كتب د. تركي صقر في صحيفة «البناء اللبنانية» مقالة بعنوان «الحكم السعودي وعقلية مكانك راوح» جاء فيها.. من المبكر القول إنّ الحراك السياسي الجاري يمكن أن يصل إلى خاتمة سعيدة بإنجاز الحلّ المناسب للأزمة في سوريا، صحيح أن هناك خطوات متسارعة وملموسة بعد الاتفاق النووي الإيراني تجلت بالتفاهم الروسي ـ الأميركي لأول مرة منذ اندلاع الأزمة الأوكرانية، وأنّ الجميع بمن فيهم الرؤوس الحامية في السعودية سلموا بأنّ الحلّ العسكري محكوم عليه بالفشل، لكن الصحيح أيضاً أنهم مازالوا يراهنون على سلاح الإرهاب حتى الرمق الأخير.
ما جرى في الدوحة وطهران ومسقط قد يكون مجرد مقدمات وقد توحي بأجواء سياسية لم يسبق توفرها طيلة السنوات الخمس الماضية، ولم يكن متوقعاً حصولها لولا عاملان اثنان هما: الصمود الأسطوري للشعب السوري وثبات الجيش وإنجازاته ونجاح القيادة الإيرانية في معركة التفاوض حول الملف النووي، وكان للعامل الأول الدور الأساس في العامل الثاني أي تحقيق الاتفاق النووي الإيراني. لذلك، وتزامناً مع توقيع الاتفاق النووي مع إيران، سرت موجة من التفاؤل بانسحاب التفاهم على ملفات المنطقة، ما يؤدي إلى تسويات إقليمية تخرج سوريا من محنتها ، ولقد ارتدت موجة التفاؤل هذه طابعاً أكثر جديّة بعد اللقاءات التي حصلت في الدوحة بين وزيري الخارجية الأميركي جون كيري والروسي سيرغي لافروف.
لقد حذرت سوريا طويلاً من ارتداد الإرهاب إلى صدور داعميه، ودأبت روسيا على مواصلة التحذير وعلى لسان كبار المسؤولين في موسكو من انتشار الجماعات الإرهابية المتطرفة التي دعمها الغرب وعلى وجه التحديد الولايات المتحدة الأميركية ضد هذه الدولة أو تلك، أو بحجة دعم ثورات الشعوب ضدّ الأنظمة الديكتاتورية بحسب زعمها.
واليوم نرى أنّ الرؤية السورية كانت صحيحة بل وثاقبة وأنّ روسيا كانت على حق مما حذرت منه، فالجماعات الإرهابية التي دعمها الغرب من أجل أعمال تخريبية في البلدان العربية ارتدت عليه حيث نفذت عمليات إرهابية وتفجيرات راح ضحيتها مدنيون أبرياء، والباب لم يغلق أمامها للقيام بعمليات أخرى فالتهديدات متواصلة على قدم وساق.
إن روسيا ما زالت تحذر، وهي الآن تعمل بجدية كاملة على تشكيل حلف دولي واسع لمحاربة هذه الجماعات، وإلا سوف تنتشر كالسرطان في كل الدول والمناطق، وزيارة وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف إلى العاصمة القطرية الدوحة وإجراء لقاءات أبرزها بنظيريه الأميركي والسعودي هي خطوة مهمة في محاولة روسية لإقناع الدول التي تدعم التنظيمات في كل من سوريا والعراق الكف عن هذا الدعم، طبعاً حذر الوزير الروسي أيضاً من توجيه أي ضربة أميركية إلى الجيش السوري الذي تعتبره روسيا اليد الضاربة الأولى في مكافحة «داعش» والتنظيمات الأخرى.
والسؤال المهم المطروح: هل سينجح الرئيس بوتين والدبلوماسية الروسية في فك العقدة السورية ووقف نهر الدم وتشكيل تحالف إقليمي لمحاربة الإرهاب؟ الجواب في ذمة الأشهر المقبلة، وهنا لا بدّ من التنويه إلى أن السعودية ربما توافق أو وافقت مضطرة على خطة الرئيس بوتين بشأن محاربة «داعش» ولكنها ما زالت مترددة حول تشكيل حلف إقليمي يضمّ سوريا والسعودية وتركيا والأردن لمحاربة الإرهاب، وهي ستظل رهينة القرار الأميركي بالموافقة، من عدمها.
من الواضح أن هناك عدداً من الأوراق قد تجمعت بيد الجانب الروسي من أهمها التسليم الأميركي بدور موسكو في إنجاز الحلول بعد دورها الناجح في الملف النووي الإيراني وقبله في موضوع السلاح الكيمياوي السوري، وحتى قيل قبل لقاء الدوحة أنّ هناك تفويضاً أميركياً لإنجاز مبادرة بوتين والأوراق الأخرى المهمة منها غرق السعودية في المستنقع اليمني وحاجتها الماسة لموسكو من أجل إنقاذها، وكذلك وصول حكومة أردوغان إلى أسوأ حالاتها بعد فشلها في الانتخابات البرلمانية الأخيرة وتورطها في حرب مجنونة ضدّ الأكراد وتحت غطاء محاربة «داعش».
ولعل العملية الكبيرة لتنظيم «داعش» في أبها في قلب السعودية قد أضافت ورقة أخرى تؤكد أهمية المسارعة في تشكيل الجبهة الإقليمية التي اقترحها بوتين لمحاربة الإرهاب، فهل يصحو حكام السعودية قبل أن يطبق عليهم «داعش» من كلّ الجهات وينفذ وعيده بالاستيلاء على مكة لتكون عاصمة دولة الخلافة الإسلامية؟ هل ستقبل المملكة السعودية بالاقتراحات الروسية التي ستقدم للجبير في زيارته لموسكو وتقلع عن مناطحة الجدران في سوريا ونشر الإرهاب التكفيري الدموي في بلدان المنطقة؟ أم أن عقلية الطغمة الحاكمة في السعودية، ما زالت من العقم والجمود والقصور عن قراءة المتغيّرات ما ينطبق عليها القول مكانك راوح!