لدينا عادة مؤسفة هي التعميم وإجمال كل شيء وأحيانا نستعمل عبارة الأخطاء الفردية لتبرير الانحرافات الجماعية وفي هذا السياق يحكم المجتمع على أسرة بكاملها إذا شذَّ احد أفرادها وينال من سمعة سائر الأخوات أن تقوم إحداهن بعمل مشين ومن هذا الباب ومن دهاليز كثيرة تتفرع عنه يقف إيماننا وانتماؤنا إلى أرضنا وتاريخنا وركام عقائدنا على حافة الخطر بل حافة الهاوية, فما يجري ارتكابه من قبل حركات الإسلام السياسي المتطرف من أفعال جرمية بحق من لا يقفون تحت "مظلة الحق" التي تستظل بها هذه الحركات يشوه الإسلام في المجمل ويقود المسلمين وسواهم إلى استعمال ثقافة التعميم وإلصاق أفعال هذه الحركات بكامل العائلة الإسلامية وخاصة إذا كانت هذه الحركات ذو نشأة غامضة وسيرة حياة أكثر غموضا وهنا أريد أن أقدم مشاهد تلقي الضوء على بعض الغموض وفق الرأي القائل خذوا أسرارهم من صغارهم :
ففي إحدى زياراته إلى قواته في أفغانستان أطلق الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن المشهور ب ( بوش الصغير ) إحدى عباراته التي تم الاستدلال بها على حماقته حيث قال "إن الحرب مع ابن لادن مستمرة" فكيف لدولة عظمى هي الأعظم أن تخوض حربا مع هارب في مغاور أفغانستان , كانت صياغة العبارة مضحكة لكنها كما تبين من مجرى الأحداث حاليا كانت نوعا من الحرب الدعائية وترويج لفكرة أو تنظيم ستعتمد عليه الولايات المتحدة في مشروعها المقبل لتفتيت المنطقة وفي مشهد آخر تم تسريب خبر مفاده أن جورج بوش الابن ابلغ رئيس الوزراء البريطاني طوني بلير عن نيته قصف قناة الجزيرة لتصبح قناة الجزيرة مستهدفة من المحافظين الجدد وهذا أيضا بينت الأحداث أن هذا الخبر احد أجزاء الحرب الدعائية وترويج لفضائية يعتمدون عليها في الغزو المبرمج لمنطقتنا علما أن هذه القناة كانت تحقن الرأي العام بالفيديوهات التي يتحدث فيها ابن لادن والظواهري وما عداهم وفي النتيجة مثل الإعلام الجزيري وتنظيم القاعدة ومشتقاته والولايات المتحدة ثلاثيا محترفا في تبادل الأدوار وتكاملها في إطار لعبة اشمل تنتهي إلى مسخ الإسلام ثقافة وعقيدة وارض وإفراغ المنطقة من سكانها من خلال سلسلة من الحروب الأهلية المتصلة وإفراغ من يتبقى من هؤلاء السكان من اعتقاداتهم ليسهل التحكم بهم لاحقا من قبل من يملكون القدرة على صناعة الأفكار وتصويرها وتسويقها وبناء الأرضيات اللازمة لزراعتها وإذا كان الإسلام هو المستهدف من وراء كل هذه الغوغاء والضوضاء الحاصلة فانه لا يسعنا الالتفات إلى من يطلقون باسم العلمنة دعوات صريحة للتخلي عن الدين انطلاقا من أن العائلة الدينية كلها مصابة بالفساد كون احد أبناء عمومتها المنتسب إليها زورا فاسد
إن التمسك بالإسلام الداعي إلى التلاقي والانصهار الإنساني هو الاستجابة الأصح لعملية إطلاق مارد الفتنة والتطرف والتكفير من قمقمه, هذا المارد الذي تمنَّى عليه الغرب ثلاثة أماني تتوحد في تدمير عقيدتنا التي نتصل من خلالها بمكاننا وزماننا لنكون أبناء هذه الأرض وأبناء هذا التاريخ ومن غيرها سندخل في الشتات وسنكون محرومين حتى من المن والسلوى لان الإسلام الأصيل الداعي إلى التعايش ومقاومة النفوذ الغربي معا هو المن والسلوى وأما الإسلام التكفيري الداعي إلى الاسترزاق لقاذفات الغرب هو الشتات والفوضى والضياع الذي يجد الدين في إحراق كنائس الأقباط في مصر وكنائس معلولا في سوريا رغم أنهم موجودين في أرضهم منذ آلاف الأعوام وفي المقابل يركب هذا الإسلام موجه الحرب تحت ستار طائرات البنتاغون والرعاية السياسية لدول الغرب كما لو أن مسيحيي هذه المنطقة وسائر مذاهبها ومكوناتها هم فائض طارئ عليها فيما النفوذ الغرب الملتجئ اليه هذا الإسلام التكفيري هو مكون أصيل من مكونات هذه المنطقة .