عمرمعربوني – بيروت برس –
لا يعني الإستشهاد بجوكوف الروسي ان سورية لم تنجب عشرات بل ومئات القادة والمخطّطين المهرة، انما الإستشهاد هنا متمثل في الجانب التقني للعمليات وأوجه الشبه المختلفة بين مشاهد الجبهات السورية الحالية والسوفييتية إبّان الحرب العالمية الثانية.
المناورة بالنار والقوّات، عمليات العزل والفصل، التطويق، الإندفاع برأسَي سهم متناظرين، هذه الأنماط القتالية كانت اساس خطط الماريشال السوفياتي غورغي جوكوف خلال الحرب العالمية الثانية سواء في معركة الدفاع عن ستالينغراد او في معركة مشارف موسكو.
في الكليات العسكرية وفي اكاديميات الأركان، يتعلم الضباط والقادة المبادئ الأولية لخوض الحرب والعمليات القتالية، ويبقى الإبداع الشخصي لدى قائد أو اكثر هو الأساس في استنباط الخطط الدفاعية او الهجومية والتي تعتمد بشكل اساسي على عامل الثقافة الشاملة والتربية العقائدية الواضحة.
في الحرب العالمية الثانية وعلى الجبهة الروسية، كان للماريشال جوكوف وابداعاته دور كبير في إلحاق الهزيمة بالجيش الألماني وصولاً حتى برلين.
في سورية هذه الأيام تستعيد خطط جوكوف وهجها مطعّمة بنكهة سورية، بنتيجة التجربة الكبيرة التي اكتسبتها وحدات الجيش السوري في الجانبين الميداني والتخطيطي، حيث يتكرر في سورية سيناريو الدمج بين الوحدات النظامية ووحدات الدفاع الشعبي على غرار الدمج بين عمليات الجيش السوفياتي والمقاومة، وتتشابه البنية القتالية والعقائدية في جوانب اساسية ومنها البعد العقائدي للقوات ومنهجية ادارة العمليات، وكذلك المسارات الميدانية التي وصلت حد ملامسة القوات الألمانية حدود العمق الحيوي للإتحاد السوفياتي عند مشارف موسكو وستالينغراد كما هو الحال في حلب ودمشق.
في ستالينغراد وموسكو، تم تنظيم المُدَافعة بشكل مشابه لما يحصل في حلب ودمشق لجهة العمق الاستراتيجي وخطوط الإمداد.
في ستالينغراد السورية، اي حلب، ما يشبه الوضع عندما حوصرت ستالينغراد السوفياتية، ومن الطوق الكامل الى خط امداد محدود ثم التمدد الى المحيط اعتماداً على الدفاع المتراص وعمليات الإقتراب من المحيط بما يشبه حركة عقارب الساعة، وتشكيل نقاط الإرتكاز وتأهيلها لتصبح نقاط اندفاع باتجاهات مختلفة، وهو ما يحصل في حلب حالياً حيث نشهد عمليات هجوم مضاد للجيش السوري تعتمد على استثمار الضربات الجوية والتمهيد الناري بالصواريخ والتقدم باكثر من اتجاه وبأنساق متتالية تشكل وحدات الإقتحام رأس السهم فيها، بينما تقوم أنساق اخرى بتثبيت نقاط السيطرة الجديدة وحمايتها وهي اعمال قتالية تشترك فيها قوات النخبة والمدرعات في النسق الأول وتعاونها في النسق الثاني القوات الرديفة.
تحقيق الصدمة والرعب في الجماعات المسلحة هو العامل الأساسي الذي يتم من خلال الكثافة النارية وقطع خطوط الدعم والتواصل بين الجماعات، والتقدم على اكثر من اتجاه هجوم لتشتيت الجهدين البشري والناري للجماعات المسلحة.
