بقلم : د . م . محمد غسان طيارة
منذ ما يقارب الشهر والنصف تقريباً وأنا أراقب مقاربات الحكومة بما يخص الكهرباء وفوضى التزايد الفاحش للأسعار وتلاعب سعر صرف الدولار بين الثبات على سعرٍ مرتفع ليصعد قليلاً فوق سلطة حاكم مصرف سورية المركزي.
إن هذه الثلاثية كالذهب, عندما تتمكن الحكومة من تخفيف تأثيرها على حياة المواطن المعاشية, وتصبح كالقطران عندما تقف الحكومة مكتوفة الأيدي أمام معالجتها أو حتى عند استحالة اقترابها ولو فكرياً من وضع الحلول المفيدة لها.
1 ـــ الكهرباء: يعاني المواطن من الكهرباء في أمرين أحلهما مر وهما فوضى برامج التقنين وعدم عدالته, ولا يستطيع عاقل أن يفهم صعوبة وضع برنامج تقنين متكافئ أو قريب من الاستقرار بحيث يعلم المواطن متى سيصله نور الكهرباء ومتى تنقطع عنه حسنات وزارة الكهرباء.
قد يقول محابي حكومي بأن الظروف التي يعمل ضمنها عمال الكهرباء صعبة جداً وقد استشهد عددٌ كبيرٌ منهم خلال عمليات صيانة وإصلاح التخريبات التي تُحْدثها المجموعات الإرهابية بشكل شبه يومي, ولا أعتقد بأن أي مواطن لا يشد على أيادي عمال الكهرباء ويترحَّم على شهدائهم ويحسُ بالعذابات والإجهاد اللذين يتعرضون له. ولكن مهلاً علينا من أي مزاودة فإيصال برامج التقنين لدرجة من الموثوقية ليس مستحيلاً وخاصة أن الفوضى تبدأ بعد تصريحات حكومية بأن التقنين بدأ بالانخفاض, ويسمح العلم اليوم للسيدة وزارة الكهرباء تبديل برامج التقنين كل ساعة للتتقارب مع الواقع واعلام المواطنين بهذه البرامج المتغيِّرة.
وقد تحدثت عدة مرات عن عدم وجود عدالة في برامج التقنين ليس على مستوى سورية فحسب, بل وعلى مستوى كل مدينة, ولعل أبشع تبرير لذلك ادعاء وزارة الكهرباء بأن هناك جهات عامة لا يمكن قطع الكهرباء عنها أبدا بسبب طبيعة عملها وهي متصلة في خزانٍ واحد مع مجموعة مباني خاصة مما نشْعُر معه بفقدان عدالة التقنين وهي حالات محدودة!.
أن وجود خيار وفقوس عند الخضرجي لا يعني بأنه فقط عليَّ شراء الفقوس وترك الباقي لأصحاب المناصب.
إن هذا التصنيف لا يتوافق مع مفهوم المواطنة فكل المواطنون متساوون أمام القانون ومع ذلك يمكن للسيدة وزارة الكهرباء أن تجد حلولاً مناسبة لكل منطقة, واقترح من طرفي حلاً جذرياً ودائم وفق ما يلي:
ـــ قبل طرح الحل فقد سمعنا مناداة حكومية دائمة ومستمرة لتشجيعنا على استخدام لمبات توفير الطاقة كما عمدت وزارة الكهرباء إلى إجراء دراسات على المنتجات الكهربائية التي تساعد على تخفيض استجرار الطاقة الكهربائية, وهنا أتساءل: ما هي نسبة تنفيذ مناداتها على مكاتب كل المسؤولين بل ومكاتب كل العاملين في الدولة أينما وجودوا؟.
ولهذا لتبداً وزارة الكهرباء بتشكيل فرق عمل تجوب كل المكاتب الحكومية من أصغر ديوان إلى مكتب الوزير ومكتب نائب رئيس مجلس الوزراء وحتى مكتبي رئيسي مجلس الوزراء ورئيس مجلس الشعب أيضاً وتعمد إلى تحديد الإضاءة الكافية للعمل بشروط صحية وتجمع البرادي في زوايا النوافذ لدخول النور الطبيعي ويتم على أساس ذلك تركيب لمبات توفير الطاقة الكافية في كل تلك المكاتب بما فيها مكاتب المراكز الأمنية حتى لا ينطبق على أحد وخاصة إذا كان مسؤولاً: لا تنه عن خلق وتأتي مثله….عار عليك إذا فعلت عظيم.
بعد الانتهاء من الإنارة نعود إلى فحص المصاعد من ناحية استهلاك الطاقة وتواتر الاستخدام ووضع برامج تشغيل جزء منها خلال فترات زمنية وفي فترات اخرى يتم تشغيل الجميع صعوداً من الطابق الثالث ومنه نزولاً أيضاً.
لا اعتقد بأن مدينة دمشق وريفها ستحتاج إلى أكثر من أسبوعين حتى تُصْبح الصورة واضحة كخريطة طريق أمام الحكومة, واعتقد أن الوفر في حالة دقة الدراسة ستزيد على 70% من الاستهلاك الحالي.
