحات، فديدنه التصفح، وسلوكه العجلة، وشعاره الرغبة في الاستئثار بأكبر قدر، بغض النظر عن العمق الفكري وما يتعلق به من تذوق إبداعي، وأسلوب ثري، فالقضية عنده لهاث يلتقط فيه ما تطوله عيناه، فتكون بغيته القصة الشاعرة بنصوصها .
وبالطبع لا يقتصر الأمر على عالم الفضاء الإلكتروني، بل يمتد إلى النصوص المنشورة ورقيا، وقد ظهرت مئات الكتب التي تحوي هذا الشكل أو ما يشابهه، وبات هناك قرّاء لهذا اللون تحديدا يفضلونه على ما عداه وسرعان ما يجدونه منشورا.
*****
= أمر مهم جدا تطرقت إليه ونود الوقوف عنده ألا وهو الرواية في عصر العالمي الرقمي .. ومتابعة ماذا توحي لك الرواية الرقمية، وهل تعطيها هوية أدبية ؟
بداية لابد أن نقرر أن هناك علاقة قوية بين السرد الروائي العربي والفضاء الرقمي/ الإلكتروني، وعلينا النظر في كيفية تفاعل الأدباء العرب مع عالم الإنترنت بوصفه عالما موازيا لعالمنا المعيش، فيه من الشخصيات والرؤى وسبل التواصل والاتصال ما يختلف عن عالمنا الواقعي، وفي نفس الوقت يكمله ويضيف له ؛ على قناعة أن شبكة “الإنترنت” ليست مجرد وسيلة اتصال، وإنما شبكة من الوشائج وسبيل للبوح وأوجه التلاقي الإنساني.
وقد تراوح تفاعل الأدباء العرب مع الشبكة العنكبوتية، ما بين مكتفِ بنشر أعماله الورقية فقط، أو من يضعها في موقعه الخاص على الشبكة، ومن ثم يتلقى آراء القراء، ويناقشهم مباشرة، أو مَن يبدع من خلال عالم الإنترنت ذاته، بحيث يدمج علاقاته على الإنترنت ضمن نسيجه الروائي، لنرى شكلا جديدا من الكتابة، قوامه الصلة بين عالم الكاتب الحي الواقعي، وعالمه الافتراضي الذي خلّقه بنفسه، وبنى وشائجه على عينه، وتلقّى إشعارات القراء وتعليقاتهم، حول ما يبدعه.
في ضوء هذا، لابد من البحث المؤصل عن علاقة الأدب بعالم الإنترنت الذي بات حقًا من حقوق الإنسان المعاصر، وهو حق التواصل والاتصال والمعرفة، مستعرضا الأجيال الجديدة التي ولدت وعاشت زمن الشبكة العنكبوتية، وأيضا الأجيال السابقة التي أوجدت لها مساحة على هذه الشبكة، ونجحت في التواصل، بل وكتبت إبداعات عن عالم الفضاء الإلكتروني .
ومن ثم من المهم التطرق إلى أشكال السرد الروائي على الإنترنت، وأنماطه المختلفة مثل الرواية الفيسبوكية والرواية التكنولوجية ورواية علاقات الإنترنت وغيرها، مناقشا الماهية والبنية والجماليات وأوجه الإضافة والتمايز لبعض الروايات على سبيل المثال، وليس الحصر .
= ما زلنا في رحاب الاحتفاء باللغة العربية ماذا عنها في عصر العولمة ؟ وهل من خوف عليها برأيك ؟
لاشك أن العربية تتعرض لهجمات كثيرة، في عصر العولمة والغزو الثقافي للأمة، لذا، من المهم تبني استراتيجية لغوية، تنتصر للفصحى، وتساهم في صياغة وجدان جمعي، ورؤى فكرية واحدة، وقيم عليا، لتصبح هي اللغة الأساسية في العلم والثقافة والحضارة، وتقضي على مظاهر الفوضى اللغوية التي نراها ماثلة أمامنا، من خلال تعظيم اللغات الأجنبية ( لغات المحتل السابق )، أو الإمعان في اللهجات العامية، مما أنتج ضعفا واضحا في تعلم العربية الفصيحة واستخدامها، وفي النظر إليها على أنها لغة ثانية، بعد اللغات الأجنبية المستخدمة في الحياة العلمية العربية: تعليما وبحوثا وإنتاجا معرفيا، وبعد اللهجات الشائعة في وسائل الإعلام المختلفة.
