غسان القيّم.
……………………….
عند الحديث عن الحرفة الأوغاريتية من الطبيعي أن نعتقد أن مدينة أوغاريت كانت أهم مركز من
مراكزها كما أكدت المكتشفات التي أعطتنا إياها الحفريات الأثرية عن المستوى الرفيع الذي بلغه تطور الحرف. وأوغاريت التي تقاطعت معها الطرق البحرية المؤدية الى مصر وفلسطين باسيا الصغرى وبلاد ما بين النهرين لذلك ليس مستغرباً أن تجذب أوغاريت مختلف الأجناس البشرية الموجودة في المنطقة فإلى جانب الأوغاريتيين أنفسهم عاش معهم (وكنا أشرنا الى ذلك في مقالات سابقة) الحوريون والحثيون واليونانيون والقبارصة والمصريون وعليه فليس مستغرباً أيضاً أن تكون أوغاريت قد تأثرت تأثراً كبيراً بثقافات مصر وما بين النهرين وبثقافة الحثيين وبلاد بحر إيجة. وأصبح لدينا الآن أن الحرفيين كانوا متواجدين في مختلف مراكز التجمعات السكانية بما فيها الاستثمارات الملكية. فتروي لنا الملاحم الشعرية في المرحلة المبكرة من تاريخ أوغاريت أن الحرفي يلبي حاجات أفراد المجتمع ويتلقى الطعام بدلاً عن عمله من صاحب الطلب. ويظهر لنا بالضبط الإله الحرفي في أوغاريت ( Whss Ktr) »كوثر وحسيس« وتظهر لنا احدى الوثائق الكتابية وهي لإحدى الملاحم الشعرية عن بناء قصر لبعل يظهر لنا هذا الإله »كوثر وحسيس« أمامنا عامل صهر ونجار وسبّاك وحذاء. والإله كوثر وحسيس يقود عملية بناء قصر لبعل ويبني بأمر من ايل بيتاً »ليم«.. إله البحر عدو بعل ويصنع أصابع سحرية لبعل وقوساً عجيباً لإقهات. لكن الوثائق الأوغاريتية تشير الى أن الوضع قد تغير في القرنين الرابع عشر والثالث عشر ق.م فقد انفصلت الحرفة انفصالاً تاماً عن العمل الزراعي وأصبح الحرفي يعرض انتاجه في السوق ويوزع العمل داخل أوساط الحرفيين أنفسهم حيث ظهر حرفيون متخصصون بإنتاج سلع بعينها وتذكر لنا الوثائق الكتابية الأوغاريتية التي تعود الى القرنين الرابع عشر والثالث عشر ق.م الفخارين وسباكي البرونز والفضة وصانعي العجلات وبناة السفن ومعلمين يصنعون الآلات الموسيقية والنساجين والدباغين. أما استخدام النحاس ومن ثم البرونز فقد أكدت لنا المواد الأثرية المعروفة لدينا أنه لم يبدأ إلا في نهاية الألف الرابع ق.م والبرونز كما هو معروف يتركب من ثلاثة عناصر هي النحاس والقصدير والرصاص. لذلك سمّاه الأوغاريتيون ب (الثلاثي) »tlt« لقد صنع الأغاريتيون أسلحتهم من البرونز وكذلك أدوات العمل الزراعي التي زينوها بمختلف أشكال الزخارف. وكانت المجوهرات الفضية والذهبية منتشرة انتشاراً واسعاً. لا شك أن السبب في بروز الحرفيين البنائين من الجمهرة العامة هو أن بيوت السكن وغيرها من الأبنية تحولت مع حلول منتصف الألف الثاني ق.م في أوغاريت الى منشآت معقدة بما يكفي لظهور ضرورة وجود اختصاصيين يتمتعون بقدر كاف من المعارف والمهارات ومواد البناء الضرورية. والذي يزور أوغاريت يرى بوضوح كثافة عملية السكن حيث تظهر بيوت متلاصقة الى بعضها البعض لتكوّن أحياء تخترقها شوارع رئيسية متوازية تتقاطع عمودياً مع شوارع رئيسية عريضة. لقد جعل الموقع الجغرافي الملائم لمملكة أوغاريت واحداً من أهم المراكز التجارية في المنطقة بما في ذلك الوساطة التجارية بين الدول وكانت لأوغاريت علاقات تجارية مع مصر وكريت وآسيا الصغرى وبلاد ما بين النهرين. أما أهم السلع التجارية كانت المعادن والمصنوعات المعدنية, المنسوجات, الملابس, الأخشاب, المعادن الثمينة والمواد الغذائية. ومجتمع أوغاريت لم يعرف أسعاراً ثابتة تتغير تبعاً لتقلبات السوق. لقد سعت حكومة أوغاريت الى وضع النشاط التجاري تحت رقابتها وبين الوظائف الهامة في أوغاريت كانت هناك وظيفة »رئيس السوق« من مهامه مراقبة نشاط التجار وجمع الضرائب وكان الملك يقدم الحماية للتجار في حال الضرورة فقد اتخذت الدولة الاجراءات الضرورية لضمان سلامتهم والحفاظ على أموالهم ومصالحهم…
عاشق أوغاريت ..غسّان القيّم