تبغ اللاذقيةوالبيت الطيني في ريف اللاذقية في النصف الثاني من القرن التاسع عشر الميلادي يعلو الباب من الجهة الكبيرة على الدرج الواصل أولا" الى سطح السده ومن ثم الى السطح الرئيسي خابية الماء المبارك ومن الجهتين اللتين تحيطان بالباب الكبير فتحتان مستديرتان أو مربعتان حيث تساعد الأولى في تيسير انطلاق روح ساكن البيت الذي يشرف على الموت .. والثانية مدخلا لروح طفل قادم للحياة …وهما ترمزان ايضا" للأمان..تيمنا" بعش الحمام على مدخل الغار الذي تواجد به الرسول الأكرم (ص) أثناء هجرته الى المدينة المنورة أما سطح البيت فقوامه جذوع أشجار متكئة على أربعة سواميك (أعمدة وهي أيضا عبارة عن جذوع أشجار تختلف عن تلك التي في السطح، . وضعت دون تنسيق في كل غرفة، أما الفتحات التي تظهر من بين العوارض المتكئة فقد سدت بالنباتات، أطراف السطح حفرت فيها قناة لجر المياه الهاطلة فوقه لتصب في مزراب واحد. وبجانب المنزل تنتصب صقالة(العرزال) أو المصطبه وتسمى المصبي… مؤلفة من أربعة جذوع ترتفع ثلاثة أمتار عن الأرض تنتصب فوقها خيمة من العوارض الخشبية تستعمل كغرفة نوم في أيام الصيف، ويتم الصعود أليها عن طرق سلم يرفع بعد الصعود إلى هذه الخيمة (العرزال) . … وفي الداخل لا يوجد أي أثر للأثاث المنزلي … هناك مقعد طيني على طول الجدار في غرفة الاستقبال وبعض الأباريق من الفخار، قطعتان أو ثلاث من اللباد الأبيض، طاولة كبيرة من القش ملقاة في الزاوية بجانب قدور معدنية وأدوات الحراثة …. أما أسرة الأطفال فهي عبارة عن صندوق من الخشب زينته الأم ببعض النقوش، وعلى باب المدخل، علقت أسلحة متنوعة من خناجر وسيوف (بيوت المقدمين) ولا يوجد أي صندوق لوضع الثياب إذ الجرار الفخارية تقوم مقام الخزائن والصناديق، كانت المصابيح تعمل بزيت الزيتون ولكن بعض البيوت الثرية بدأت تستخدم مادة سحريةا(الكاز ) …..كانت خيوط التبغ معلقة بعوارض السقف كي تجف، أذ أنها في الشتاء تتعرض للرطوبة لذلك فإن تعليقها في الغرفة التي يكون الموقد(الدفيي) فيها يكسبها لونا غامقا ورائحة مميزة أعطتها لقب " تبغ أبو ريحة"…. وهذا التبغ المعروف بلقب "أبو ريحة" يتم مزج العُشر منه بتسعة أعشار من التبغ العادي (اكسترا ممتاز)وهو يعرف في أوروبا باسم " تبغ اللاذقية" والذي بدأت زراعته في العام /1733/م حسب معلومات الأجداد والذي طارت شهرته في الأفاق العام/1744/ وذلك بسبب حادثة ظريفة : وهي أن سكان ريف اللاذقية تمردوا ضد حكومة اللاذقية العثمانية التي ترهقهم بضرائبها الجائرة والظالمة ولا تقدم لهم شيئا" وكانوا حديثي تجربة في زراعة أشتال التبغ…ولما لم يتمكنوامن بيع محصولهم ذلك العام علقوه في سقوف المنازل .ولما جاء فصل الشتاء واخذوا يوقدون النار للطبخ والتدفئة داخل المنازل فيلتصق دخانها بالدخان المعلق فأصبح لونها اسود…وفي العام الذي تلا تمت المصالحة مع الحكومة فبيع المحصول الى تجار اللاذقية والذين قاموا بدورهم ببيعه الى البلدان الأوربية وهنالك اقبل عليه الناس واحبوا رائحته التي أكتسبها من دخان النار وطلبوا من التجار أن يصدروا لهم هذا الصنف من الدخان دائما"…ومنذ ذلك الوقت راجت سوقه وذاع صيته في كل مكان وعرف بتبغ اللاذقية وفي أواخر القرن الثامن عشر أسس تجار اللاذقية شركة اسموها (شركة تجار التبغ )ومقرها الرئيس في خان الدخان وهو حاليا" متحف اللاذقية. وكم كان رائعا" موسم قطف التبغ ففيه تزف العرائس ويلبس الأطفال الجديد من الثياب وأحذية الغوما والتي كانت تشد عند حذاء القرية…وتعم الأفراح وتعقد حلقات الدبكة في الساحات وتزغرد العتابا والميجنا والمواويل والتي ترافقها الزلغوطة صرخة الفرح والحزن الأبدية…..وهذه قرادية طريفة توضح لنا أهمية التبغ في تلك الأيام الخوالي:أصغوا لي يا ساداتي.. حتى أشرح حالاتي.. تخبركن على لي صار بصدق كله إثباتي،… عندي شوال من الدخان.. مخبا عن الورديان،… خبيته بنص الوديان.. أنا وابني ومراتي،… خبيته بليل الدامس.. ما فاق عليِ الحارس،… يومين ويوم التالت.. وإلا جوني وليداتي،… قالوا لي راحوا التتنات.. كيف العمل والحيالات،… قلت بظني ما هو إثبات مين بيسرق كياتي،… رحت من الصبح بكير.. وقمت وبلشت التدوير وما تركت لا حفه ولا شير وما نكشته بدياتي،… ومين بيتعدى عليّ.. يبعتله بعضة حيه وربي يحرمه الذرية… هالجيل والجيل التاني–. وهنا تأثر أهالي القرية بمصيبة"أسعد" وحزنوا معه لأنه من المستورين مادياً في القرية، وعندما سمع الرجل "محمود" الذي أخذ الدخان من الحقل بـ"القرادية" ورأى حزن وتأثر أهالي القرية جميعاً عليه، تأثر بالموقف وقرر الإفصاح عن نفسه أمام "أسعد"، فقصده "محمود" وطلب من "أسعد" الأمان للتحدث فأعطاه "أسعد" فأخبره "محمود" بالحقيقة فسامحه "أسعد" على فعلته لتأكده من سوء أحوال "محمود" المادية وأعطاه نصف الدخانات التي أعادها ليطعم بثمنها أولاده».