حين نكون في حضرة قامة ادبية كبيرة يطول بحثنا عن مقدمة تليق به وهذا ما حصل معنا حين اردنا بسط ما اتحفنا به ضيفنا المميز الاستاذ احمد يوسف داود
نقل له محبتنا تقديرنا وحاوره الزميل فؤاد حسن
السؤال الأول حدثنا عن بداياتك الشعرية والأدبية (مسيرتك الأدبية
=(سوريا من الأقطار العربية الرئيسة التي يؤهلُها ميراثها الحضاري لإنجاب كثيرٍ من أبنائها مؤهلين بتكوينهم ليكونوا شعراء وأدباء ومفكرين أو لنقل: مبدعين بشكلٍ عام.. وتأتي الظروف الشخصية لكلٍّ منهم لتؤثر سلباً أو إيجاباً أو (بينَ ـ بينْ) في دفعه أو إعاقته عن تحقيقِ ماأودع في تكوينه هذا. بالنسبة لي لم يكن (الوسط) الذي قضيت طفولتي فيه مهيََّأً لمساعدتي على الكتابة.. ولكنني أعتقد أن حصتي من التكوين الذي سبقت الإشارة إليه كانت أكبر من امكانيةِ الإعاقة في (الوسط) الذي كان إطار طفولتي.. والمواريث الشفوية والروحية فيه كانت محفّزاً غيرَ منظورٍ للكتابة. وأول قصيدة كتبتها كانت وأنا في منتصف الثانية عشرة من عمري عن (الحرية) وقدمتها كموضوعِ تعبيرٍ مدرسيٍّ أدهش مدرس اللغة العربية الذي قال لي حرفياً:(أرجو أن أراك أحد كبار الشعراء في سوريا).. ولكنني مستقبلاً لم أتقيد بالشعر بل تجاوزته الى الكتابة في مختلف أجناس الأدب والفكر والنقد تقريباً. وفي حمص وكنت في السابعة عشرة بدأت النشر في مجلة (الخمائل) التي أسسها الشاعر والأديب المرحوم محيي الدين الدرويش وأبناؤه وقد نشرت فيها ثلاث قصائد وقصة قصيرة.. وكان لأساتذتي في حمص التي كانت بحق عاصمة الانتاج الأدبي السوري تأثيراتٌ كبيرة ومتنوعة على توجهاتي المستقبلية. فالمرحوم صبحي شعيب وهو من رواد الفن التشكيلي في سوريا أرادني رساماً والمرحوم الموسيقار ممدوح شلبي أرادني موسيقياً ومطرباً والمرحوم الدرويش والمرحومان ابناه أحمد وعون أرادوني شاعراً ومعهم جُلُّ أساتذتي من أدباء حمص كالمرحوم عبد المعين الملوحي وشكري هلال وعبد الواحد السباعي ومحمود فاخوري.. وكثيرون آخرون. عام 1967 نشرت أول قصيدة طويلة في مجلة المعرفة السورية.. وفزت بالمركز الأول في مهرجان شعراء الجامعة وألقى المرحوم ممدوح عدوان قصيدتي نيابة عني.. وفي العام ذاته كتبت المسرحية الشعرية (سفرة جلجامش) التي نشرت في المعرفة عدد أيار عام 1968 وتلقيت ثناء رائعاً من نائب وزارة الثقافة عليها. كما انجزت كتابة مسرحية (الخطا التي تنحدر) وأقر اتحاد الكتاب نشرها ولم تصدر حتى عام 1972 لكن المسرح القومي قدمها عام 1971 بإخراج علي عقلة عرسان. وعام 1969 أعددت ديواني الشعري الأول للنشر وصدر عن وزارة الثقافة عام 1970 بعنوان (أغنية ثلج) وهذا العنوان اقترحته السيدة الدكتورة نجاح العطار بدلاً من عنوانه الأصلي (البحث عن يقين). وفي اول 1970 أصبحت عضواً في اتحاد الكتاب العرب بدمشق ومنذ ذلك العام بدأت مؤلفاتي يتوالى نشرها: في الشعر والنقد وروايات الفتيان وروايات الكبار والمسرح (صدرت مسرحيتي الغراب في عدد المسرح الطليعي من المعرفة الدمشقية عام 1971.. وسواها في الموقف الأدبي/ الآداب/ جريدة البعث…الخ) بالاضافة الى كتب فكرية وتوقفت عن إصدار الكتب التي زادت عن 25 كتاباً بعد صدور كتابي النقدي الثاني (أوراق مشاكسة) عام 2001. كما لم أتوقف عن نشر المقالات والدراسات النقدية والمراجعات للكتب الهامة ونقدها في الصحف والمجلات السورية وعدد من المجلات اللبنانية كمجلة الآداب والكفاح العربي وجريدة السفير.ز وغيرها بالاضافة الى مجلات وجرائد عربية أخرى. قد حصلت على عدد من الجوائز الأولى في أكثر من جنس أدبي وكان أهم الجوائز: جائزة الدولة التقديرية في الأدب (جنس الرواية) عام 2013. وهذه هي بإيجاز شديد سيرتي مع الكتابة والنشر. وبالتأكيد لم يكن أحد يدعمني بالمعنى الخاص.. لكنني لم أكتب عملاً أو كتاباً إلا قوبل بترحاب حار من مثقفين وأدباء ونقاد معروفين.
