Haaretz
لا يختلف عاقلان بأنّ الرئيس الأمريكيّ، دونالد ترامب، بات رجل الفضائح، المشاكل الداخليّة تتفاقم، الحرب ضدّ الإعلام تستعّر، الاتهامات المُتبادلة ارتفعت وتيرتها، الإقالات والاستقالات مستمرّة، الفوضى عارمة في البيت الأبيض، صحيح، أنّ ترامب استُقبل استقبال ملك الملوك، أوْ حتى الإمبراطور في السعوديّة بحضور 17 زعيمًا عربيًّا وإسلاميًا، حيث دأبت السلطات السعودية الرسميّة على إضفاء صفة التاريخيّة على زيارته إلى الرياض، مُشدّدّةً على أنّ اختياره زيارة المملكة كأوّل بلدٍ يحمل في طيّاته الكثير من المدلولات التكتيكيّة والاستراتيجية.
صحيفة (هآرتس) العبريّة كتبت بعنوانٍ رئيسيٍّ وبالخط العريض يؤكّد على أنّ الهدف المفصليّ والمركزيّ لزيارة ترامب إلى "إسرائيل" هو ترميم العلاقات بين واشنطن و"تل أبيب"، والتي شهدت خلال حقبتي الرئيس السابق، باراك أوباما، خلافاتٍ حادّةٍ بين الحليفتين الاستراتيجيتين، ووصلت إلى الحضيض نتيجة الخلافات الشخصيّة بين أوباما وبين رئيس وزراء الاحتلال، بنيامين نتنياهو.
المُراسل للشؤون السياسيّة في الصحيفة، باراك رافيد، نقل هذه المعلومة ومعلومات أخرى عن محافل رفيعةٍ جدًا في البيت الأبيض، التي شدّدّت في سياق حديثها على أنّ العلاقات الثنائيّة بين البلدين تسير في الطريق الصحيح بأوامر مباشرةٍ من ترامب نفسه.
بكلماتٍ أخرى، يُمكن التساؤل بصوتٍ عالٍ: هل حصل ترامب على "جزية القرن" من السعوديّة ليتفاخر بها أمام الشعب الأمريكيّ؟ أمّا السؤال الأهّم فهو: هل يسعى الرئيس الأمريكيّ إلى تجنيد وتجييش "إسرائيل" واللوبيات الصهيونيّة واليهوديّة في الولايات المُتحدّة إلى الوقوف إلى جانبه في معاركة الداخليّة التي يقودها على عدّة جبهات؟
علاوة على ذلك، الجميع يُدرك أنّ "إسرائيل" تؤثّر كثيرًا على دوائر صنع القرار في واشنطن، ومن غير المُستبعد بتاتًا أنْ يُحاول ترامب استمالتها للدفاع عنه، ولكن بما أنّ ترامب هو رجل أعمال ويعشق إبرام الصفقات، فإنّ الصفقة مع "إسرائيل" لحماية نفسه من المؤسسة الحاكمة في واشنطن، والتي لا تُخفي رفضها له، ستكون على حساب علاقات واشنطن مع العالمين العربيّ والإسلاميّ، وتحديدًا الأحاديث عن رغبته العارمة في دفع ما يُسّمى بالعملية السلميّة بين "إسرائيل" والفلسطينيين.
يُمكن القول لا الجزم، إنّ الرئيس الأمريكيّ الذي حصل على "جزية القرن" من السعوديّة، سيضطر من أجل الحفاظ على موقعه في البيت الأبيض بدفع "جزيّةٍ" لـ"إسرائيل" وللوبيات اليهوديّة والصهيونيّة لمُساعدته في درء الخطر الذي يتهدّد كرسي الرئاسة، ولا نُجافي الحقيقة بتاتًا إذا قلنا إنّ ترامب اليوم بحاجةٍ لـ"إسرائيل"، أكثر ممّا هي بحاجةٍ إليه، وعليه لا يستغربنّ أحدٌ إذا قام ترامب بالانحياز كليًّا لـ"إسرائيل" وتأييد مواقفها السياسيّة فيما يتعلّق بحلّ القضيّة الفلسطينيّة، فبالنسبة له، مواصلة رئاسته أهّم بكثير من حلّ القضيّة الفلسطينيّة التي تنزف دمًا ودموعًا منذ حوالي مائة عام.
