نادرة هي قطع الآثار والأدوات التي اكتشفت في مواقعنا الأثرية التي تدل مكتشفاتها على الآلات الموسيقية العاجية ..
إلا أن أوغاريت « رأس الشمرة « أكثر مواقعنا الأثرية التي قدمت أدوات وشهادات تدل على تطور موسيقي وكتابة نوطة مثل رقيّم أنشودة العبادة الأوغاريتية .. وإذا أخذنا بالحسبان الأدوات المعدنية كالأصناج ودمية لعازفة موسيقية مصنوعة من العاج إضافة الى المشاهد المصورة على الأختام الاسطوانية والنصوص الكتابية والرقيّم المشهور الذي يسمى مباركة ربيعو يذكر فيها الأدوات الموسيقية التي يعزف عليها طبعاً ترافق الغناء والعزف في أوغاريت على الآلات الموسيقية وإن سكان أوغاريت كانوا يعزفون على الصنوج والقيثارة والناي والطبل والقصبة وآلات أخرى تشبه آلة العود الحالية ويبدو انه كان لديهم بعض الفرق الموسيقية أيضاً. يقول النص :
« غني إكراماً لبعل
الذي يغني ويعزف الموسيقى
على القيثارة والناي
الصنجان لبعل
شاعر بعل ..البطل ذو الصوت
الرخيم …
يشدو ويرنم إكراما لبعل
أشدو وأسمع بعض الموسيقا
من القيثارة والناي
على الطبل والصنجين
..».
في عام / 1952/ م . وأثناء أعمال التنقيب الأثري في موقع أوغاريت تحديداً في القصر الملكي اكتشف ضمن المكتشفات التي تمت ناب فيل منحوت تم ترميمه وعرضه في المتحف الوطني بدمشق في قاعة ..رأس شمرة « وقد تم تفسير هذا المكتشف وقام بدراسته الآثاري الفرنسي منقب أوغاريت الراحل « كلود شيفر « حيث تبين أنه لبوق عاجي وليس قارورة لتسهيل سكب الزيت فقد ثبت أن الفتحة المستوية المقصوصة في الأعلى تسمح للشفتين أن توضعا بارتياح للقيام بالنفخ ويبدو أن هذا الناب قد تعرض الى ترفيق خارجي ليتوافق مع المظهر الجانبي ما يجعل منه أداة فريدة من نوعها في منتصف الألف الثاني ق . م ..
إن الأميرة المنحوتة في الجهة الداخلية للناب وكأنها تنبثق من العاج ..
فعرّيها وجبهتها وحركة يديها وهي تمسك بثديها وشعرها الطويل المنسدل على شكل جديلة تشهد كلها على الأصالة الشرقية للإلهة وعن مهارة فنان العاج ويذكر هذا الرسم بالآهات عديدات يمكن رؤيتهن على القلادات الذهبية وعلى الاختام الاسطوانية والفخار وهن يمثلن المبدأ الأنثوي للخصوبة والحب.
انه إبداع جمالي حقيقي..
كما تم العثور على آلات موسيقية عاجية في رأس الشمرة وهناك كسرة من سن قاطعة لفرس النهر وهي معروضة في متحف اللوفر بباريس محزوزة بثلاث زخرفات على شكل ضفيرة
وهي تعود لنمط آخر من آلات النفخ ربما البوق هذه القطعة المميزة اكتشفت في معبد « دجن» في الأكربول اعلى التل الأثري في أوغاريت ولا بد بان هذا المكتشف كان له علاقة بالموسيقى ذات الطابع الديني الخاص للمعابد.
بما هو معروف عن الموسيقا الأوغاريتية فقد حدثتنا الوثائق الكتابية المكتشفة في أوغاريت عن الغناء والرقص والعزف على الآلات الموسيقية لذلك نجد في نص أوغاريتي يصف لنا أغنية كانت تغنى إكراماً لبعل إله المطر والبرق والرعد تقول:
"حدد يستوي مثل الدب
في وسط الجبل الإلهي صفون[جبل الأقرع ]
في وسط جبل النصر
سبعة بروق
ثمانية مخازن كنوز مليئة بالرعد..
الذي هو خشب البرق
ابنته طليّة تعتني برأسه
ابنته رضيّة تعتني بجبهته
وهي تربت على ساقيه
رأسه في الثلج
في سماء الثور « إيل»
قمة مثل سحابتين
مثل خمر الحب في قلبه"
.. انها أوغاريت التي تثير دهشتي دائماً.. أ وغاريت لم تمت لأنها ما تزال تعيش في ذاكرتنا أوغاريت المدينة التي ازدهرت مرتين مرة قبل الميلاد منذ 3500 سنة ومرة بعد الميلاد ولتنفض عنها غبار ترابها لتتحول إلى متحف في الهواء الطلق لتتقبل زوارها من جديد..
في سورية لاشيء في العالم يستطيع أن يعود بنا إلى الوراء..
في سورية ما زال القلب يستطيع أن يجد فيه حواباً لكل تساؤل..
التي أحبها اسمها اوغاريت عشت فيها قضيت سنين عمري في أجوائها ..هي ثناء لقلبي المتيّم..
..عاشق أوغاريت ..غسّان القيّم.