السؤال الثاني ماهي الظروف ومن هم الأشخاص الداعمون لك؟
= كان في هذا تشجيع كبير لي.. ولا بد لي من شكر الأساتذة الدكاترة الذين درسوا لي روايتين في جامعتين سوريتين.. وكتابي النقدي الاول في جامعة جزائرية. وجزيل الشكر والتحية للأستاذ الدكتور علي نجيب ابراهيم الذي درّس روايتي (الخيول) كمقرر على طلاب الصف الرابع في قسم اللغة العربية وطلاب الدراسات العليا أيضاً لنحوٍ من عقد كامل.
السؤال الثالث هل يمكن أن تسجل لنا القصة أو القصيدة أو الراويه الأكثر قربا منك وماهي اعمالك الأدبية ؟
بالنسبة لي أجد أن أعمالي كلّها محببة إليّ: مجموعاتي الشعرية.. مسرحياتي.. رواياتي.. أعمالي النقدية.. كتبي البحثية.. كل في ميدانه يعبر عني بصورة شبه كاملة وقت كتابته.. وتلك الأعمال هي بالتالي صور فتراتٍ من حياتي لاأستطيع إلا أن أحبها كاملة. ولكن ونزولاً عند رغبتك أقول: في الشعر أرى أن مجموعات (القيد البشري ـ أربعون الرماد ـ مهرجان الأقوال ـ والديوانين المخطوطين الذين أنوي إصدارهما في مجموعة واححدة قريباً) هي أفضل مايمثلني شعرياً.. كما انني أعتز بروايتي الخمسة التي تصدر في طبعة ثانية هذا الشهر عن الهيئة العامة للكتاب بدمشق وخصوصاً (بالخيول.. وفردوس الجنون) وقد قيل لي عن الأخيرة إنها خرقت سقف الرواية العربية. وأما في النقد فأنا أعتز بكتابي (لغة الشعر الصادر عام 1980) عن وزارة الثقافة بدمشق كما أعتز بكتابي (أوراق مشاكسة) الصادر عن اتحاد الكتاب العرب بدمشق.. وفي البحوث: فإن اعتزازي الأكبر هو بكتابي:(الميراث العظيم/إعادة بناء المنجز الحضاري العربي منذ الألف الثالث قبل الميلاد حتى ظهور الاسلام) الصادر عن دار المستقبل بدمشق.. وقد استغرق مني جهد عشر سنواتٍ ونيف. أما مسرحياتي ورواياتي للفتيان فهي كلها محببة الي.. وقد بقيت منها واحدة أعتبرها الأكثر تميزاً لدى الصديق الدكتور وليد حمارنة مصفوفة على الأبيض لطباعتها في دار المسيرة ببيروت حيث تهدمت الدار بقصف الطيران لصهيوني لبيروت عام 1982.. واختفى الصديق الدكتور وليد حمارنة من دمشق والنسخة عنده عام 1983 وأتمنى أن يكون بخير وعافية.. وأن يكون مازال محتفظاً بالنسخة اليتيمة لهذه لمسرحية الملحمية عن فلسطين
. السؤال الرابع في رأيك متى ينتهي الكاتب فنيا
لن أجيبك عن السؤال الرابع..لأن الكاتب لاينتهي فنياً بالمعنى الدقيق للكلمة إن كان قد كتب شيئاً مميزاً.. لكن القيمين على إعادة انتاج الثقافة في وطنه قد يخضعون أعماله للاختفاء.. وقد يعمد هو للتخلي عن الكتابة لأسباب مختلفة مثلما حدث للقاص الكبير الراحل المرحوم سعيد حورانية. أعني ببساطة: عدم شهرة كاتب ما ليست عائدة دائماً إلى أنه لم يكتب شيئاً متميزاً.. فعندنا هناك رغبة بمحاربة الكتاب (الخارجين على الطاعة) وتمويتهم تجاهلاً وجوعاً مالم يشتغلوا رقاصين في الأعراس السلطوية المسطحة والفاشلة. الشعر يحتاج الى نقاد اكفياء وجادين وصادقين لتصنيف من (يكتبونه) على أن كتاباتهم هي من الشعر أم من سواه.. والوطن العربي برمته وسوريا خصوصاً تفتقر الى نقد جاد وعميق وواسع يمارسه مثل أولئك النقاد الذين أشرت إلى وجوب وجودهم.. وقس على ذلك أشجناس الأدب الأخرى.
