بيروت برس
عمر معربوني – بيروت برس –
يختلف الباحثون في توصيف أسباب الحروب بحسب انتمائهم الفكري والسياسي وبحسب البلدان التي ينتمون اليها، فعندما يتكلم الباحث الأوروبي أو الأميركي فهو عادةً ما ينسب أسباب الحملات والغزوات العسكرية التي تشنّها اميركا واوروبا الى مخاطر ارتبطت تارةً بتعميم الديمقراطية وتارة أخرى بما يشكله الإرهاب من خطر على دولهم، ونحن هنا لن ندخل في سجال حول كيفية تصنيع الإرهاب استنادًا الى القواعد الفقهية والفكرية المرتبطة بالدين، وكيف تم استغلال الأمر لتركيب حروب ذات بعد مذهبي وطائفي.
في المقابل، نسمّي نحن ابناء الدول التي تعيش حالة الحرب أميركا واوروبا بالناهب الدولي، في اشارة رمزية تختصر طبيعة هذه الدول التي قامت على اساس استعماري بغيض كلّفنا ولا يزال الكثير من الخسائر في بنيتنا البشرية والإقتصادية، ووضعنا امام تحدي البقاء والوجود في السنوات الأخيرة الفائتة.
من الطبيعي ان نذكّر بمرحلة اتفاقية سايكس – بيكو وما نتج عنها من تقسيم للمنطقة على اساس كيانات سياسية تابعة للإستعمارين الإنكليزي والفرنسي، حيث تشكّل بعضها بصيغة كيانات وظيفية كالمملكة السعودية التي تأسست قبل نشوء الكيان الصهيوني، اضافة الى تشكل انظمة حكم تابعة في كل الكيانات السياسية العربية الناشئة بإشراف الإنتدابين الإنكليزي والفرنسي بما يخدم حماية الكيان الصهيوني وبقاءه في قلب المنطقة الفاصلة بين المشرق والمغرب العربي، كشرطي يحمي مصالح الناهب الدولي.
لم يكن الإستعمار يحسب أنّ الحراك النضالي والتحرري في الكيانات الناشئة باستطاعته إحداث تغيير ملموس يؤثر في بنية الأنظمة الكائنة، وهو ما حصل في مصر وسوريا وفيما بعد في العراق على مراحل متتالية وأخذ الأمور من جديد الى دائرة الصراع المفتوح الذي مرّ بالعديد من المراحل والتحولات التاريخية حتى يومنا هذا.
في نهاية الستينيات بدأت معالم صراع جديد وخفي عندما اكتشفت سفن أبحاثٍ بريطانية حقولًا للغاز في جبل إراتوسثينس، ثم جاءت الولايات المتحدة وروسيا بين أعوام 1977 و2003، لتؤكد أنّ الغاز في شرقي المتوسط يمتدُ من شواطئ اللاذقية إلى غربي مصر مرورًا بلبنان وفلسطين المحتلة، في جبل إراتوسثينس الممتد تحت مياه المتوسط، اعتبارًا من جرف اللاذقية إلى شمالي دمياط المصرية ب 180 كلم.
في نهاية التسعينيات، بدأ الكيان الصهيوني بنشر مجسّات الكترونية تحت حجة اكتشاف الهجمات الصاروخية الإيرانية، والهدف الحقيقي هو التفتيش عن الغاز والنفط ليتم الإعلان عام 2010 عن اكتشاف اكبر حقول إحتياطي الغاز في العالم وهو حقل "لفيتان"، بإحتياطي قدره 23 تريليون قدم مكعب من الغاز.
ورغم هذا الإكتشاف، تبقى حصة لبنان وسوريا ومصر أكبر بكثير ممّا هو موجود في الحقول الفلسطينية تحت سيطرة الإحتلال.
المفاجئ في الأمر هو أنّ تركيا هي اقل دولة يتواجد فيها النفط والغاز لبعدها عن منطقة جبل إراتوسثينس، وهو الأمر الذي سيجعلها في السنوات القادمة تحت رحمة ايران وروسيا خصوصًا ان اصطفاف تركيا الى جانب الناهب الدولي وعشوائيات الخليج قطر والسعودية كان بسبب ممرات الغاز وحصة تركيا منها.
