كتب الاستاذ محمد محسن – المستشار القانوني لنفحات القلم
…الاستعـــمار الغـــربي ســـــــــــــــارق الحضــــــــــــــارة
………….. كان يرمي من هذه الحرب تأبيد سيطرته على مقدرات الدنيا
………….. وبالنسبة لنا حرب خلاص ، وحرية ، من العبـــودية الغربية
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
موضوع شائك لا يبدو راهناً ، لكنني اراه أُم جميع المآسي العالمية وابوها ، فهذه الحرب القذرة التي تشن علينا منذ سبعة أعوام ، جاءت وبحسب الاستراتيجية الغربية بزعامة أمريكا ، لتكون خاتمة الحروب التي تتسنم فيه أمريكا قيادة العالم بدون منافس أو معترض ، وتترسخ فيها نظرية القطب الواحد إلى الأبد ، القائد والموجه الذي يملك دفة القيادة ، في جميع مجالات الحياة الاجتماعية ، السياسية ، والاقتصادية ، وتتأكد صحة نظرية " فوكوياما " التي تقوم على قناعة أن التشكيلة الرأسمالية هي نهاية التاريخ ، وأن علاقات الانتاج الرأسمالية هي التي ستقود الحياة الاقتصادية في العالم كله وإلى الأبد ، والتي ستشطر حينها العالم إلى شطرين ، شمال غني وجنوب فقير حد الاملاق ، شمال يكدس الثروة ويقول هل من مزيد ، وجنوب عليه تقديم أقصى جهوده ليزيد من ثروة الشماليين ، والذي يملك الثروة يملك عصا التحكم والقيادة ، والذي بيده عصا التحكم والقيادة له حق توجيه الحضارة الانسانية حيث يشاء ، والمهم أن يكون الجنوب دائماً طيعاً ومطواعاً ، لخدمة السيد الثري قائده ورب نعمته ، وهذه الحرب التي جاءت بعد حرب البلقان ، كان يراد منها بلقنة المنطقة ، وتقسيمها إلى دويلات أكثر مما هي مقسمة ، وبذلك تنهي أمريكا مشاغبات جميع الدول في المنطقة ، وتسلم زمام قيادتها " لإسرائيل " وتترك ممالك الخليج العتيقة لتقوم بأدوارها في خلق التناقضات والصراعات الدينية والمذهبية ، وتسعيرها عند اللزوم .
.
تهدف الحضارة الرأسمالية الغربية ، التي تقسيم دول العالم إلى فسطاطين ، بقيادة أمريكا التي كانت تعتقد أنها وبهذه الحرب ستضع اللمسات الأخيرة على الاستراتيجية الرأسمالية الغربية إلى الأبد كما بينا سابقاً ، والتي ينبهر بها الكثير من " المثقفين المتغربين " ، هذه الحضارة ذات بعد واحد ، لأنها عملت ، ولاتزال تعمل ، وستبقى تعمل ، على تكديس الثروة عند البعض من البشر ، على حساب البعض الآخر المستعبد ، الذي تُسخر طاقته وجهده لتحقيق خدمة ذاك البعض ، فالبعض الثري يزداد ثراءً والبعض الكثير الآخر يزداد فقراً ، وستبقى هذه المعادلة مختلة ما دامت الرأسمالية بمفهومها الغربي هي التشكيلة الاقتصادية التي تحكم العالم .
الغرب الرأسمالي لم يكدس ثروته ، من خلال ابداعاته الذاتية ، أومن خلال استغلال الأثرياء لجهود العمال في بلاده فقط ، بل من خلال استعماره الطويل لكل شعوب العالم ، وسرقة خيراتها المادية ، وطاقاتها البشرية المنتجة ، ومن خلال استثمار ، وتسخير ، وتوظيف ، جهود وطاقات كل شعوب العالم الثالث ، لخدمة ثراء هذا الغرب المتحكم والمسيطر ، ليس هذا فحسب بل استثمروا ولا يزالون يستثمرون بشكل جائر طاقات الطبيعة السطحية ، والأحفورية بأبشع الصور.
.
