بقلم الاستاذ محمد محسن
…هل ستحقق تركيا أية مكاسب على الأراضي السورية ………..
……………..ما هو مصير التجربة الاخوانية التركية ……………….
……………..المخــاطر التي تهـــدد النظــام التــركي…………………
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الاحساس بفرط القوة ، والزهو ، الذي يحس به أردوغان ، منذ أن تبنى فلسفة صديقه أحمد داوود أوغلو " الاستدارة نحو الشرق ، وسياسة الصفر مشاكل " ، التي زرعت في ذهنه حلماً راح يراوده في نومه ، وصحوه ، وبأنه بات قاب قوسين أو أدنى من أن يُنصب سلطاناً على المسلمين ، ـــ من طنجة حتى جاكرتا ـــ ويعيد ارث أجداده السلاطين ، وتهيئة واستعداداً للقادم المنتظر ، بنى قصراً على الطريقة العثمانية ، وألبس حراسه ألبسة الجيش العثماني ، وبعضها مستقى من الألبسة التي كان يلبسها الجيش الانكشاري ، ولقد أكد له صدق أحلامه عندما فتحت له سورية قلبها ، واستقبلته كجار وكصديق ، وفتحت له عن طريقها ، بوابات الدول العربية السياسية ، والاقتصادية .
ولكن وعند أول مفترق تنكر لحسن الجوار وللصداقة ، واستبد به كرهه وكره أجداده للعرب ، وحاول اغتيال الدولة السورية ، وذلك بطعنها بخنجره المسموم عند أول منعطف ، حيث كان أول من نادى " بالربيع العربي " ، وأقدم على بناء أول مخيم للاجئين السوريين المفترضين ـــ على الأراضي المسروقة منا ـــ قبل الحرب بأشهر .
وما زاد في هذه الحالة النفسية العدوانية التي تحكمت بكل مناحي تفكيره ، تبنيه لفكر ، وفقه ، التنظيم الدولي لحزب الاخوان المسلمين ، واضعاً تركيا كلها بذلك أمام تناقض مصيري ، فمن خلال انتمائه الديني بل والمذهبي المتعصب ، بات يتصارع في عقله اتجاهان :
.
ارث مصطفى كمال أتتورك العلماني الذي حكم تركيا لقرن تقريباً ، وفقه مرشد الإخوان المسلمين الهضيبي ، واسلوب حسن البنا العسكري الاجرامي في مواجهته لخصومه ، مما بدى على تصرفاته الكثير من الانتقالات السياسية ، التي كانت سماتها الرئيسية الارتجال ، والتسرع ، والاستخفاف بخصومه ، ولكن الصفة الأعم التي صبغت سلوكه هو سلوك الشدة مع من يعارضه ، وسهولة زج عشرات الآلاف في السجن بدون أن يرف له جفن ، بحجج واهية منها التآمر عليه ، أو اتهامه من يريد بأنه من أنصار " عبد الفتاح غولن " صديقه وحليفه بل وأستاذه الذي لقنه ألف باء الفكر الديني .
وخصيصة تصفية خصومه كان قد اكتسبها كاخواني من تجربة حزبه الدموي ، الذي كان ومنذ النشأة قد أسس فصيلاً عسكرياً ، لتصفية خصومه جسدياً ، والأمثلة على ذلك كثيرة محاولتي اغتيال عبد الناصر ، وعشرات الاغتيالات للشخصيات المرموقة في سورية ، في الثمانينات من القرن الماضي ، وعلى رأسهم أستاذي الدكتور المرحوم محمد الفاضل ، ولأسباب غير سياسية بل على اسس مذهبية بشكل عام .
.
هل نستطيع القول أن أردوغان قد حول تركيا إلى بلد مزدوج الهوية ، هوية اسلامية بنسخته الاخوانية ، تتجاور مع بقايا ارث علماني أتتوركي ؟
…….فما هي المنعكسات والعقابيل التي سيخلفها هذا التجاور؟ هل من الممكن التعايش بين تيارين ومفهومين متناقضين ؟، تيار يعتمد العقل في مواجهته لجميع الأمور الحياتية ، ويعتمد النظام اللبرالي في جميع مناحي الحياة الاقتصادية ، والسياسية ، والمتحالفة مع أوروبا الرأسمالية ، وتيار سلفي يعتمد النقل والقياس في فهم وتحليل أية واقعة راهنة ، وذلك بقياسها على ما قاله فقيه مذهبه منذ عشرة قرون ، ونقلها وتطبيقها بصيغتها العتيقة على الواقعة الراهنة ، والمراد أخذ الفتوى فيها وهل هي حلال أم حرام ، أو يعتمد على الرأي الفقهي ، الذي قال به المرشد العام لحزب الإخوان المسلمين في واقعة مشابهة قبل عقود ، وهذا الفهم العتيق يتناقض وما قدمه العلم والمعرفة التراكمية ، وما أنتجته الحضارة عبر القرون .
.