السؤال الخامس هناك ما يصنف شعرا والأدب ولا علاقة له بالشعر ولا بالأدب من الذي يصنف هذا الشعر وسواه ؟
سؤالك واسع جداً.. ولكن الشعر يحتاج الى ثقافة عميقة وواسعة ومعرفة ممتازة باللغة وأساليب استعمالها خلال عصور تاريخنا.. ويحتاج الى البناء على ماسبق من شعر ثبتت جدارته بالبقاء… الى آخره. بالطبع ليس المجال هنا مجالَ ضربٍ لامثلة من الأنماط الثلاثة للقصيدة العربية: التقليدية.. قصيدة التفعيلة.. قصيدة النثر.. وتبيان ماهو شعر من الأمثلة وماهو لغو وهرف.. وأما الأجناس الأدبية الأخرى فالأمر فيها أكثر يسراً رغم الصعوبة في ضرب الأمثلة.
السؤال السادس من يعجبك من الشعراء والكتاب؟
يعجبني من الشعراء والكتاب يجب أنحدد إجابته أسباب الاعجاب وهذا يحتاج ياصديقي إلى أكثر من كتاب نقدي ناهيك عن طول القوائم في الشعر والقصة والرواية والمسرح.. وعن عدم الإحاطة بكل ماكُتبَ خلال نصف قرن فقط في هذه الأجناس على مستوى الوطن العربي الذي تحظر حكوماته تداول الكتب إن لم تكن تروق أجهزة الرقابة فيها.. فاعذرني فليس هنا مقام الاجابة عن هذا السؤال.
السؤال السابع في رأيك كيف يمكن للشعر او القصة أو الروايه أن يكون مؤثرا في تحسين العلاقات الأجتماعية ؟
تأثير الشعر والأدب عموماً على الواقع الاجتماعي من جوانبه المختلفة فإنني أقدّرُ أن ذلك التأثير ضعيف جداً مالم تكن هناك قوىً اجتماعية فاعلةً تتبناه وتنشره وتعتمد بعضاً مما تحمله الكتابات في صنوفه المختلفة. وعموماً فإن تأثيرات الكتابة في مختلف الأجناس الأدبية على حركة الواقع هو في النهاية تأثير تحريضيٌّ وتراكميٌّ: بمعنى أنه يحتاج الى وقت طويل لظهور شيء من تأثيراته في الواقع المجتمعي. وفي مجتمعات كمجتمعاتنا العربية التي ينتج فيها كل نظام أنساقه الثقافية بقوة سلطته فإن تلك التأثيرات تبدو شبه معدومة نظراً للثبات المزمن في الفكر العام السائد وسهولة تكراره لذاته بأشكال خادعة من (قشرة المعاصرة)
أما عن سؤالك الأخير حول: (ما الذي لم أقله بعد؟) فإن الجواب
يرتبط بسؤال مواز هو: (ما الذي قلته قبلاً؟).. ومراجعة ذلك أمرٌ يحتاج الى وقت كبير وإلى نقد مني ومن نقادٍ آخرين لما قدّمته. وهو مالا يمكن توفيره في ظل غياب النقد عموماً في الوطن العربي. إن مايمكن لي أن أقوله في ما تبقى لي من الحياة هو شيء يخضع للمصادفة وللظروف المواتية. والظروف المواتية تكاد تكون معدومة
وفي النهاية الشكر الجزيل لنفحات القلم والآنسة منيرة أحمد وللصديق فؤاد حسن .