
حوارية الورقة والقلم…(حلقة1)
الورقة للقلم :" بتوسل أشبه بتوسل الضعيف للقوي"، أرجوك أتوسل إليك أستحلفك بأعز شيء لديك لا تلمسني.
القلم: باستغراب شديد ولِمَ؟
الورقة :أريد أن أبقى بيضاء رمزاً للطهارة والنقاء.
القلم :إلى متى.؟
الورقة :إلى ما شاء الله.
القلم: ولكنك في هذه الحالة لن تخلدي في الدنيا وسيصيبك الاصفرار.
الورقة :أصاب بالاصفرار لا يهم ، لأنه سيكون ضرراً فردياً يصيبني أنا فقط ، وهو خير من أن أكون ملاذاً لضرر كائنات غيري، سواء كانت فردية أم جماعية.
القلم : لِمَ هذا التخوّف وما مبرره.؟
الورقة: أخاف أن تكتب داخلي تقريراً كيدياً ناتجاً عن طمع أو حسد من أفراد أو جماعات
القلم : ما تقولينه إما أن يكون تشاؤماً أو تخويناً لا أقبله اطلاقاً
الورقة : ولِمَ الانزعاج ..؟ إنّها الحقيقة بعينها ولا يمكن إخفاؤها
القلم : بنزقٍ مفرط الحساسية عن أيّة حقيقة تتكلمين أيتها الـ …؟!
الورقة : حقيقة مصيري المحتوم بالسير نحو الهاوية تجاه الفرّامة أو الحرق.
القلم : لا تجعلي التشاؤم يحتلك، دعي الفرح ديدنك.
الورقة: وأي فرح ستحمله إليّ لتزرعه بين سطوري،
قل لي كيف تخفف من حدة تشاؤمي؟ّ!
القلم : بلطفٍ ولين سأكتب في مجال الأدب،
نافذة للروح ومصدر الجمال وملهم النفس الهدوء والفرح والسكينة
الورقة : "مقاطعة بحدة" وما نوعه بالتحديد.؟
القلم : سأدوّن بين سطورك وهوامشك قصائد حداثوية سأنثرها نثراً عشوائياً.
الورقة : "محاولة الهروب" أرجوك أتوسل إليك أناشدك بـ" الخليل بن أحمد الفراهيدي"، ومحيطاته وبحوره ، وأنهاره، ومستنقعاته، وجداوله كلها لا تفعلها.
القلم : ولِم َ؟
ومَنْ هذا الفراهيدي؟
وما عمله؟
وما دخله بمنظومتي الإبداعية.؟
الورقة : أرجوك لاتكمل لأني سأصاب بالغثيان.
القلم : أنا أعمل لدى مبدع بارع يجوب العالم كله ، ويعود من حيث أتى قبل أن يرتد الطرف للعين لأن ما أكتبه عالمي وينمُّ عن لُحمة كونيّة
متفردة ورائعة، الفضل فيه أولاً لله، وثانياً للـ" النت"
الورقة : باستغراب لم أعِ ما تقول … أفصح.؟
القلم : إنّه سِرّ
الورقة : بُحْ به ولا تخف وتأكد إن سرّك في بئر عميق لا قرار له
القلم : كل ما أقوم به أنني آخذ كلمة لشاعر أفريقي مغمور أو مشهور، وأخرى لآسيوي وأوربي وأمريكي
جنوبي أو شمالي ، أو استرالي ثم أرسلها للمطبعة ، ألا أُجسد بعملي هذا تلاحماً كونياً رائعاً وجميلاً في زمن الإنهيارات والتفكك.؟
الورقة : "تُحَدْثْ نفسها بصوت مسموع":
هذا سرّ سبب غياب الجرس الموسيقي عن الكلمة في القصيدة لأنها باتت تعاني اغتراباً زمنياً ومكانياً ، ولهذا لم يدق في الكثير منها، ولو سألت أحدهم لا نتفض كالطاووس قائلاً:
إنها حداثة ما بعد حداثة الحداثة فيها الترميز والإسقاط والبيان والتبيين، وقد لا يفهمها حتى من دَوّنها له، لتصبح ملكه لا شريك له فيها
القلم : "صارخاً بوجه الورقة بحدة":
ماذا تقولين.؟
الورقة :بشيء من السخرية لا، إنه هذيان لحمي احتلتني فجأة… لا عليك.
القلم :حقا أيها الـ" نت"،
إنك صديق صدوق ،لا تخذل من يطلب منك أي شيء، لا تكل ولا تمل ،وتناوب على مدار الساعة ، دون أن تطلب بدل ساعات إضافية أو حوافز.
الورقة :طبعا لا يخذل ، لأنه صديق ،لا يتكلم ولا يبوح بسره لأحد، فهو بقرة حلوب تدر مالا في الجيوب،
وبـ 4حركات فقط "قص نسخ لصق حذف" تتم عملية اللطش بامتياز ما بعده امتياز، وتنتقل بعدها الملكية الإبداعية له مباشرة دونما تأخير أو إبطاء.
القلم: " للورقة" مابكِ متحاملة عليَّ هكذا.؟
الورقة :كيف لا أتحامل، وأنت تساعد لصوص الأدب، أنصاف الكَتَبَة والمتأدبين " شويعر وشعرور وقصيقص وقصقوص وبويحث"، تراه منهمكا يبحث كدجاجة في خفايا الـ"نت"
حتى يأخذ أحدهم الحال ليخال نفسه أديباً، لا يشق له غبار ولا ضباب إن لم يكشف سطوه أحد.
القلم: يبدو أنك أنانية، وتخفين حقداً دفيناً في صدر سطورك وهوامشك..
الورقة : لا لست كذلك، " لم تكمل كلامها حتى سقطت على الأرض ، ونقلت إلى أقرب مشفى مختص بتمكين اللغة العربية ، لتتعالج بحالة اسعافية لا تقبل التأجيل والتأخير، من وباء خطير وفتّاك اُطلق عليه اسم انفلونزا "القرصنة الأدبية"، استشرى هذا الوباء بكثرة في هذه الأيام، ولم يتوقف عند حدود الأدب، بل تعداه ليشمل كل أنواع الإبداع الفكري والعلمي
سامحك الله أيها الـ"نت"
الجميل لأنك لا تعلم بالنوايا، وما تُخفي الصدور لذا ضاق صدري وسألجأ بسرعة لزيارة القبور.
*خلف عامر