بيروت برس
عباس الزين – بيروت برس –
منذ استلام الرئيس التركي الحالي رجب الطيب اردوغان مقاليد السلطة في العام 2014، بعد توليه رئاسة الوزراء في العام 2003، وضع امام ناظريه هدفًا يتمثل بالسيطرة التامة على الحكم في تركيا، بعيدًا عن أي منافسة او حتى مشاركة، ان كانت من داخل حزب العدالة والتنمية الذي ينتمي اليه، او خارجه من الأحزاب المعارِضة.
عمل اردوغان خلال السنوات الأخيرة، على تجهيز الأرضية اللازمة لهدفه، بإبعاد منافسيه داخل حزب العدالة والتنمية عن دائرة الحكم بالدرجة الأولى، الأمر الذي ظهر بشكلٍ واضح في استقالة أحمد داود أوغلو من رئاستي الحكومة والحزب، والذي كان يعتبر احد اهم الشخصيات المؤثرة في الحزب الى جانب اردوغان.
الاسباب الحقيقية لاستقالة اوغلو جاءت لتؤكد على نوايا اردوغان بعد استلامه لرئاسة الجمهورية، لا سيما انها جاءت مرافقة لخلافات حادة بينهما، في عدد من القضايا المهمة، على رأسها تغيير النظام السياسي للبلد إلى نظام رئاسي.
في موازاة ذلك، استغلَّ اردوغان الانقلاب الفاشل الذي شهدته تركيا في آب من العام 2016، للضغظ اكثر على معارضيه داخل تركيا، عبر اتهامهم بالوقوف خلف الانقلاب، او مساعدة الجهة المخططة، ممررًا في الوقت عينه، وتحت حجة الانقلاب الفاشل، والضرورات الامنية والسياسية، تعديلات مقترحة على الدستور التركي، ستعرض على التصويت بتاريخ 16 نيسان 2017، بعد ان صوت البرلمان لصالح طرحها على الاستفتاء بتاريخ 20 كانون الثاني 2017، بأغلبية 339 صوتًا، متجاوزًا بذلك الغالبية المطلوبة من ثلاثة أخماس والتي تضم 330 صوتًا. والجدير ذكره، ان اردوغان فشل في تحقيق نجاحٍ بالانتخابات النيابية الأخيرة، يسمح له بموافقة ثلثي اعضاء المجلس النيابي التركي (367) على التعديلات، وتمريرها مباشرة بعد تصديقها من قبل الرئيس، من دون الحاجة لاستفتاءٍ شعبي.
وفي السياق نفسه، تظهر مساعي اردوغان "الإقصائية" للإستئثار بالسلطة، والمغلفة بديمقراطية الاستفتاء، في البنود المقترحة على التعديل، بحيث انها بمعظمها تسلُب السلطات الأخرى في البلاد من تنفيذية وتشريعية حقوقها، لصالح منصب رئاسة الجمهورية الذي يتولاه اردوغان. وعلى رأس تلك البنود، بند يعطي الحق لرئيس الجمهورية بتولي صلاحيات تنفيذية، وقيادة الجيش، ويحق له تعيين نوابه والوزراء وإقالتهم، وذلك استكمالاً لبندٍ آخر يلغي منصب رئاسة الوزراء. كما يحق للرئيس إعلان حالة الطوارئ من دون الرجوع لمجلس الوزراء، في حال توفر الشروط المحددة في القانون، ما يعني ان الرئيس يسيطر وبحسب تلك التعديلات، على المفاصل الاساسية للبلاد، لا سيما التنفيذية منها.
الى جانب ذلك، يمكن للبرلمان اتخاذ قرار بإجراء انتخابات جديدة بموافقة ثلاثة أخماس مجموع عدد النواب (330)، اي بنفس عدد النواب الذين وافقوا على التعديلات الدستورية، والذي يشكل حزب العدالة والتنمية 258 عضوًا منهم. مما دفع اردوغان الى إدراج بندٍ في التعديلات، يرفع بموجبه عدد نواب البرلمان من 550 إلى 600، في محاولةٍ للسيطرة أقله على ثلاثة أخماس مجموع النواب، من دون ان يكون مضطرًا للتحالف مع اي حزبٍ اخر.
