م . أبوزيد ..
صحيح أن مجتمعاتنا قد تعرضت ومازالت لعمليات نهب رأسمالي جعلتنا جزء من الأجزاء المتخلفة ..حيث تم إحداث عملية إلتواء لهياكلنا الإقتصادية على نحو يجعل الإنتاج يتم إستجابة لإحتياجات خارجية ، إحتياجات رأس المال الدولي المسيطر ، حيث يعبأ الفائض الإقتصادي نحو الخارج مما يعرقل من تطور المجتمع الذي يصبح جزءا من الإقتصاد الرأسمالي العالمي في قيامه على تقسيم العمل الدولي .. وأثناء هذه العملية عادة ما يغير الفائض الإقتصادي من شكله العيني ليستطيع الأستجابة للحاجة المحددة لرأس المال في الإقتصاد الأم ، وهي احتياجات لا تكف عن عن التغير مع التطور لهذا الإقتصاد الأخير ، ويعبأ الفائض بوسائل عدة نحو الاقتصاد الأم . وتتمثل النتيجة في تحول الإقتصاد الذي اصبح متخلفا إلى إقتصاد تابع يستمد مصدر حركته من الخارج .
لكن هذا الطرح مع محوريته يمثل جانبا من المشكلة ، اما الجانب الآخر والأهم فهو سيطرة فكر إقتصادي على بلادنا لا ينشغل سوى بمشكلات الأثمان والتوازن الإقتصادي والتقلبات الإقتصادية وهي قضايا يمكن معالجتها بالإستعانة بمفاهيم الربح والإستثمار والإدخار ..كما تخلى الإقتصاديون في بلادنا عن التحليل الجمعي وحل محله التحليل على مستوى المشروع والمستهلك وفي هذا المستوى لا يبدو الإستثمار نابعا من فائض إجتماعي وإنما يبدو صادرا من قرار بالإدخار ، وهو قرار فردي ..( التحليل الجمعي : هو التحليل القائم على دراسة الكميات الإجمالية على مستوي الإقتصاد القومي ، بعكس التحليل الحدي او الوحدي الذي يقوم على دراسة الكميات المتعلقة بالمنتج الفرد” المشروع ” او بالمستهلك الفرد ) …والسخيف في هذا الفكر الإقتصادي الذي يسود بلادنا هو انه يقوم بدراسة العلاقات الإقتصادية الدولية وكأنها تتم بين اجزاء متجانسة اي على درجة واحدة من التطور ، وفي حالة الوعي بأن الاجزاء غير متجانسة يؤخذ عدم التجانس كمعطي وليس كنتيجة لسيادة نوع معين من العلاقات الإقتصادية الدولية خلال حقبة من تاريخ المجتمع العالمي وهي الحقبة التي تسيطر فيها طريقة الإنتاج الراسمالية والنتيجة المترتبة على ذلك هي القعود عن تقديم تفسير علمي لطبيعة الاقتصاد العالمي المعاصر كظاهرة تاريخية ، وخاصة الاجزاء المتخلفة منه ، ودون تفسير علمي للتكون التاريخي لظاهرة التخلف الإقتصادي والإجتماعي ، وشروط وإمكانيات تطوير هذه الإقتصاديات المتخلفة بما يكفل الخروج من قمقم التخلف كيفية ..هذا الفكر الإقتصادي البائس الذي يسود بلادنا لايري سوى اننا بلدان تتسم بإنخفاض دخل الفرد فيها مقارنة بمثيلاتها في الدول المتقدمة ولايري من وسيلة للخروج من مشكلاتنا سوى بالإستعانة بالإستثمارات الخارجية والعمل بدأب نحو تعظيم الفوارق في الدخول بإعتبار ان ذلك يؤدي إلى تحقيق إدخار يمكن ان يساهم في رفع معدل الإستثمار وبالتالي في زيادة الدخل القومي مستخدمين في ذلك ادوات التحليل الحدي ونظريات التوازن ، وهي ادوات ثبت قصورها وعجزها عن فهم الواقع الإجتماعي ..( لطفا : عدنا في ذلك لمؤلفات د. محمد دويدار وبالأخص كتاباته البحثية المقدمة الى ورش بحثية بداكا ، تاناريف ، ومونبلييه ..والمؤلف القيم لشارل بتلهايم ” التخطيط والتنمية ” ترجمة د. إسماعيل صبري عبدالله ، ومؤلف الاقتصاد السياسي والنمو لبول بوران بنسختيه الانجليزية إصدار لندن ١٩٥٧ ،والنسخة التي قام بترجمتها احمد فؤاد بلبع ، ومؤلف بول باران ، وبول سويزي _ رأس المال الإحتكاري _ ترجمة حسين فهمي مصطفي
يقول بول باران : ( ويبدو انه من المرغوب أن نخرج على التقليد منذ امد بعيد في الإقتصاد الأكاديمي والذي يضحي بأهمية الموضوع في سبيل اناقة التحليل . فمن الافضل ان نعالج ولو بطريقة لا تبلغ حد الكمال الأمور الهامة ، بدل بلوغ اقصى درجات البراعة فيما لا اهمية له ) ..
ولوضع ايدينا على العصب العاري لتوصيف مانواجهه ، وإقتراح سبل الخروج مما نعانيه ، سنطرق الابواب التي لم يقترب منها يوما الفكر الإقتصادي السائد الذي اوصل بلادنا إلي طريق مسدود …
والمحور الوحيد للحديث عن التخلف وكيفيه نفيه عن طريق التطوير يكون بتناول الفائض الإقتصادي …وسنفرد له مقالا او اكثر على إستقلال ..