فالمستهدف دراسة الحالة اللغوية الراهنة، والوقوف على أبعاد التحدي الحضاري، في البلدان العربية في تشكيل الهوية والوصول إلى صياغة مدركات جمعية مشتركة، تنأى عن القطرية والقبلية والتشرذم، وتواجه الغزو الفكري والثقافي، وتعزز قيم الانتماء والرابطة الجامعة بين أبناء العروبة والإسلام.
فلابد من استراتيجية لغوية عربية، تواجه الاستلاب الحضاري، والتمزق القطري، وزيادة الفرقة بين أقطار العروبة، ونأيها عن محيطها الإسلامي، وانعكاس ذلك على ما هو مطبق في النظم التعليمية والثقافية والفكرية وأبنيتها، فالعبرة ليست في التنظير، فما أكثر بحوثه وما أوفرها، وإنما في التطبيق الذي نلمسه في جوانب حياتنا : تشرذما فكريا، تشتتا ثقافيا، الافتتان باللغات الأجنبية، واتخاذ الغرب نموذجا حضاريا، بالرغم من مرور عقود عديدة على التحرر من الهمينة الاستعمارية، وتبني الدول العربية بعد الاستقلال لسياسات لغوية تهدف إلى محاربة الغزو الفكري، ولكن المحصلة التي نراها بأعيننا شديدة البؤس، فما تنطقه الألسنة يخالف ما رامته الأنظمة، وما تبدعه العقول من علوم مصاغ بلغات أجنبية في أغلبه .
إننا نحاول من هذه الرؤية أن ترصد وتحدد ومن ثم تطرح الأسئلة، وتتلمس الإجابات، موقنة أن الحل لا يمكن أن يضطلع به أفراد ولا مؤسسات، وإنما من خلال استراتيجية جامعة، تسبقها فلسفة ورؤية، وتدعمها إرادة وعزيمة، وتطبقها أجهزة جادة، تعرف واجباتها ورسالتها، وأن الأمر ليس هزل لأنه يرتبط بمستقبل أمة ونهضة شعوب، ترنو إلى رقي وتحضر .
= نشاطات متعددة ومحاضرات بموضوعات عدة في أكثر من محفل عربي ودولي حبذا لو توجز لنا أهمها وأهم ما طرحته فيها.
بفضل الله، شاركت خلال الفترة الأخيرة في نشاطات متعددة، في ندوات ومؤتمرات دولية، لعل أهمها في رأيي:
1- اللغة العربية والأدوار الحضارية: الإبداع والمصطلحات والعلوم”.
عنوان المحاضرة التي تشرفت بتقديمها السبت ١٦ ديسمبر ٢٠٢٣ ضمن فعاليات بيت اللسانيات الدولية-تركيا. وقد ذكرت فيها أنه من الضروري دراسة اللغة العربية في ضوء السياقات الحضارية والفكرية التي نشأت فيها، وشكّلت علومها اللغوية.
2– “تمثيلات المدينة وقضاياها في السينما الروائية العربية: أفلام المخرج محمد خان نموذجا“، عنوان البحث الذي شاركت به في الجلسة الافتتاحية في مؤتمر “سينما الأدب: قضاياها، جمالياتها، ملامحها الإنسانية”، والذي نظّمته كلية الآداب والفنون، بجامعة حسيبة بوعلي، الشلف، الجزائر، اليوم الأربعاء 13 ديسمبر 2023، وقد تشرفت أن أكون ضيف شرف المؤتمر، كما تشرفت بعضوية اللجنة العلمية.
3- الندوة العلمية الدولية الموسومة بـ ( علم المستقبليات: المفهوم والاستراتيجية والمناهج )، وقد أقامتها مؤسسة الذكوات للثقافة والفكر والفنون – العراق
بالتعاون مع الجامعة الأمريكية للثقافة والتعليم AUCE – لبنان
والتي عقدت إلكترونيا على منصة free conference call
وذلك الخميس 7 ديسمبر 2023، وقد اشتملت على محاور أبرزها:
-مفهوم علم المستقبليات وفلسفتها واستراتيجياتها.
– نماذج الدراسات المستقبلية: النموذج البديهي، النموذج الاستكشافي، النموذج الاستهدافي أو المعياري، نموذج التغذية العكسية.
-طرق بناء السيناريوهات المستقبلية.
-نموذج موحد لعمل دراسة علمية وفق علم المستقبليات.