، لذلك ولأن التقدم الحضاري الغربي وحيد الاتجاه ، ولم يكن هدفه لا الأول ولا الأخير ، صحة الإنسان ، الجسدية ، والنفسية ، ورفاهه ، وسعادته ، وترسيخ قيم الانسانية ، وتوسعة بعدها الاجتماعي ، والمعرفي ، في المحبة ، والتوادد ، والتعاون ، والغيرية ، والانسانية ، والحفاظ على الطبيعة بكل غطائها النباتي وتنوعها ، الحيواني ، وطيورها وأزهارها وتلاوينها ، والتي فقدت الكثير من موجوداتها ، من الحيوانات ، والطيور ، ومن بساطها النباتي المذهل .
فان هذه الحضارة الشكلانية ، الكسيحة ، شجعت ورعت ونمت بدلاً من تلك المستحقات الانسانية ، الروح الفردية ، والأنانية ، والرغبات الاستهلاكية ، وتنميط الحياة ، وتفريغ الحياة من بعدها الاجتماعي ، التي باتت سمة الحياة الرأسمالية ، الرئيسية وخاصية من خاصياتها المترافقة معها ، في الغرب المنهك أيضاً ، وشطر العالم إلى عالم سيد وعالم تابع .
.
فالحضارة الغربية بالرغم من اعترافنا أنها دفعت الحياة الانسانية اشواطاً نحو التقدم العلمي ، والمعرفي ، والترفيهي ، لكنها بقيت في اتجاه واحد ، ولم يكن رائدها ، ولا نصب عينيها دائماً مصلحة البشرية ، بل كان القانون الذي يسيرها دائماً ، هو قانون المنفعة القائم على الربح ، ومن ثم الربح حتى آخر نفس .
إن التمادي الغربي في استثماراته الجائرة لكل مكنونات الطبيعة ، يشكل خطراً داهما ، ليس على صحة الانسان ، بل ستشكل خللاً بيئياً سيؤدي إلى إلحاق الأذى الوجودي بالطبيعية بكل مكوناتها ، كما سيشمل الأذى جميع التوازنات الاجتماعية العالمية ، فضلاً عن الخلل الكبير الذي سيتركه على الدخول ، وحجم التفاوتات بل والتباينات في حياة الانسان في الشمال وحياة الانسان في الجنوب ، إلى الحد الذي تلقى هنا من لا يشبع الطعام ، ولا يأويه سقف ، وبين من لا يعرف هناك مقدار ثروته ، هذا التباعد في الدخول تجاهلنا أم أنكرنا سيشكل قنبلة موقوتة شديدة الانفجار ، في وقت ليس ببعيد ، وسيكون لها الأثر المدمر على الواقع الدولي .
.
وهذه العقابيل يمكن أن نلحظها بشكلها الفاقع ، في وضع الدول الفقيرة التي استعمرها الغرب وسرق طاقاتها البشرية والمادية ، بشكل مباشر أو غير مباشر ، واثرى على حسابها ، وتركها تعاني أوضاعها البائسة .
والذي يعزز رأينا ايضاً امتناع ورفض الولايات المتحدة الأمريكية ، من التوقيع على معاهدة " كيوتو " العالمية الخاصة بالبيئة ، بحجة أنها تضر باقتصادها ، والتي كانت تهدف ، التقليل حد الامتناع من الاستثمارات الصناعية التي تلحق ضرراً بالغاً بالطبيعة ، وعلى الانبعاثات الحرارية ، والغازات التي ستؤثر مستقبلاً على حياة البشرية ، واستمرت أمريكا ومن ورائها الدول الأوروبية ، بتجاهل تلك المعاهدة ، من خلال استمرارهم في تحدي الإنسان والطبيعة ، مهما كانت منتجاتهم ضارة .
.
كما رفضت حضور مؤتمر " دوربان " عام / 20011 / لمكافحة العنصرية ، حتى لا يلزم الغرب بتعويض عشرات الملايين من العمال الأفارقة ، عما عانوه من العبودية ، والذين ماتوا في المناجم وهم يستخرجون الذهب والفضة ، لصالح المستعمر الأمريكي ، التي مكنته تلك الثروات الهائلة من استعمار العالم ولا يزال ، في الوقت التي لاتزال فيه " اسرائيل " تأخذ التعويضات من الغرب كله ، وبخاصة من ألمانيا بحجة المحرقة ، التي نفترض أنه راح فيها الآلاف ، فكيف بعشرات الملايين من العبيد الأفارقة ، الذين ماتوا في عنابر السفن عند شحنهم إلى القارة الأمريكية ، أو ماتوا كما قلنا في المناجم ، والذين كان من حق مالك العبد ، قتله ، أو بيعه ، أو التمتع بنسائه .