لا أعتقد أنه من الممكن ايجاد مساحة للتعايش بين الاعتقادين ، بل لابد وأن تتفاقم التناقضات بين القوى العلمانية والقوى الاسلامية التي تشد المجتمع إلى الخلف ، وهذا سينعكس وبالاً على جميع مناحي الحياة ، الاقتصادية ، والسياسية ، والثقافية ، في تركيا ، لذلك فمن المتوقع حد اليقين ، أن الشارع التركي مرشح للتفجير ، وبخاصة وأن الاستفتاء الأخير الذي كسب فيه أردوغان الرهان ، ونصب فيه سلطاناً ، أكد أن المجتمع التركي مقسوم على نفسه ، لأن نسبة نجاحه لا تزيد عن /1% / أي أن الشعب التركي منقسم مناصفة على ذاته .
فاذا ما أضفنا لهذا الواقع المضطرب ، تفاعل وتأثر بعض الوحدات الاجتماعية المغلقة ، بفكر الحركات الارهابية ، التي بعضها تم تشكيله ، وتدريبه داخل المجتمع التركي ، أوتمت مساعدته لوجستياً ، وتزويده بالسلاح ، وتأمين الدخول الآمن له للأراضي السورية ، هذا التجاور والتعاون مع الحركات الارهابية ، لابد وأن تكون قد تأثرت بسلوكه وبفكره بعض الفئات الاجتماعية الفقيرة ، مما قد يؤسس لبعض الخلايا النائمة ، التي ستستيقظ عند أول سانحة ، وهذا الاحتمال يؤكده التأثير الطويل والتفاعل المستمر مع مفاهيم وأساليب عمل الحركات الدينية الارهابية ، خلال سبع سنوات من الحرب التي تخوضها هذه السلفيات الجهادية ، على الأراضي السورية ، والتأييد المباشر العملي أو على الأقل الاعلامي ، والزهو بانتصاراتها في كل معركة وفي كل موقف .
.
ندرك أن ردة يمينية تصل حد الشوفينية المتعصبة تجتاح العالم ، وبخاصة في أوروبا ، ولقد عبرت عن ذلك الانتخابات الفرنسية ، وهذه الردة تم التعبير عنها بهزيمة جميع الأحزاب اليمينة منها واليسارية ، وهذه الردة الشاملة ستأخذ أشكالاً مختلفة ، وسيكون أحد تعبيراتها الرجعة إلى التعصب الديني بل والمذهبي ، وما السلفية الجهادية التي عمت العالم الاسلامي إلا واحدة من تعبيراتها السوداء الصارخة .
ولقد شجعت أوروبا وساهمت بهذه الردة في العالم الاسلامي ، تحت قناعة أوروبية أمريكية راسخة ، بضرورة ايصال الحركات الاسلامية إلى مقاليد الحكم في المنطقة ، لأنها وحدها المؤهلة لرعاية مصالحها ، ولقد تأثرت تركيا بهذا المناخ ، وجعلتها تفكر بإحياء السلطنة العثمانية ، فكان ما كان ، من حرب ارهابية قذرة ، تمت برعاية غربية ، وبتنفيذ تركي ، سعودي ، قطري .
لكن وبعد أن تأكد للشعب التركي بشكل خاص ، أن الارهاب الذي وظفوه ضد سورية ، قد ينقلب عليهم ، مما سيجعل غالبية الشعب التركي يتخوف من بقاء النظام الاسلامي بنسخته الاخوانية ، مسيطراً على مقاليد الحكم ، من هنا يمكن الجزم أن صراعات متعددة الأشكال ستندلع بين مكونات الشعب التركي ، وهذا سيهدد وحدتها الوطنية ، ولقد أجمع غالبية المحللين السياسيين على ذلك .
.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يبقى السؤال الأكثر أهمية بالنسبة لنا هو:
ما هو مصير الوجود التركي في سورية ؟ هل ستبقى قواتها في الشمال السوري ؟ المعلوم أن القوات التركية قد دخلت الأراضي السورية بحجة ردع الأكراد عن تحقيق مسعاهم في تحقيق كانتون كردي في شمال سورية ، والمعلوم أيضاً أن هذا الحلم العتيق الذي يراود أذهان بعض الانفصاليين ، لا حياة له ، وهناك استحالة في تحقيقه ، كما قلنا ديموغرافياً وجغرافياً ، لذلك فسيكون الوجود التركي بعد اعادة الأمور إلى نصابها مستحيلاً ، لأن من واجه مئات الآلاف من الارهابيين ، لن يصعب عليه طرد القوات التركية ، وسيتم هذا بالرغبة أو بالإلزام .
وليس غريباً أن تدفع التحولات الدراماتيكية الخطيرة المنتظرة في تركيا ، إلى تحويل تركيا كما كانت غابراً إلى ـــ نظام الرجل المريض ـــ وإلى خلق ظروف مواتية لإعادة الأراضي السليبة إلى وطنها الأم ـــ اللواء ، وكليكيا ـــ نعم هذا يراودنا كحلم ، ولكن قد يتحول الحلم إلى حقيقة ، بعكس حلم السلطان التركي أردوغان الذي خاب فأله وحلمه ، بإعادة السلطنة العثمانية ، حتى بدأ نجمه يأفل .