يا طالعه ع الدَّرج ، يا شايلي القفِّه ، شعرك سناسل دَهَب ، لَفِّه على لفِّه ، وحق الخالق ورمضان والعيد والوقفِه ، ما حِلِي لي البُوس إلا قطف على الشفِّه .
كادت اللبخة التي ضربت علي عينيي تصيبني مقتلاً في صالة حفل خطبة أخي الصغير ، لما اعتراني من الذهول ، عندما رأيت النسوة الملتحفات بالملاءات السوداء يتحولن إلى ورود بيضاء ناصعة ، والفتيات اللاتي اختلط رنين صوتهن العذب مع رنين أساورهن الذهبية في معاصمهن ، وخلاخلهن البراقة أسفل سيقانهن ؛ وهن اللواتي دخلن صالة الأفراح على استيحاء ثم انقلبن إلى حوريات ملونة بملابسهن الزاهية بعروق الذهب أو الفضة والمزينة بالزهور وقطع المجوهرات ، منهن من ترتدي تفصيلات من المخمل الأسود السوارية أو من السوارية الأبيض وتزين صدرها بعقد عريض من الألماس ، يتدلى من اذنيها زوج حلق طويل من شك الألماس ذاته .
وبعضهن شعرن بروعة جمالهن ورشاقتهن فتزينوا بأسوار من أزرار الياسمين الطبيعي ، التف حول أعناقهن كأطواق من الثلج أو قيد معاصمهن وكأنه قطن مندوف ، ستر من أجسادهن أكثر مما حجبت التفصيلات الفاخرة من ملابسهن الحريرية المطرزة ، وأثوابهن المزركشة ، ومعظمهن قد كحلن أعينهم بالكحل الأسود الفاحم وطلين خدودهن وشفاهن بلون العناب أو الكرز والأرجوان .
وفجأة تطلق زغرودة :
يا خطيبة ماأحلَى مَعَانِيكي أوها ، إنتِ دَهب خالص وجنس العيب ما فيكي أوها ، إنتِ أصِيله وكل الناس بتِشهَد ليكِي اوها ، نيَّال خطيبك اللِّي حِضِي فيكِي ؛ لي لي لي لي لي ليش .
لعل صالة الاحتفال السامية كانت أكثر سعادة وسمو عندما ترددت على جدرانها تلك الزغرودة التي حركت احدى النسوة لسانها بحركة سريعة فخرج من فمها صوت : لي لي لي لي لي ليش .
واختلطت الزغرودة برنين الضحكات النسائية العذبة الرقيقة ، تعلو فضاء القاعة الكبيرة ، ممزوج برنين الأساور والخلاخل الذهبية ، وقد أمسكت بعضهن كومة من المناديل الورقية بأناملهن الغضة البراقة بطلاء الأظافر فغدت وكأنهن شموع متوهجة او زهور ملونة في فيحاء واسعة ، يجففن بتلك المناديل جباهن السامية ووجههن الزاهية ، من شدة وهج المصابيح الكهربائية حتى لا يسيل المكياج ومساحيق التجميل وتنزع غندرتهن ، كما تنزع اللبخة عن مكان الألم .
وتصدح احداهن / من أهل الشاب / بزلغوطة طويلة :
زأزأ ( زقزق ) العصفور لاَنفلأ ( لاَنفَلَق ) أوها ، بين الدَّوالي والوَرَأ ( الورق ) أوها ، ما أحلى هالخطيب داخِل على خطيبته أوها ، وجبِينُو ( جبينه ) مكَلَّل بِالعَرَأ ( بالعرق ) ، لي لي لي لي لي ليش .
أما الأكثر مدعاة للدهشة والإنبهار في هذا الصخب من الموسيقى والغناء ان كل صببة ومدعوة كانت تغير أكثر من ثلاث أو أربع تفصيلات غاية في الذوق والفن ، وتصعد بثوب وتنزل بثوب … ! فهذه تبدو كالغزالة وتلك تختال كالطاووس وأخرى تحلق كالفراشة ، يلفتن الأنظار ، ويبهرن الأبصار ، يثرن الإعجاب فتتحملق حولهن العيون وتندفق عليهن عبارات متناقضة ما بين المدح والذم :
– ” ان شاء الله ما يعدم ” ؛ و ” يسلمي هالطول ” ، فتقول أخرى بتهكم : : متل قرن الفول ” ، فيما تناشد سيدة لصبية مرت من أمامها : ” تسلملي هالقامة ” ، أضافت أخرى : ” متل قرن البامية ” ، ” ما أحلى هالخصر .. متل قطرميز مصر ” .
وتتناثر عبارات المديح والإطراء ، ترافقها بعض اللسعات من الكلمات المؤلمة لبعضهن ، تضيع جميعها وسط موجات من الزلاغيط :
أوها اومي ( قومي ) العَبي بحبل اللُّولو ، أوها وفرِدِي شَعرِك على طُولُو ، أوها خَلِّيهُن يحكوا ويئولوا ( يقولوا ) ، أوها يا حَلاوِه لادئانيه ( لادقانية ) ، لي لي لي لي لي ليش .
وترد أخرى بصوت أقوى :
ياما أعَدُوا ( قعدوا ) جَنبي أوها ، ويا ما كَسَروا ألبي ( قلبي ) أوها ، وهِنِّ أَلله كَسَرهُنُ ، وأنا نَصَرني ربِّي ، لي لي لي لي لي ليش .
وكأن احداهن نزعت اللبخة عن عينيها فصاحت : عروس عروس أوها ، وطبخنا بامية أوها ، وكترنالها الدامه أوها ، وألوا ( قالوا ) ما بتنخطب أوها ، ونخطبت أوها ، وحرئت ( حرقت ) ألبهم ( قلبهم ) ، لي لي لي لي لي ليش .
….. / للحديث تتمة
اللاذقية : ٨ / ٧ / ٢٠٢٠ ☆ بسام جبلاوي .