Mondialisation.ca
نشر موقع "Mondialisation.ca" الالكتروني، مقالاً للكاتب "Adam Garie" في 7 أيار 2017، جاء فيه "هنالك اختلافات في النظر إلى مبادرة آستانة التي تثير الكثير من النقاشات. بعضها متزن وبعضها الآخر يؤكد بصورة قاطعة أن روسيا قد باعت مصالح شريكها السوري بالثمن البخس".
في ما يلي نستعرض الأسباب الرئيسية التي جعلت من مبادرة آستانة تحركاً جيوسياسياً كبيراً قامت به روسيا. وهذا التحرك سيساعد في صيانة استقرار سوريا وسيادتها وأمنها.
1- المبادرة تعزز الوقائع القائمة على الأرض
في الوقت الحالي، تتحرك سوريا في إطار وقف لإطلاق النار هو نتاج لمبادرة روسية تم إقرارها العام الماضي بالإجماع من قبل مجلس الأمن الدولي. ولم تجرؤ إدارة أوباما نفسها على استخدام الفيتو ضد هذا القرار الروسي.
وبناء على وقف إطلاق النار الذي اختيرت كلماته بتمعن شديد، تم التوقيع على اتفاق لوقف الأعمال العدائية، يلتزم كل من التحالف المضاد للإرهاب الذي تقوده سوريا من جهة، والتنظيمات المسلحة / الإرهابية، من جهة أخرى، بعدم القيام بعمليات عسكرية. التنظيمات الإرهابية الكبرى الناشطة في سوريا لا يشملها وقف إطلاق النار. هذا يعني أن تنظيمات مثل داعش والقاعدة (النصرة) وتنظيمات أخرى ما زالت مستهدفة من قبل التحالف الذي يضم روسيا وإيران. أما المذكرة التي صدرت بهذا الشأن فإنها، ببساطة، تحدد بعض المناطق التي ستصبح مسيجة، بالمعنيين المجازي والواقعي، بهدف تعزيز وقف إطلاق النار الحالي.
هذا الاتفاق سيسمح للأطراف المسؤولة، أي سوريا وروسيا وإيران، بمراقبة الوضع عن كثب، وبامتلاك الإمكانية الأكثر وضوحاً لمقاتلة وتدمير الجماعات الخطرة التي لا يشملها وقف إطلاق النار.
2- تركيا والولايات المتحدة أصبحتا خاسرتين سياسياً في سوريا
سبق لتركيا والولايات المتحدة أن عملتا بإصرار من أجل إقامة مناطق آمنة، كان من الممكن أن تصبح مناطق حظر جوي. فخلال الأشهر الأخيرة من فترة إدارة أوباما، سعت الولايات المتحدة إلى إقامة مناطق حظر جوي تحت إشرافها المباشر، وكان من الممكن لهذا المسعى أن يبقي الطائرات الروسية والسورية مسمرة على الأرض. وكان ذلك غير مقبول بتاتاً من قبل روسيا وسوريا، كما كان من شأن ذلك أن يدفع بالطائرات الروسية وبطائرات الناتو إلى تبادل إطلاق النار، الأمر الذي كان سيستتبع تطورات مرعبة.
الوضع الحالي يبدو مشابهاً، لكنه في الحقيقة مختلف تماماً. فقد حصلت تركيا والولايات المتحدة على ما تريدانه، ولكن على الورق.
أما في الواقع، فإن هذا الاتفاق يعني أن روسيا وإيران ومعهما تركيا ستكون هي من يسيطر على المناطق الآمنة. وبوصفها شريكاً "خارجياً" في مجموعة آستانة، فإن تركيا لن تحاول أن تحفر بشكل مكشوف حفرة بين أنقرة من جهة، وكل من موسكو وطهران من جهة ثانية. وإذا ما فعلت ذلك، فإنها ستكشف عن كونها شريكاً بلا مصداقية. أما تداعيات ذلك فهي إجبار تركيا على الخروج من إطار آستانة دون أن يؤدي ذلك إلى انهيار الاتفاق.
لقد تم وضع تركيا في حالة فقدت معها كل قدرة على المناورة.
قذفت روسيا بالكرة إلى ملعب إردوغان. فقد أصبح إردوغان مرتبطاً باتفاق سيتم تطبيقه من قبل بلدان كان دورها إيجابياً في سوريا. والاتفاق المذكور يشكل دعماً للحكومة وبالتالي للشعب السوري.
