مشهد واحد يطيح بحكايات التهجير القسري واسطورة استيراد ايرانيين
—————————————————-
سلة المعارضة السورية الاعلامية مليئة بالهرطقات ومليئة بالأخبار الشاذة الغريبة عن العقل والمنطق .. يكاد كل عاقل أن يرفع حاجبيه تعجبا مما تبثه عن أساطير وسيناريوهات تجعل سورية مثل بلاد الف ليلة وليلة أو أساطير الاغريق المليئة بالوحوش الخرافية .. بالطبع الأكاذيب لاتحصى ولاتتوقف حتى أنني تمنيت مرة واحدة أن تثبت لنا المعارضة وقنواتها التي تبث الأساطير تمنيت أن تجعلني أكسر تلك القاعدة الذهبية في أن (كل ماتقوله المعارضة كاذب حتى يثبت العكس) .. من درعا الى تحرير حلب .. فالغريب أنني لم أتمكن من أن ألتقي بحكاية واحدة أو رواية واحدة لم تكن لها جذور كاذبة أو فروع كاذبة أو أنفاس كاذبة أو دماء فاسدة .. أو كانت كلها كاذبة وفاسدة .. كل شيء في هذه المعارضة كاذب .. منذ اليوم الأول .. لأن كل مانطقته ونقلته وتنفسته وتعرقته هذه المعارضة لم يكن الا كذبا ..
ولعل عملية المصالحات التي تجهد على انجازها الدولة تم استهدافها بحملة أكاذيب قصفتها بشائعات لاحصر لها لتعطيلها والتشكيك بها وبعضها يصل الى حد الجنون المطبق .. ومن هذه الشائعات هي ترويج فكرة أن الدولة تعمل على افراغ المناطق والأحياء التي تجري فيها مصالحات مع السكان المحليين .. وتسويق فكرة أن الدولة تجبرهم على الرحيل كشرط من شروط التسوية .. وقامت مصانع الكذب المعروفة في الحرب على سورية بتصنيع منتج كاذب جديد اطلقت عليه (حملة التهجير والمهجرون) .. وكلف بعض الكتاب الأشاوس نفسه لشرح سياسة تفريغ محيط العاصمة من السكان (السنة) لاقامة حزام أو طوق سكاني شيعي منعا لتكرار سيناريو الثورة في المستقبل .. وبلغ الخيال حدا مثيرا للشفقة في تصوير عملية استيراد شعب جديد من الشيعة الايرانيين والعراقيين للحلول محل السكان في ريف دمشق الذين أجبروا على ترك منازلهم بعد أن حوصروا لسنوات واضطروا الى المصالحة والمغادرة .. وهي محاولة لمساواة الجيش السوري بالاسرائيلي الذي يهجر الفلسطينيين ويقتلعهم ويأتي بمستوطنين يستوردهم من بقاع العالم .. وكانت دهشتي كبيرة عندما زرت عاصمة أوروبية منذ شهر ودعيت الى عشاء مع بعض العائلات السورية وقد سألني بعضهم بجدية مطلقة كوني قادما من دمشق ان بقي في دمشق الكثير من السنة لأن مايقال هو أن عمليات التهجير النشطة المتوالية أفرغتها تقريبا من أهلها .. وتنتشر في الشوارع الدمشقية المحال الايرانية والحسينيات بكثرة .. ولك ان تتخيل منتهى السخرية وأنت تسمع انتقادات من الأمم المتحدة لعملية المصالحات وتهجير السكان في تكرار ببغائي غبي لحكايات وروايات المعارضة دون أي دليل أو تحقيق في محاولة لتعطيلها ..
بالرغم من أن الدولة السورية وكل الجهات الرسمية بذلت كل جهدها للتأكيد على أن كل من يلقي سلاحه آمن .. هو عائلته .. وأن هدف الدولة ليس قتله أو الانتقام منه بل نقله الى حياة مدنية واعادته الى المواطنة الطبيعية اللامسلحة .. بل وأنا اعلم أن الدولة كانت قادرة على اقتحام كثير من المناطق التي يتمترس فيها المسلحون بين عائلاتهم .. ولكن القيادة السياسية أحجمت عن أي عملية لأن شدة النيران المطلوبة لتحقيق العملية بنجاح تفوق ماتسمح به وستتسبب في قتل مدنيين وعائلات كثيرة للمسلحين .. وكان العسكريون السوريون مستغربين في أن يقاتل مسلحون في بعض المناطق التي يكتظ فيها المدنيون من بينهم أهاليهم وعائلاتهم غير عابئين ولامبالين بأن أي ضربات نارية ضدهم قد تتسبب في موت عائلاتهم ..
ومن خلال التواصل مع بعض المسلحين تبين أن الاعلام المعارض يحقنهم بأكاذيب مخيفة من أن الدولة تتربص بهم وأن المصالحة فخ لنزع سلاح الثوار ومن ثم الثأر منهم لاحقا والتنكيل بهم .. رغم أن عملية المصالحات انطلقت منذ سنوات دون أن تظهر حالة واحدة ثأرت فيها الدولة أو نكثت عهدها مع اي مسلح ألقى سلاحه طوعا ..
في هذا المشهد المرفق البسيط والسريع والذي رآه كثيرون يستحق أن يعلق عليه أي من هؤلاء الأشاوس الذين تحدثوا عن التهجير القسري واحلال سكان ومستوطنين غرباء محلهم .. ان الشريط فعلا يستحق أن يعلق عليه .. فهذا هو التهجير القسري تماما كما يرويه المشهد .. جندي سوري في عرسال أمام مسلح من جبهة النصرة (العدو) .. والجندي يطلب من خصمه المهزوم البقاء وعدم الرحيل وعدم تعريض عائلته للشتات .. بل انه يشجعه على اتخاذ قرار البقاء مع عائلته .. ويطمئنه بأنه في أمان .. ويحاول أحيانا أن يجعل قرار الرحيل مخيفا بأنه لاعودة بعده الى سورية .. فهل يمكن لأحد بعد اليوم أن يقول ان هناك رغبة بتهجير أحد أو تعليمات للجنود بوضع عقبات أمام بقاء المسلحين الذين القوا سلاحا ..؟؟ لأن الجنود لايستطيعون تغيير الأوامر .. ومن الواضح أن الأوامر هي المصالحة والحفاظ على الناس وحياتهم ,اموالهم وأعراضهم ..
هذا المشهد الجميل بين منتصر يعرض قلبه على خصمه المهزوم دمر مخزنا كاملا من مخازن الكذب الكبيرة وذوب حملة (التهجير والمهجرين) .. ولاشك أن مضنع مصطلح وأخبار التهجير والتشييع سيجد ان بضاعته تتراكم في مستودعاته ولن تجد من يشتريها بقرش واحد .. بل حتى لن يأخذ عينة منها بالمجان .. لأن حمل الكذب عبء ثقيل على الناس .. وهو سلاح المهزومين .. اكذب اكثر وستهزم اكثر ..