لهذا كان ضروريًا تفعيل نظرية "الفوضى الخلاقة"، والتي أميل الى تسميتها ب"الفوضى العمياء" لسبب واضح، وهو أنّ أميركا حتى اللحظة لا تمتلك استراتيجيا دقيقة بخصوص المنطقة وكل ما فعلته هو تسهيل حدوث الفوضى واستثمار نتائجها بعد مرحلة انهيار الأنظمة وسيادة التوحش، فتأتي اميركا كمساعد ومسعف ومنقذ لإعادة الأمور الى نصابها والإمساك بالمنطقة من جديد.
هذا الصراع سيستمر وبعنف غير مسبوق خصوصًا في المراحل القادمة، اذا ما علمنا أنّ الاحتياطي السّوري من الغاز والبترول في البادية السورية والساحل بواقع 83%، بينما يوجد في الجزيرة السورية فقط 12%، خلافًا لما هو معروف ومتداول.
في العام 2008 كان ترتيب سوريا في احتياطي الغاز الـ43 عالميًا، حيث يوجد 240 مليار متر مكعب من الغاز بينما تشير الدراسات الى ان احتياطي الغز المكتشف في حقول تدمر والقلمون الغربي والساحل السوري سيتجاوز 28 تريليون متر مكعب من الغاز، ما يضع سوريا في المرتبة الثالثة عالميًا بعد روسيا وايران.
ومن المفاجآت الكبيرة ايضًا ان حقول النفط والغاز في المنطقة الشرقية لسوريا ستبدأ بالنضوب ابتداءً من عام 2022، في حين ان الحقول المكتشفة حديثًا ستستمر في الإنتاج 50 سنة في الحد الأدنى بعد البدء باستخراج الغاز منها.
وفي اشارة الى حجم الثروة، تشير الدراسات الى ان ثلاثة حقول غاز متوسطة الإنتاج في محيط تدمر يمكنها تزويد محطات توليد الطاقة الكهربائية في سوريا لمدة 20 سنة دون انقطاع للكهرباء على مدار 24 ساعة.
كما تشير الدراسات إن اكبر أربع حقول نفط موجودة قبالة الساحل السوري وصولًا حتى مدينة بانياس وضمن المياه الإقليمية السورية، ويتوقع أن تعادل الكميات المكتشفة إنتاج الكويت من النفط أي ما يعادل إنتاج يومي يصل إلى 1,6 مليون برميل يوميا، هذا فقط من الحقول الأربعة المحددة على الخارطة من أصل 14 حقلًا.
طبعًا اذا ما اردنا التوسع في الموضوع بما يرتبط بمصر واليمن ولبنان، يصبح الكلام عن تمدد "داعش" وغيره من الجماعات الإرهابية منطقيًا، حيث نرى ما يحصل في تدمر وقرب اماكن تواجد "داعش" في سيناء من سواحل مصر من دمياط باتجاه الشواطئ الفلسطينية وحقول النفط اليمنية التي توازي احتياط السعودية ولبنان الذي يتحضر"داعش" بأوامر من مشغليه للقدوم اليه، في حالة وجود ممانعة لبنانية ترتبط بطبيعة العقود والشركات، ناهيك عن السيطرة على الجغرافيا التي ترتبط ارتباطًا وثيقًا بممرات نقل وامداد الغاز والنفط، وهو ما تؤكده جغرافيا المعركة. وبالتأكيد تشكل سوريا قلب هذه الجغرافيا، لهذا ستستمر المواجهة حتى يتم حسمها اما بتفاهمات وهذا مستبعد برأيي لارتباط الأمر بقضايا وجودية او بمنتصر ومهزوم، وهو الأغلب بنتيجة هذه المواجهة التي اريد لها ان تكون مواجهة مذهبية لتسهيل عملية التفكيك، لكنها في الحقيقة كأي حرب ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالإقتصاد والموارد.
(*) ضابط سابق – خريج الأكاديمية العسكرية السوفياتية.