– موتى يدفعون ثمن موتهم .
وادي السيلكون رواية حديثة للطبيب الأديب نبيل قوشجي. هي الرواية الثالثة له، بعد روايته الأولى ( رحلة إلى المريخ ) و ( أنا أعرف من قتلني ). في روايته الثالثة الموسومة ب ( وادي السيلكون ) الصادرة حديثا عن دار القوشجي بدمشق. نحن أمام عمل روائي مختلف إلى حد ما عما سبقه من أعمال روائية. للروائي نبيل قوشجي. وإن كانت ثمة تقاطعات كبيرة بين هذه الرواية ورواياته السابقة. إلا أن ثمة تيمة نتلمسها في الروايات الثلاثة تتبدى لنا على خصوصية تكاد تكون العلامة الفارقة للروائي نبيل قوشجي. من حيث أن رواياته وبكل خصوصيتها لا تتقاطع مع أي رواية سورية أو عربية. هي روايته وحده والقارئ والناقد المتابع سيكتشف هذه الخصوصية فور انتهاءه من قراءة رواياته الثلاثة. القاسم المشترك لهذه الروايات انها تنحاز قليلا إلى أدب الخيال العلمي، وإلى المدرسة السوريالية في الأدب، أو لنقل هو ذهابه كروائي على إيجاد مدرسة روائية تخصه لوحده. وبالعودة إلى رواية وادي السيلكون، إذا كان العنوان من أهم عناصر النص الموازي وملحقاته الداخلية؛ نظرا لكونه مدخلا أساسيا في قراءة الإبداع الأدبي والتخييلي بصفة عامة، والروائي بصفة خاصة. ومن المعلوم كذلك أن العنوان هو عتبة النص وبدايته، وإشارته الأولى. وهو العلامة التي تطبع الكتاب أو النص وتسميه وتميزه عن غيره.إلا أننا هنا ومع عنوان رواية ( وادي السيلكون ) نحن أمام عنوان موارب، غامض ولا يسلم مفاتيح الولوج إلى نصه الروائي، هذا ما يمكن أن نقارنه بعنوان ( رحلة إلى المريخ) باكورة أعمال الروائي نبيل قوشجي. حيث العنوان هناك اشد وضوحا واقترابا من ذائقة القارئ. عل العكس منه تماما في هذه الرواية. وهذا تكنيك فني، ذو مدلول نفسي تعتمد عليه الرواية الحديثة من حيث اشتغالاتها على القارئ، كشريك فعّال في النص الروائي.
رواية وادي السيلكون هي رواية الا أسماء، نحن أما شخصيات هذه الرواية بلا أسماء ( طبيب مغمور، فيما بعد الشبح. الساعد الأيمن، فيما بعد السفاحة، والفتيات الثلاث. والقاضي والشرطي والمحقق، وشخصيات ثانوية بعثرها الروائي. لكننا دائما أمام صفات للشخصيات، أكثر من أسم في الرواية من خلال مواصفاته نتعرف عليه كقراء، وهو تكنيك فني عمل عليه نبيل قوشجي في روايته الثانية ( أنا أعرف من قتلني) ويستمر به في ثالثته الروائية ( وادي السيلكون ). بيت القصيد سيكون هنا مع رواية وادي السيلكون هل يحق لنا أن نقول عنها أننا رواية فيها ثلاثية الخيال العلمي، والسريالية، والرواية البوليسية. لكننا بين كل هذا وذاك نحن أمام عمل روائي متكامل ومتناسق، ويحقق كل شروط ومواصفات الرواية الحديثة. الرواية تبدأ أحداثها مع بداية الرواية: ( بعد أشهر من إغلاق ملف القاضي الذي لاوارث له طرح المنزل الفاره للبيع. اشتراه طبيب مغمور لكنّه شديد الطموح، في الصفحات التالية ستقرأ قصّته في المنزل الذي سبق وأن عرفته وتجولت به على الورق، لكنك ستدرك أنك لم تكتشف في ذلك الوقت كل أسرار المنزل والقاضي!) ص 5 منذ الفصل الأول ومن الفصل الثاني تبدأ الرواية ويبدأ معها الفعل الروائي مع تجلي شخصية الطبيب المغمور. وإذا ماعلمنا أن المكان من أهم المكونات التي تشكل بنية الخطاب الروائي، حيث يستحيل علينا تصور العمل الروائي دون مكان تسير أحداث الرواية، لأنه بمثابة العنصر الفعال الذي تتجسد فيه أحداث الرواية. في وادي السيلكون نحن مع المكان الرئيسي الذي تدور فيه أحداث الرواية من ألفها إلى يائها
منزل القاضي الذي اشتراه الطبيب المغمور، الذي يلجأ لقراءة مذكرات القاضي صاحب المنزل، والولوج أكثر بدهاليز هذا البيت واكتشاف الكثير من الحكايا، ومحاولة فك ( شيفرة) الكثير من الطلاسم من عامود الرخام إلى باقي تفاصيل القبو، ( ولوغو ) الصيدليات ( عصا أبو قراط وأفعاه تحت القبّة السماوية ) ص 16في البيت هناك عدة غرف وهناك قبو وهناك حديقة، أحيانا ينقلنا الروائي إلى أمكنة هامشية أو طارئة، المكان هنا غير موثق أي أننا يمكننا القول أن أحداث الرواية تجري في الشام أو بيروت أو بغداد الخ، لكنه مكان ذو دلالات يتماهي مع السرد الروائي ومع سيرورة وصيرورة أحداث هذه الرواية. أما زمن الرواية فهو زمن متناسق يسير بشكل عامودي متماسكا مع سلسلة الحدث الروائي. الطبيب المغمور، طبيب يعمل بالاتجار بالأعضاء البشرية يصطاد ضحاياه بطريقة فيها ذكاء خبيث ( كان يجيل نظره في الأرجاء المعتمة علّه يبحث عن طريدته بين النادلات، وتعمد كذلك أن يرفع صوته قليلا بدندنته جاعلا الصوت خطّاف الصّنارة والكلمات طعما وشروده الحبل) ص 9 ( متعب أنا كآخر سنبلة في الهشيم .. لا القمح المكّدس في البيادر يعدّها منه .. ولا هي من أكوام التبن !.