مع ذلك، نقلت (هآرتس) عن المصادر الأمريكيّة الرسميّة والرفيعة قولها إنّ الرئيس الأمريكيّ سيطلب خلال لقائه بنتنياهو وبرئيس السلطة الفلسطينيّة، محمود عبّاس، أنْ يقوما بخطوات بناء ثقة بين الطرفين، حتى يتمكّنا من خلق أجواءٍ مناسبةٍ لتجديد محادثات "السلام" بينهما، على حدّ تعبير المصادر في البيت الأبيض.
وبحسب الصحيفة العبريّة، فإنّ ترامب سيطلب من نتنياهو لجم الاستيطان، بكلماتٍ أخرى، لا يجري الحديث عن وقف الاستيطان في الضفّة الغربيّة المُحتلّة، ومُساعدة السلطة الفلسطينيّة اقتصاديًا، ومن عبّاس، أضافت المصادر، سيطلب ترامب أنْ تتوقّف السلطة الفلسطينيّة عن التحريض وأعمال العنف ضدّ "إسرائيل"، بالإضافة إلى مُطالبته عبّاس بوقف دفع مخصصات لعائلات الـ"مُخرّبين الفلسطينيين".
وشدّدّت المصادر الرفيعة في البيت الأبيض على أنّ ترامب كان واضحًا جدًا مع عبّاس خلال لقائهما مؤخرًا في واشنطن فيما يتعلّق بالطلبات الأمريكيّة من السلطة الفلسطينيّة، وسيكون أوضح خلال اللقاء معه يوم الثلاثاء في بيت لحم.
ولفتت الصحيفة العبريّة إلى أنّه اليوم الأحد سيعقد المجلس الوزاريّ الأمنيّ-السياسيّ المُصغّر (الكابينيت) جلسةً خاصّةً لنقاش زيارة ترامب، حيث سيتناول الوزراء الحلّ الذي سيقترحه الرئيس الأمريكيّ للقضيّة الفلسطينيّة وفيما يتعلّق بالعلاقات "الإسرائيليّة" مع دولٍ عربيّةٍ وإسلاميّةٍ، ونقلت الصحيفة عن مصادر مقربّة من نتنياهو قولها إنّ الكابينيت سيُناقش منح الفلسطينيين تسهيلاتٍ اقتصاديّةٍ في الضفّة الغربيّة وفي قطاع غزّة أيضًا.
وأشارت الصحيفة العبريّة، نقلاً عن مسؤولٍ كبيرٍ في البيت الأبيض قوله إنّ الإدارة الأمريكيّة ليست الآن بصدد تجديد محادثات "السلام" بين الطرفين، الفلسطينيّ و"الإسرائيليّ"، أوْ إطلاق مبادرة "سلامٍ" جديدةٍ، وأضاف المسؤول أنّه من السابق لأوانه الحديث عن قمّةٍ ثلاثيّةٍ بمشاركة ترامب وعبّاس ونتنياهو، مًوضحًا أننّا ما زلنا في البدايات، على حدّ تعبيره.
وشدّدّت الصحيفة على أنّ الخطاب الأهّم لترامب سيكون في القدس يوم بعد غدٍ الثلاثاء، وبحسب مسؤولين رفيعي المُستوى في البيت الأبيض فإنّ الخطاب سيتركّز على العلاقات الاستراتيجيّة الممتازة بين "تل أبيب" وواشنطن، ولكنّه لن يتطرّق إلى قضية نقل السفارة إلى القدس.
وأضاف المسؤول الأمريكيّ: ترامب سيُشدّد على دعم "إسرائيل" والتضامن معها والصداقة معها، أيْ اعترافًا صريحًا بكيفية ولادتها وكيف تمكّنت خلال فترةً قصيرةٍ من الوصول إلى الإنجازات الهائلة في جميع المجالات، على حدّ تعبيره، كما لفت المسؤول إلى أنّ ترامب لن يُملي على "إسرائيل" اقتراحات لحلّ القضيّة الفلسطينيّة.
ترجمة بيروت نيوز