واذا ما تابعنا سير العمليات العسكرية في حلب لوجدناها شبيهة بالعمليات التي تجري في ريف حماه الشمالي وفي ريف حمص وشمال اللاذقية، وهو ما سيحصل في كل محاور وجبهات القتال. ففي شمال اللاذقية مثلاً، تتقدم وحدات الجيش السوري على ثمانية محاور وفي سهل الغاب على ثلاثة محاور وفي ريف حماه الشمالي على ثلاثة محاور، ستنتهي بمعظمها بهزيمة الجماعات المسلحة بنتيجة وقوعها في الطوق. فكل العمليات حالياً تحصل على نمط فكّي الكماشة الذي سيصل في مرحلة لاحقة الى الاطباق الكامل، ولن يكون امام الجماعات المسلحة الا خياري الانسحاب ضمن المسار المفتوح بين الفكين او القتال حتى اخر ارهابي.
في محيط دمشق سيكون للعمليات شكل مختلف بعض الشيء، حيث سيكون لعامل المصالحة دور كبير في انهاء الشق الأكبر من المعركة الّا اذا اتخذت السعودية القرار بالقتال حتى اخر ارهابي من جيش زهران علوش، حينها ستوضع جبهة الغوطة على نار الحسم الساخنة بما يشبه الذي حصل على ابواب موسكو، حيث تشبه المرحلة الحالية مرحلة ما قبل الإندفاع للهجوم المضاد والتي ستعتمد على الكثافة النارية الجوية والصاروخية وحيث سيكون لصواريخ راجمات الأوراغان الإنشطارية والعنقودية دور كبير في حسم المعركة في المساحات الزراعية الشاسعة في الغوطة الشرقية، كما سيكون للطيران دور فاعل في قطع خطوط الإمداد القريبة والبعيدة كما كان لراجمات الكاتيوشا دور حاسم في الهجوم المضاد.
في الجبهتين الجنوبية والشرقية، سيكون للعمليات الكلاسيكية دور حاسم وكبير لجهة اندفاع الوحدات السورية باعداد كبيرة من الدبابات والجنود بعد استكمال معارك ارياف حلب وحماه وحمص.
ففي الجبهة الشرقية ستكون البداية مع استعادة تدمر في شرقي حمص ومدينتي الباب ومنبج في الريف الشرقي لحلب، ومسكنة في الريف الشرقي الجنوبي لتندفع الوحدات من ثلاثة محاور:
– محور الباب منبج، وهو محور يحتوي على عدد كبير من القرى والبلدات والتي ستنهار سريعا بعد تحرير الباب ومنبج.
– محور كويرس ديرحافر باتجاه مسكنة فالرقة، وهو ما سيضطر الارهابيين الموجودين في ريف حلب الجنوبي لجهة السفيرة الى الانسحاب نحو الرقة.
– محور تدمر الرقة، وهو الذي سيؤثر ايضاً على كل محاور ارياف حمص بما فيها جبل شاعر شمالا حتى عقيربات، وهو ما يفسر محاولات تقدم الارهابيين نحو السعن.
وبما ان الوقت لم يحن بعد للعمليات الكبرى وما زال امامنا اشهر من التحضير، سيبقى اساس العمليات العسكرية حالياً قائماً على ضرب الخواصر وتحقيق ربط المدن الكبرى في الشمال فيما بينها، والعمل على تهشيم البنية التحتية للإرهابيين من غرف عمليات ومستودعات وخطوط امداد.
في الجبهة الجنوبية، سيكون السيناريو مماثلاً للمنطقة الشرقية مع بعض التعديلات التي ترتبط بجغرافيا الأرض.
واذا ما سارت الأمور كما هو مرسوم، فتكون استراتيجيا عبء الجغرافيا التي انتهجها الجيش السوري قد ادّت غرضها في المرحلة الفاصلة ما بين الإندفاعات الكبرى للجماعات المسلحة في الشمال والجنوب والمرحلة الحالية لبدء عملية من البحر الى النهر، تماما كما كان لعامل المناخ القاسي الدور في انهاك القوات الألمانية في روسيا السوفياتية.
*ضابط سابق ( خريج الأكاديمية العسكرية السوفياتية ) .