وفي غضون ذلك، لم يكتفِ اردوغان من التعديلات بالسيطرة على القرارات السياسية لتركيا، بل أدرج من ضمن البنود، بندًا يتعلق بالشق الاقتصادي، يخوله طرح الموازنة العامة للدولة بنفسه، بحيث ان احد البنود يلفت الى ان رئيس الدولة يعرض الميزانية العامة على البرلمان، ما يجعل اردوغان متحكمًا بموارد الدولة انطلاقًا من "الموازنة". كما تتضمن التعديلات الدستورية خفض سن الترشح لخوض الانتخابات العامة من 25 إلى 18 عامًا، بالإضافة الى صلاحية تضاف الى البرلمان بالرقابة والتفتيش والحصول على معلومات عبر "تقصي برلماني" أو "اجتماع عام" أو "تحقيق برلماني" أو "سؤال خطي". الى جانب ذلك، ومن ضمن التعديلات المقترحة، تلغى المحاكم العسكرية، بما فيها المحكمة القضائية العليا العسكرية والمحكمة الإدارية العليا العسكرية، كما يحظر إنشاء محاكم عسكرية في البلاد باستثناء المحاكم التأديبية.
لا يمكن الجزم ان الاستفتاء الشعبي ستكون نتيجته "نعم" للتعديلات الدستورية، عبر مقارنتها بنتائج الانتخابات النيابية الأخيرة، والتي حصل من خلالها حزب العدالة والتنمية على أغلبية الأعضاء، واعتبارها كنتيجة متوقعة للإستفتاء في نيسان المقبل، فالتصويت الشعبي التركي لانتخاب نواب البرلمان، يختلف عن التصويت على الإستفتاء، حيث ان الحملة الانتخابية التي قادها حزب العدالة والتنمية في انتخابات 7 حزيران 2015، تركزت على سعي الحزب لتحويل النظام الى نظام رئاسي، الامر الذي كان له أثر سلبي على التصويت لصالح الحزب، فقد حصل العدالة والتنمية في تلك الانتخابات على نسبة 40% من الأصوات، والتي لا تخوله تشكيل حكومة بمفرده، ما دفع الحزب الى خوض انتخابات مبكرة بعد اشهر قليلة في تشرين الثاني من العام 2015، لم يتطرق برنامجه الانتخابي خلالها للنظام الرئاسي، ليحصل على نسبة 49% من الاصوات، مما يؤهله لتشكيل الحكومة منفردًا.
بناءً عليه، فإنّ الخلافات حول التعديلات الدستورية غير محصورة بحزب العدالة والتنمية والأحزاب المعارِضة، بل ان الخلاف يطال ايضًا القاعدة الشعبية للحزب فيما بينها، والتي من الممكن ان تؤثر بشكل مباشر على نتيجة الاستفتاء، ما يؤشر الى امكانية ارتداد الاستفتاء سلبًا على شعبية الحزب بشكلٍ عام، المنقسمة على التعديلات. ليتحول الاستفتاء الذي يسعى من خلاله اردوغان للسيطرة التامة على السلطة منطلقًا من شعبيته، الى بداية لنهاية تلك الشعبية بشكل تدريجي لصالح أحزاب المعارضة او لصالح حزبٍ يخرج من رحم "العدالة والتنمية"، كما خرج الأخير من حزب "الفضيلة الإسلامي" -تم حله بقرار صدر من محكمة الدستور التركية في العام 2001- من قبل نوابٍ منشقين على رأسهم اردوغان، كانوا يمثلون ما عرف وقتها بـ"جناح المجددين في حزب الفضيلة".