4- “أثر الرؤية الدينية في النقد الأدبي الغربي: إشكالات التأويل والتحيز والمركزية الحضارية”، عنوان البحث الذي ألقيتُه في الملتقى الدولى الموسوم بــ”الدرس التأويلي في الخطاب الفكري والنقدي المعاصر”، والذي نظّمه معهد اللغة والأدب، التابع للمركز الجامعي في تيبازه، بالجزائر، يومي 4، 5 ديسمبر. وذلك في الجلسة الأولى من أعمال الملتقى.
5- “استراتيجية التناهج في النقد الأدبي: قضايا النسق والظاهرة والإبداع” عنوان البحث الذي شاركت به في الجلسة الأولى في الملتقى الدولي الأول والذي حمل عنوان: المناهج في الخطاب اللساني والنقدي، قراءة في الخلفيات والأنساق والمآلات، والذي نظّمه مخبر التراث الأدبي الرسمي والشعبي، بجامعة 20 أوت، سكيكدة، الجزائر، وقد عُقِدَ على يومين: الأحد والاثنين، 26، 27 نوفمبر 2023.
= الهم الوطني الهم العربي والقصية المركزية فلسطين لها مساحات واسعة في كتاباتك ومشاركاتك ماذا عنها ؟
بفضل الله، قدمت دراسات ومقالات وبحوث عديدة عن فلسطين، وخلاصة ما ذكرته فيها أن فلسطين، هي القضية المحورية للأمة، وقد تراجع الاهتمام بها في السنوات الأخيرة، بفعل الحروب التي عصفت ببلدان العروبة، ولكن ها هي تعود من جديد، وتجعلنا نقف جميعا على المحك، لنعيد تموضعنا، ولتصحيح رسالتنا، بأن تكون كتابة أدب عنوانه النضال ضد الصهيونية، والانتصار للأقصى، ورفض سردية إمكانية التعايش مع كيان أجنبي مزروع بشعارات دينية مختلقة، ودعاوى سياسية برّاقة تروّج أن الكيان الصهيوني واحة ديموقراطية زاهرة، ومجتمع حضاري متقدم، وحبذا أن يتصدر قيادة منطقة الشرق الأوسط، ليتخذوه نموذجا.
إن الواقع المعيش دال على استعلاء استعماري صهيوني، مدعوم بلا حدود من الغرب عامة، لا يكتفي بقضم فلسطين التاريخية، بل يسعى إلى التمدد لما يسميه أرض إسرائيل الكبرى، عبر إشعال الحروب فيما حوله من أقطار، مع نزعة دموية مستمرة لا ترتوي من دماء الفلسطينيين، في الوقت الذي صدّع رؤوسنا بعض المفكرين والسياسيين والباحثين، بتحليلات عن تفاوت ميزان القوة، وحاجة الأمة للعلم والتكنولوجيا الإسرائيلية، وأن التعايش يعني سلاما واقتصادا مزدهرا للمنطقة.
ومن هنا، فإن الأديب المنتمي؛ مطالب أن تكون رسالته تحريضية، ضد كل ظلم وهيمنة واستعلاء صهيوني وغربي، وتنوير الأمة بكل ما يحاك لها من مؤامرات، جعلتها في حالة من الصراعات الداخلية، أضاعت مقدرات الشعوب، وبددت ثرواتها، وطردت أبناءها إلى المهاجر، إما بقوارب الموت، أو بالتسلل عبر الغابات.
أيضا، لابد أن يكون الأدب -سردا وشعرا- متناولا لقضايا فلسطين، ومنشغلا بمشكلات الأمة، وما أصابها من تدهور وتفكك وصراعات، والنظر في هموم شعوبها اليومية، ومعاناتهم، وأيضا يقدم وجوها من نضال الفلسطينيين، وتمسكهم بالأرض، ويتوافر في ذلك سرديات لا نهاية لها، لابد من توثيقها أدبيا، بجماليات عالية، ويمكن أن تكون مادة لصناعة محتوى فني، لمرئيات فيلمية ومسرحية وتشكيلية.