ثم يبدأ الطبيب المغمور في مسلسل اصطياد الضحايا ثم تخديرها والبدء بنزع أعضائها ومن ثم يتم دفنها في حديقة المنزل. يكتب في مذاكراته: ( عند السيّر على حافة الموت تستشعر بكلّ عمق كلّ لذّة في الحياة، لكنني لم أكن أسير منفردا إلى الموت، كنت أقود مركبته حاملا أليه الأرواح، النعوش..بقايا الأجساد.)ص17 تساعد الطبيب المغمور بهذه العمليات امرأة تعشقه لحد الجنون يلقبها بالساعد الأيمن وثلاث صبايا يمارس عليهن كل ديكتاتوريته وقسوته، أحداهن تتحول إلى ضحية يساعدنه في تقطيع أوصالها صديقاتها والساعد الأيمن التي ومنذ هذا الحدث تتحول إلى امرأة قاسية تنتقم لحبها لها طوال سنوات وهو لايأبه بها ولا بمشاعرها رغم عشقها الكبير له الذي عبرت له أكثر من مرة عن تعلقها به وحبها الجامح إليه، إلا أنه كان يتجاهلها تماما بل يقسو عليها أكثر فأكثر، فتحقد عليه وتكرهه. وتبدأ بحياكة طريقة للتخلص منه وتعذيبه، انتقاما لحبها لقلبها الذي انتزعه منها ليس مثلما يستل قلوب ضحاياه، بل بقسوة أكثر إيلاما وأشد قسوة. على وجه الخصوص حين قيد الصبية الثلاثة وقطع أوصالها بعد ان اخذ الكثير من الأعضاء التي يمكن له بيعها مثل القلب والكليتين الخ. دب الرعب فيما بين المرأة التي تحبه ساعده الأيمن، والصبيتين اللواتي بتن يتسألن متى سيكون دورهن القادم؟ وفي لحظة ما تقرر التخلص منه نهائيا ( وفيما كان يغط عميقا في نومه، كانت بجانبه قد اتخذت قرارها بقتله، وبقي عليها أن تحيك خيوط الحبكة حتى تجعل الفتيات في صفّها ) ص 80 في اللحظات التي يقرر فيها الطبيب المغمور التوقف عن بيع الأعضاء إلى التجميل ( السيلكون .. ربما نصبح أحد أعمدة وادي السيلكون لا تكنولوجيا بل تجميليا! ) ص 88 في اللحظة التي يقرر فيها التوقف عن قتل ضحاياه. ساعده الأيمن تقترب من مخدعه وتتخلص منه نهائيا، وتقوم بدفنه في مقبرة الحديقة ليرقد إلى جانب بقايا أشلاء ضحاياه. ثم يتابعن عملهن بالاتجار بالأعضاء البشرية. لكن روحه تتحول إلى شبح، ليستمر بسرد الأحداث، فيما بعد سنجد حضوره في البيت والحديقة ومراقبته لهن أثناء عملهن. ( حياة الشبح ممتعة، بل قل إننّي بدأت الاستمتاع بها، الاعتياد عليها. ) ص117وتستمر الأحداث إلى أن تحترق الساعد الأيمن داخل سيارة الطبيب المغمور، ومن خلال هذا الحدث يتم التعرف على المكان واستجواب من تبقى بالبيت ونبش مقبرة الحديقة للتعرف على هويات أصحاب الجثث. فيقول الشبح:( بدأت أرى المقبرة من الأعلى وكان المنزل يتضاءل، والبشر والمدينة حتى باتت نقطة سوداء في محيط من نور. ) ص 159
– أحمد عساف