الحل النهائي يكون بتركيب مجموعات توليد صغيرة بما يكفي حاجة كل مؤسسة المقننة بحسب دراسة فريق العمل, ولو حاولت وزارة الكهرباء تنفيذ سياسة تغذية الأسواق عن طريق تجميع المولدات التي يستخدمها التجار وتوفير الطاقة لجميع مخازن السوق عبر شبكة تغذية يمكنها الوصول إلى وجود مجموعات توليد غير ضرورية تستفيد منها الوزارة في إنارة مؤسساتها مما يؤدي إلى تخفيض النفقات الرأسمالية لتأمين التجهيزات الثابتة ونفقات التشغيل لصالح المخازن التجارية وعندها يمكن أن تدعم فكرة عدالة التقنين بدمشق وريفها وبالتدريج نستمر تطبيق نفس السياسة حتى نصل إلى جميع المحافظات البعيدة عن البؤر الساخنة. وبالمناسبة عدد من بطاريات سيارات المسؤولين تكفي لحل تأمين كهرباء مناسبة في فترة التقنين, وحتى لا أنسى فإن مصروف الطابعات الإليكترونية من الكهرباء يعادل أكثر من عشرة حواسب وببرنامج بسيط يسمح باستخدام طابعة واحدة لكل وزارة بما فيها وزارة الكهرباء. وبهذه المناسبة قامت مجموعة من المهندسين بدراسة تأثير استقرار جهد التيار الكهربائي على زيادة الإنتاج والإنتاجية في بعض ورشات مصانع السيارات في الاتحاد السوفياتي السابق في سبعينات القرن الماضي ونالوا مكافآت مجزية.
جربي هذا الحل يا وزارة الكهرباء وبعدها لكل حادث حديث. وبهذه المناسبة منذ حوالي اسبوعين نلاحظ فوضى عارمة في عادلة التقنين وبرامج التقنين وفي عاصمة العروبة دمشق.
2 ـــ التزايد الفاحش في الأسعار: في 7 آب من سنة 2007 كتبت مقال بعنوان الاستقالة من الوطن وقد جاء فيه:
/ في أوائل شهر آب من هذه السنة (2007) وعن طريق الصدفة دخلت إلى صالة شركة الخضار في المزرعة بجانب نادي بردى الرياضي، واستمعت إلى موشح سيدة رصينة في عمْرِ الكهولة وهي تلعن وتسب الحكومة بسبب ارتفاع الأسعار بعد أن قال لها البائع بأن سعر كيلو البندورة هو 22 ليرة سورية.
استخدمت هذه السيدة كل كلمات قاموس المسبات واللعنات بحق الحكومة، وقد لاحظْتُ انفراج أسارير الباعة والمشترين على حد سواء وسمعت تعقيبات بعضهم المؤيدة، وقد انتابني الشعور بأنها المرأة الأولى التي تستقيل من الوطن بحزنها وشتائمها كما شعرت بأن الحضور ممن انفرجت أساريرهم (باعة ومشترين) اقتربوا من الاستقالة من الوطن/.
سعر كيلو البندورة اليوم يتراوح ما بين 250 و300 ليرة سورية ومع ذلك المواطنون صامتون وصامدون وشتائمهم خافتة لأن رجال الوطن يكرهون اللون الأسود ويرفضونه خلال هذه الأزمة.
ما هو رأي الحكومة بهذه المقاربة البسيطة؟.
منعاًَ لأي التباس كان راتبي يزيد على 1200 دولار أمريكي واليوم هبط إلى 256 دولار. من الطبيعي أن لا أستقيل من الوطن وخاصة أنني اعتبر بأن الحكومة استقالت من الوطن ومقاومتي, والحمد لله, ليست حكراً عليَّ بل جيوش من ابناء الوطن ما زالوا مقاومون ونحن نشجِّع بعضاً بعضاً حتى نبقى صامدين وحتى يتحقق النصر على الكفار الإرهابين وعلى المواقف الحكومية المتفرجة علينا, ونكاية لن نسمح للحكومة أن تلاحظ دموعنا أو تشْعر بعذباتنا وصامدون بإذن الله.
3 ـــ تلاعب سعر صرف الدولار: رغم مواقف العديد من الاقتصاديين المعارض لسياسات الحاكم بأمر المصرف المركزي في التصدي لتخفيض سعر صرف الدولار في السوق السوداء وحتى تثبيته في حدود مقبولة وحاكمنا يسد أذنيه ولا يرغب سماع أصوات عقلاء الاقتصاديين وهو مستعد للاجتماع مع مسببي تلاعب سعر الصرف وحتى مع الشيطان ولا أن يجتمع مع الناصحين لأن ذكاؤه خارق فهر بتسريحة شعره يقول أن سوبر مان سعر الصفر والباقي فراطة.
وينهي كل تصريح بقوله بأن السعر في السوق السوداء وهمي ومع ذلك ما زال السعر متوازناً ( لا أعرف مع أي سعر متوازن) وأن من يتكلم عن السوق السوداء هم دواعش الداخل ويجب محاربتهم.
وهنا أتوجه بسؤال بسيط: كيف يسعِّر التجار البندورة والخيار والبطاطا والكوسا والزهرة والباذنجان والفليفلة والملفوف وأكيد كيف تتم تسْعير اللحمة غنم وعجل بأنواعها والفروج وأجزائه….إلى آخر القائمة؟.
أكيد لا علاقة لوزارة التجارة الداخلية وقد لصقت بها عبارة ضد مصلحة المستهلك ولا للحكومة مجتمعة أي دور وهي آخر من يعلم كالزوج المخدوع.
أختم بالسؤال التالي: منذ ما يقارب الشهر وخلال مجلس الوزراء نقل الإعلام الرسمي بأن رئيس مجلس الوزراء وجه وزير التجارة الداخلية ,ضد مصلحة المستهلك, بما معناه, (اتخاذ إجراءات جديدة للسيطرة على الأسعار وجعلها ضمن الحدود المقبولة) وبعد هذا الكلام وفوراً ولعت الأسعار, هل لديكم أي تفسير لهذه الظاهرة الغريبة؟.