ولصياغة ذلك بكلام أكثر دلالة [لجهة تسخيره في خدمة سوريا]، يمكن القول إن روسيا وإيران قد انتزعتا المبادرة من يد تركيا والولايات المتحدة. فروسيا وإيران تسيطران الآن على مناطق التهدئة. وهذه المناطق هي، في الواقع، مناطق حظر طيران. هذا يعني أن تركيا لم يعد بمقدورها أن أن تتحرك من جانب واحد دون أن تخل باتفاق هي أحد الموقعين عليه.
هذا يعني أيضاً أن تركيا والولايات المتحدة قد أصبحتا أكثر تباعداً على مستوى التحالف في سوريا. فعلى تركيا أن تعمل الآن على احترام اتفاق تم الاتفاق عليه بمعزل عن الولايات المتحدة. لقد أصبحت تركيا، إذا جاز التعبير، في "نادي الأولاد الكبار". ولم تعد أكبر قوة عسكرية في الناتو جزءاً من الناتو!
لقد تفاقم الوضع بسبب التوترات بين تركيا والولايات المتحدة وبفعل رفض واشنطن التخلي عن القوات الكردية في قوات سوريا الديموقراطية ورفض تركيا وقف توجيه الضربات إلى القوات الكردية. والعبارة التي تخطر الآن في ذهني هي: اضطرابات في جنة الناتو.
بحركة سريعة، قامت روسيا وإيران ليس فقط بالمحافظة على الوضع القائم حالياُ في سوريا، بل أيضاً وفي الوقت نفسه بقص أجنحة تركيا وبعزل الولايات المتحدة بشكل أصبحت تشكل فيه كل محاولة للتدخل من قبلهما في الأوضاع السورية، تشكل تهديداً بإشعال حرب شاملة ضد سوريا وروسيا وإيران، وحتى ضد تركيا.
3- سوريا تؤيد المبادرة
لقد حمل المبعوث الدبلوماسي السوري إلى الأمم المتحدة، الدكتور بشار الجعفري، موافقة سوريا على هذه المبادرة. فسوريا لا تجازف طبعاً بدعم حراك يخالف مصالحها الخاصة لا على المدى القريب ولا على المدى البعيد.
كما أوضح فلادمير بوتين في مؤتمره الصحافي مع الرئيس التركي إردوغان أن أية منطقة آمنة لا يمكن أن تقام رغماً عن إرادة سوريا. وقد كان بوتين أميناً لكلامه، ولا يمكن لسوريا أن تتراجع عن موقفها.
سوريا تنتصر الآن في معركتها على الأرض ضد الإرهابيين. أما الهجوم غير المشروع الذي نفذه الأميركيون في 6 نيسان، فإنه لم يوقف تقدم الجيش العربي السوري على هذا المستوى. سوريا تدعم المبادرة للسبب نفسه كروسيا. وبهذا الدعم سيكون بإمكان سوريا أن تظهر للعالم أجمع مخادعات تركيا والجماعات المسلحة المشاركة في مباحثات آستانة، في حال عدم احترام الاتفاق من قبل هذه الأطراف.
وفي حال فشل مشروع مناطق التهدئة، فإن الموقف السوري سيكون مبرراً. وفي حال نجاحه، فإن سوريا ستتقدم خطوة نحو الوضع الطبيعي.
4- المسلحون / الإرهابيون غاضبون
لقد خرجت الفصائل المقاتلة المشاركة في مباحثات آستانة، خرجت غاضبة من الجلسة التي تم فيها توقيع الاتفاق بين مندوبي روسيا وإيران وتركيا.
فهذه الجماعات تعرف جيداً أن خديعتها قد انكشفت. وقد تبين أن كلامها عن السلام كان مجرد خدعة، وهذا أمر كان يشعر به الكثيرون، كما كانت سوريا تذكر به بشكل دائم.
فإذا لم يحظ اتفاق مناطق التهدئة التي ستقام قريباً باحترام تلك الجماعات، فإن العالم سيلاحظ عندها أن هدفها هو تحقيق مكاسب عسكرية وليس السلام. وبهذا، فإنها ستنكشف بوصفها قوى متمردة لا "قوى معارضة".
وفي النهاية ستكون سوريا محقة في موقفها، ومن المرجح أن ذلك سيحصل في وقت أقرب مما كان متصوراً.
