بقلم الدكتور أديب عارف – أوكرانيا
لم تنتصر الجغرافيا السياسية على نظيرتها الطبيعية ,يوما, كما انتصرت عليها في الربيع العربي . ولم أر عوامل الطبيعة المدمرة تقف عاجزة أمام عوامل السياسة المدمرة كما وقفت أمام الربيع العربي المدمِّر . قد تكون رياح السموم من أكثر العوامل الطبيعية شهرةً في العالم العربي ,لما تحمله هذه الرياح من كوارث ودمار وخراب لأي مكان يستضيفها مكرهاً . ومن المعلوم أن رياح السموم تهبّ موسميّا على منطقتنا من الجنوب الشرقي إلى جنوب الجنوب الشرقي خلال فصلي الربيع و الصيف بشكل عنيف وبحرارة عالية تصل إلى 55 درجة مئوية لتحرق معها الأخضر و اليابس وتحمل الغبار و الرمال على شكل دوامات و دوائر رملية كثيفة بحيث تصبح الرؤية السليمة فيها مستحيلة ,بالإضافة إلى ردمها و غمرها للطرقات و المنشآت والبيوت و تدميرها لكل شيء يعترض طريقها .
لم تختلف رياح السموم الطبيعية عن رياح السموم المسماة ,ظلما وعدوانا, "بالربيع العربي" إلا في أن الأخيرة قد هبّت علينا من الغرب بدلاً من الجنوب , وبالتحديد من مؤخرة "العم سام" الذي لم يترك في بطنه القذر شيئاً من القاذورات المؤذية إلا وأرسله لنا مع رياح سموم ربيعه المصنّع خصيصا للعرب . وكما تثير دوامات رياح السموم الغبار فتصبح الرؤية صعبة جداً إن لم تكن مستحيلة , أثارت دوامات الغبار السياسي الناتجة عن رياح الربيع الناتوي رمال الحقد والكراهية للآخر ,فأعمت البصر و البصيرة وغمرت العقول والعيون بكثبان الجهل والطائفية والمذهبية بين أبناء الوطن الواحد ,لدرجة أن الأخ بات يقتل أخيه بفعل العمى الناتج عن ذلك الغبار الذي لا يكلّ ولا يملّ "العم سام " من إرساله و إثارة أسبابه .
وكما كان ينخدع أهل المنطقة التي تهب عليها رياح السموم ,عند رؤيتهم لها من بعيد, فيظنونها تحمل الغيث و الخير بعد قحط وجفاف ,بينما هي تحمل الكارثة و الدمار , انخدع العرب كعادتهم , برياح السموم الناتوية فهلل بعضهم و كبّر آخرون وخرجوا لاستقبال النيروز الناتوي الذي يحمل رياح التدمير بدلا من رياح التغيير والترح والثبور مكان الفرح و السرور ولم يلبثوا إلا ساعة واحدة, بعد شم النسيم الناتوي , حتى بدأوا بقتل بعضهم وأكل قلوب بعضهم كما لم يفعل ذلك أحد في التاريخ البشري . حرارة رياح السموم الطبيعية لم تكن شيئا أمام حرارة رياح السموم الناتوية التي تجاوزت حرق الحجر و الشحر و البشر إلى حرق العقول والبصيرة و البصر , وقد يكون أبشع جفاف أصابنا يوما هو جفاف الفكر و المعرفة بعد أن ردمت رياح السموم ينابيعها وغمرت الرمال مصادرها وحوّلت ما تبقى منها إلى مجرد مستنقعات فكرية عفنة لا تصلح للإستخدام البشري ولا حتى الحيواني .
حرارة رياح السموم الموسمية ورياحها الجافة التي تُحيل أي مكان ,بعد تجفيفه من سبل الحياة , إلى ملعباً للضواري و العقارب و الأفاعي , عجزت عن إخراج ما أخرجته رياح الربيع العربي السامة من أبشع أنواع الأفاعي و العقارب و الضواري البشرية التي تتفنن في قتل البشر وتستلذ في شق الصدور و أكل القلوب وقطع الرؤوس والإستهزاء بالجسد البشري و الروح البشرية و القيم الإنسانية .
لم تكل ولم تمل دوامات رياح السموم الناتوية من الدوران بالرؤوس و العيون و العقول حتى أفقدتها توازنها وسلبت صوابها ومن ثم لفظتها لتتقيأ أبشع ما يمكن أن يتصوره العقل البشري من طرق وأساليب في القتل و الذبح والإجرام والتدمير والإبادة لكل شيء تدب فيه الحياة في المنطقة المنكوبة بربيع التغيير ورياحه السمومية . يحكى أن الله قد استخدم رياح السموم لمعاقبة قوم عاد الذين كفروا به وخرجوا عن طاعته … فهل يستخدم الغرب اليوم " رياح السموم الناتوية" ليعاقب بها الدول و الأنظمة التي خرجت عن طاعته وكفرت به, ويجعلها عبرةً لدول قد تفكر بالكفر به أو بالخروج عن طاعته.؟؟؟؟؟؟؟ العم سام أعلم …