*****
= سؤال يطرحه نفسه برأيك كيف تظهر العلاقة بين الإعلام والأدب ..؟ وهل بات الإعلام الالكتروني هو سيد الموقف على حساب الورقي ؟ كيف تقرأ المعادلة إن أردنا المقارنة بين الاكتروني والورقي ؟
بداية، لابد أن نقرّ أن القراءة الورقية لها متعتها الخاصة، بأن يعايش الإنسان ملمسها، ويصحبها معه أينما جلس، في الشرفة، أو على شاطئ البحر، أو على المقهى، في حين أن الشاشات الإلكترونية، رغم ما فيها من إبهار في الصوت والصورة والألوان والأضواء؛ إلا أنها لا تعطي نفس متعة القراءة الورقية، وهو ما تشير إليه آخر الإحصائيات في العالم، فلا تزال الصحف والكتب الورقية لها الصدارة في المبيعات بأكثر من 65 بالمئة، فالإفادة المتحصلة من القراءة الورقية أضعاف مضاعفة ما يقرأه الفرد على الشاشات الذكية، فالمطبوعة الورقية تتيح للقارئ الاستغراق والتأمل، وتوسّع مساحات الخيال عنده، وتزيد من حصيلته اللغوية، والمعرفية، بعكس القراءة على الشاشات التي تملّ منها العين سريعا، خاصة مع زيادة المقاطع المرئية والصوتيات، التي جعلت القارئ غير صبور على القراءة، مفضلا مشاهدة الفيديو، أو سماع ملخصات الكتب والحوارات، ناهيك عن الزهد في قراءة الكتب العميقة في الفلسفة والأدب والشعر والقضايا الفكرية.
أما على مستوى الصحف اليومية والمجلات الورقية، فإن الإحصاءات تشير إلى تراجعها الشديد في العالم العربي، ومثلا فإن مصر بتاريخها الصحفي العريق منذ مائتي عام، ت فقد توقفت 50 في المائة من الصحف المحافظة على الصدور خلال 5 سنوات فقط، بالإضافة إلى تراجع توزيع الصحف من 2.5 مليون نسخة يومياً، إلى 400 ألف نسخة في 2017، والأمر في ازدياد في السنوات الأخيرة.
ويكون السؤال: هل السبب هو الوسائط الإلكترونية؟ والإجابة بالنفي طبعا، لأن الواقع في الدول المتقدمة يشير لغير ذلك. ونرى أن سبب التراجع في العالم العربي يعود في الأساس إلى تضييق هامش الحريات، وغياب الدعم المادي، والمكافآت المجزية التي تتيح استقطاب الكوادر المبدعة، وتساهم في ابتكار موضوعات جديدة، ونشر حلقات من الكتب الشيقة، والتحقيقات الصحفية المثيرة، فبات الصحفيون أقرب إلى الموظفين، وتراجعت هممهم، وغابت القيادات المتميزة، وقد انعكس كل هذا على المحتوى المقدم، فقلّت التحليلات السياسية العميقة، وندرت القضايا المثارة، وضعف إشراك القارئ، واستسهل الصحافيون فأخذوا المتوافر على الإنترنت، ولم تعد هناك الصفحات الثقافية والأدبية، التي تنشر أشعارا وقصصا تجذب القارئ وتمتعه، أو الصفحات الفكرية التي يكتب فيها المفكرون ويبسّطون القضايا العميقة للقارئ العام، وكذلك غابت الصفحات الدينية التي تتناول الجديد في المسائل الدينية، واستشارة علماء الدين والدعاة، وكذلك صفحات السينما المتخصصة، كل هذا بحجة تقليل عدد الصفحات، وضغط الإنفاق، مما أدى إلى فقدان شريحة كبرى من القراء المثقفين محبي الأدب والفكر والدين، واقتصرت الصفحات على الأخبار المحلية، والرياضية، وأبرز الأخبار السياسية، فصار القارئ يقلب في الصحيفة، ويتحسر على الورق والحبر الذي ضاع في محتوى سطحي، بلا تحليلات عميقة ولا إثراء معرفي.
وخلاصة القول إن سبب التراجع كامن في غياب الدعم المادئ، وإقصاء الصحفيين الموهوبين، وسيادة الشللية والتنفيع، بجانب ضعف المحتوى، ولذا ننادي بأهمية دعم الصحافة الورقية، بكل السبل، خاصة الصحف القومية الممولة من الدولة، فالقضية ثقافية فكرية وتنويرية في الأساس، لا تقل أهمية عن دعم الغذاء والطاقة، فتثقيف الشعب، وإثراء شرائحه الاجتماعية أساس لكل تقدم وتحضر.