وفي الوقت الحالي، بات من الممكن لكل من روسيا وإيران وسوريا أن تقول للولايات المتحدة وتركيا : "لقد سبق وقلنا ذلك لكم". ففي ظل وجود تحالف من الأمم والمنظمات المتنوعة المؤيدة للاتفاق، فإن الذين يعارضونه سيكونون معزولين، ولن تكون لديهم أية مرتكزات يستندون إليها. وهكذا، سيكون عليهم أن يوافقوا أو أن يلجأوا إلى حرب من جانب واحد.
وبالرغم من صعوبة توقع ما قد تقوم به إدارة ترامب، فإن الحرب من جانب واحد تبدو غير مرجحة في المرحلة الحالية.
5- دعم دولي حقيقي للاتفاق
لقد أبدى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس اهتماماً إيجابياً باتفاق آستانة وأعرب عن أمله بالتهدئة في المناطق الرئيسية من سوريا.
وفي حين تصرفت الولايات المتحدة بشكل انفرادي وغير شرعي عندما قصفت سوريا، فإن اتفاق آستانة قد حظي بقبول حسن من قبل الأمين العام للأمم المتحدة.
بيان رسمي صادر عن الأمم المتحدة :
"إن الأمين العام قد ارتاح للاتفاق الذي تم التوصل إليه اليوم في آستانة بكازخستان بين البلدان الضامنة، إيران وروسيا وتركيا، بغية تهدئة العنف في مناطق رئيسية في سوريا.
وإنه لمن الملح أن يؤدي هذا الاتفاق إلى تحسن حقيقي في حياة السوريين. وقد أعرب الأمين العام عن سروره بالالتزام بوقف استخدام الأسلحة وخصوصاً بوقف الغارات الجوية. وبالالتزام بإيصال المساعدة الإنسانية بصورة سريعة ومضمونة ودون عوائق. وبخلق ظروف تسمح بوصول المساعدات الطبية وبتأمين الاحتياجات الأساسية للمدنيين. كما أن التعهدات التي تم التوصل إليها لا ينبغي أن تمس حقوق السوريين في الاستفادة من حق اللجوء.
إن الأمم المتحدة ستستمر في دعم التهدئة في إطار قرارات مجلس الأمن حول سوريا. كما أنها دعمت بشكل بناء مفاوضات آستانة المتعلقة بالمعتقلين وعمليات نزع الألغام ذات الطابع الإنساني.
لقد أبدى الأمين العام ارتياحه للتأكيد في اجتماعات آستانة على أهمية التوصل إلى حل سياسي وعلى الدعم الكبير الذي عبرت عنه هذه الاجتماعات للمفاوضات الداخلية السورية التي تجري تحت إشراف الأمم المتحدة في جنيف في إطار القرار 2254 الصادر عن مجلس الأمن.
إن ستافان دا ميستورا، المبعوث الخاص للأمين العام هو في تشاور دائم مع جميع المعنيين من أجل الاتفاق على تاريخ دورة المفاوضات المقبلة بين الأطراف السورية في جنيف".
وفي حين تبدي كل من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا تهاوناً دائماً بالأمم المتحدة، فإنه من المهم لهذا الاتفاق الذي أيدته سوريا أن يكون منسجماً مع توجهات الأمم المتحدة.
فهذا يؤكد أيضاً الطريقة التي أصبحت فيها الولايات المتحدة والمسلحون معزولين في الوقت الحالي. فروسيا وإيران وسوريا وتركيا والأمم المتحدة أصبحت في جانب، بينما الولايات المتحدة والمسلحون المتشددون في الجانب الآخر.
وبالطبع، فإن مثل هذا الاتفاق ينطوي أيضاً على خطر فدرلة سوريا. لكن هذا الاحتمال مرفوض من قبل بلد يؤيد الاتفاق هو سوريا، وبلد موقع على الاتفاق هو إيران.
وفي حين يوجه البعض إلى روسيا تهمة تجاهل الفدرلة، فإن روسيا قد صرحت على الدوام بأن الموضوع هو مسألة سورية وأن القرار لسوريا في هذا المجال. وهذا يقودنا إلى القول بأن روسيا لن تؤيد الفدرلة المعاكسة لما تريده دمشق.
اتفاق التهدئة يغير الوقائع على الأرض بشكل ضئيل. لكنه يغير إلى حد بعيد المسار السياسي لصالح سوريا وروسيا وإيران. أما تركيا فقد وضعت في الزاوية، بينما لم يبق للولايات المتحدة زاوية تلتجئ إليها.
يبدو أن استراتيجية روسيا "للمدى الطويل" قد نجحت.
ترجمة : عقيل الشيخ حسين – العهد