لذلك يمكن وبكل موضوعية القول وبدون مواربة : أن الغرب قد سرق الحضارة ، ـــ ولكنه لم يفعل كسارق النار ـــ ، معتقداً أنه يجيرها لمصلحة الشمال من خلال تكديس الثروة ، ضد الجنوب المُفقر بل والجائع .
وعلينا أن ندرك أن كل ما قدمه الغرب الرأسمالي لمجتمعات الشمال ، من تقنيات وصناعات وأدوات ترفيه ، لم تنعكس على انسانيته راحة بال وطمأنينة ، بل جعلته يلهث ليل نهار للحصول على قوته الذي يجدد طاقته للعمل في اليوم التالي ، لصالح صاحب العمل الذي حقق أرباحه من " فائض القيمة " بين قيمة السلعة المنتجة الحقيقية ، وبين مقدار الأجور التي يتقاضاها العامل المنتج .
.
بل أدت تلك الحضارة إلى جعل الحياة كئيبة ، وملولة ، وروتين قاتل ، ( يستيقظ الانساني الغربي في السادسة صباحاً ، يأكل لقمة جاهزة ، ثم يتوجه إلى عمله ، الذي يصله بعد السابعة ، ثم يبدأ العمل الروتيني المضني حتى الثانية ظهراً ، فرصة غداء سريع لمدة ساعة أو اقل ، عودة إلى العمل حتى الخامسة ، وصول إلى المنزل قبل السابعة أو بعدها ، عشاء خفيف ، عندها يكون عنده خيارين فقط : الذهاب مع صديقته إلى المرقص ، أو الاكتفاء بالفرجة على فلم اباحي ، ثم النوم ، وفي اليوم التالي يتكرر المشهد ) .
الطبيعي والمنطقي أن يسخر ما ينتجه العلم ، من اكتشافات ، واختراعات ، وصناعات ، وأفكار ، أن يكون هدفه رفاهية الانسان ، وراحته ، وتطوير اهتماماته وميوله ، والأهم بناء الخلية الأولى في المجتمع الأسرة ، التي ستكون اللبنة الأولى في مدماك الوحدات الاجتماعية ، المتكاتفة والمتعاونة ، لما فيه خير المجتمع باسره ، كما أننا ونحن في القرن الواحد والعشرين ، ومع التقدم الحضاري المذهل ــ ولكنه الكسيح ــ ، يجب أن تكون الحروب قد انتهت ، وأن تكون المجتمعات قادرة على حل جميع خلافاتها ، وفق القوانين الدولية ، التي تراعي مصالح جميع الشعوب ، وعلى قدم المساواة .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ولكن الذي نراه والذي يحدث أن قتل البشر بالملايين ، يزداد مع تقدم هذه الحضارة المشوهة ، ومرد ذلك ومبعثه شبق العالم الرأسمالي الغربي ، في اخضاع كل شعوب العالم ، ومنعها حتى من الاعتراض ، لتأبيد الفصل العنصري من خلال الثروة ، بين الشمال الذي لا يشبع من الثروة ، وبين الجنوب الذي يجب أن يبقى في مرتبة العبيد ولكن بلبوس زاه أحياناً ، وعلى هذا الجنوب بل ومن واجبه خدمة الشمال السيد المستبد .
.
…………..من هذه " البنوراما " الواسعة علينا أن نرى صورة الحرب القذرة التي تشن علينا ، والتي قتلت أبناءنا ، ودمرت ما أنتجه شعبنا عبر عقود ، ومن خلال فهمنا لغايات هذه الحرب وابعادها الوحشية والمتوحشة ، التي فرضت علينا .
بات من المفروض علينا وليس باختيارنا ، المواجهة ، والتحمل ، والتصدي ، كل تبعات هذه الحرب المجنونة ، التي سعى الغرب تركيعنا إلى الأبد من خلالها ، يجب أن نحولها إلى حرب تحرير أبدية ، من عبودية هذا الغرب الذي اغتال حضارة الإنسان .