*****
= لندخل في ميدانك الأدبي ومنتجك الغني الذي نتابعه ما أبرز موضوعاتك فيها ..؟ من تخاطب من خلالها ؟
بفضل الله أصدرت الكثير من القصص والروايات والمسرحيات وأدب الطفل، ولعل الموضوع الأساسي الذي أنطلق منه، وأجعله هدفا لي هو دعم الاتجاه الأدبيّ المنتمي للقيم والأخلاق، والذي يًسمّى “أدب الالتزام”، وهو يقوم في الدرجة الأولى على الموقف الذي يتّخذه المفكّر أو الأديب أو الفنّان فيها. هذا الموقف يقتضي صراحة ووضوحاً وإخلاصاً وصدقاً واستعداداً من المفكّر لأن يحافظ على التزامه دائما، ويتحمّل كامل التبعة التي يترتّب على هذا الالتزام. فبدلاً من أن يهيم الأديب في كلّ واد، ويقول ما لا يفعل؛ سيعطي من نفسه ومن أدبه النموذج والقدوة، شريطة أن يراعي مقتضيات الخطاب الأدبيّ، وجمالياته، حتى لا يتحوّل النصّ إلى خطابيّة ومباشرة. وهو ما يؤكد عليه البعد الأدبي، وكما يذكر مجدي وهبة، فإن “اعتبار الكاتب فنّه وسيلة لخدمة فكرة معيّنة عن الإنسان، سيجعل الأدب ليس وسيلة تسلية غرضها الوحيد المتعة والجمال، بل هو نص يجمع ما بين الجمال والقيمة.
وقد صار الأديب الملتزم في العصر الحديث معبّراً عن هموم المجتمع الإنساني، راصداً ومسجلاً لأبرز سرديّاته وقضاياه، لا أن يكون إنساناً منعزلاً، غارقاً في نرجسيته، متخيّلاً أنّ العالم يبدأ من عنده وينتهي إليه.
والأمر لا يقتصر على عصرنا، بل هو يضرب في جذور الأدب الإنسانيّ، بل إن كلمة أدب تعني خُلُقاً وتأدباً، وهذا لبّ المنظور الإسلاميّ للأدب، مصداقا لقوله تعالى: {وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَىٰ وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا}، (سورة الفتح، الآية 26)، فالتقوى مخافة الله، وهي جماع كلّ خير، فمن خاف الله، سعى لخدمة الإنسان، أيّاً كان، وكانت رسالة الخيرية حاضرة في مرجعيته الذهنية، ومشاعره القلبية.
= وقفة معكم في هدية
الهدية التي أتشرف بتقديمها لكم، أنني بفضل الله، أصدرت كتبا جديدة، مع نهاية العام 2023، ومطلع العام 2024، وتشمل كتبا عديدة للأطفال، أبرزها:
-47) صندوق الألعاب، مجموعة قصصية للأطفال، دار المثقف للنشر والتوزيع، القاهرة، 2023.
– الفقر مقتولا: قصة البروفيسور محمد يونس وحربه ضد الفقر في بلاده، قصة للفتيان، دار المثقف للنشر والتوزيع، القاهرة، 2024.
-رحيق الألم: قصة حياة “لي ميونغ باك” رئيس كوريا الجنوبية، رواية للفتيان، دار المثقف للنشر والتوزيع، القاهرة 2024.
-المتسابقون للفردوس، مسرحيات للفتيان، دار المثقف للنشر والتوزيع، القاهرة، 2024.
– كنتُ ملحدًا: سيرة العالم الأمريكي جفري لانغ، قصة للفتيان، دار المثقف للنشر والتوزيع، القاهرة، 2024.
وكذلك أصدرت رواية للكبار بعنوان:
-النسيم والهجير، رواية، دار المثقف للنشر والتوزيع، القاهرة، 2024.
أيضا هناك كتابان جديدان هما:
-المعجمية العربية: قراءة حضارية في ضوء الأنثروبوجيا الثقافية. دار المثقف للنشر والتوزيع، القاهرة، 2023.
-الرواية العربية: قضايا الإنسان والهوية: إشكالية الريف والمدينة نموذجا، دار المثقف للنشر والتوزيع، القاهرة، 2024.
وهي تضاف لكتبي السابقة، والحمد لله وصلت مؤلفاتي المطبوعة إلى أكثر من خمسين كتابا.
كل الشكر والتقدير والامتنان لك أ. منيرة، وأتشرف بالتعاون معك دوما.