عــــلاقــتنا مـــع روســــيا الاتحــــادية وعــــلاقة روســيا مــع اســرائيل……….
……مصــلحة روســيا معنــا الآن أعـلى ممـا كــانت عليـه زمـن السوفيــيت……….
……انتقــادنا للحــليف الــروسي يتطــلب الكــثير مـن الاحسـاس بالمســؤولية……….
المحامي محمد محسن
لا يجوز أن نستخف بمشاعر السوريين الذين أبدو غضبهم ، من الموقف الروسي من العدوان الاسرائيلي على وطنهم ، فالشعب الذي تحمل الويلات عبر سنوات طويلة مريرة يحق له أن يصرخ ويتساءل ويقول : اين أصدقاءنا الروس من استباحة اسرائيل لسمائنا وأرضنا ؟؟، حتى أنني أضم صوتي إلى أصوات أولئك الوطنيين الغيورين المتسائلين الممتعضين ، ولكن ونحن نبرر لأولئك الوطنيين المخلصين البسطاء ، علينا التفريق بين تلك الصيحات المخلصة والغيورة ، وبين أصوات الطابور الخامس والعملاء المغرضين ، وان نتنبه إلى الكمائن التي ينصبونها ، هؤلاء الذين كان همهم ولا يزال الصيد في الماء العكر ، والتشكيك بمواقف الحليف والصديق الروسي ، ومحاولة توظيف حالة الامتعاض تلك وأخذها كدريئة يصطادون من خلالها ، مواقفاً للتشفي والتحريض على حليفنا الاستراتيجي ، وصولاً إلى قناعتهم أن روسيا ليست إلا دولة مستعمرة ، أما أمريكا صديقة اسرائيل فهي الصديقة المنقذة ، من هنا كان علينا دائماً عدم اعطاء العملاء أي سلاح لطعن وحدتنا الوطنية ، والتسلل إلى الفرجة التي يعملون على توسيعها بيننا وبين حلفائنا الخلص .
.
ونحن ندرس صيغة التحالف مع روسيا الاتحادية ، علينا أن نضع في اعتبارنا الأول : [ أن روسيا دولة كبيرة ، وأن لها حق ( الفيتو ) في مجلس الأمن ، وهي الآن تسعى بكل جدية أن تقود قطباً مشرقياً إلى جانب الصين ، للوقوف أمام التوحش الأمريكي ، وأن هذه الأمنية تكاد أن تتحقق أو تحققت على الأرض السورية ، وأن هذه الدولة تتمتع بإرث تاريخي عظيم ، وأنها لم تستعمرنا ولم تستعمر اي دولة أخرى ، بل عملت دائماً على مساعدة جميع دول العالم الثالث ، وعلينا أن لا ننسى قول القيصرة الروسية ( كاترين الثانية ) أن دمشق بوابة الساحة الحمراء ، وأن علاقاتنا الصداقية مع هذا الشعب العظيم تذهب عميقاً في التاريخ ، ومن الأهمية بمكان أن ندرك أن هذا الشعب الذي عاش قيم الاشتراكية لأكثر من / 70 / عاماً ، القيم التي تقوم على المساواة بين الشعوب ، لابد وأن يكون هذا الشعب العظيم قد ورث الكثير من تلك القيم الانسانية النبيلة ، بل باتت جزءاً أساسياً من قيمه ، كل هذه الاعتبارات تجعلنا أو يجب أن تجعلنا نستبعد أي شك بنوايا روسيا الاتحادية تجاهنا ، بل علينا أن ندحض اي محاولة مغرضة بهذا الاتجاه .
.
لكن ونحن نثبت كل هذه الوقائع ، التي حددنا فيها حجم هذه الدولة وموقعها في السياسة العالمية ، علينا أن نضع في اعتبارنا أنه من المستحيل ، تطابق مواقف ومصالح اي دولتين حليفتين مع بعضهما مهما كان التحالف جذرياً ، فكيف وروسيا الدولة العظمى ، ، كل هذا يتطلب منها ، مرونة هنا ، وتشدداً هناك ، وبالتالي لا يجوز لأي عاقل أن يعتقد ان التحالف بيننا وبين روسيا ، يلزم روسيا بتبني جميع مواقفنا ووجهات نظرنا مع جميع الدول في العالم ، وأن تتطابق مواقفها وسياساتها من جميع الدول مع سياستنا ومواقفنا ، فروسيا دولة كبيرة ومترامية الأطراف ، لذلك سيكون لها حساباتها الدقيقة عند اتخاذها اي موقف ، لأنها ستضع في حسابها مدى انعكاسه على مجمل سياساتها الداخلية والخارجية .
.
أما علاقة روسيا بإسرائيل وهي موضوع دراستنا ، فالبعض المغرض يذهب لتعزيز موقفه المعادي لروسيا ، بأن يمسك باعتراف روسيا كأول دولة بدولة اسرائيل كقميص عثمان ، وهذا صحيح لاعتبارات ليس هنا موردها ، ويضيف بأن المهاجرين الروس باتوا يشكلون أكثرية في اسرائيل ، وأن اليهود في روسيا يشكلون لوبي مالي وسياسي ضاغط على السياسة الروسية ، وصولاً إلى القول بأن بوتن يرتبط بعلاقة صداقة ( بنتنياهو ) ، وغير ذلك من الافتراضات , قد يكون لبعضها بعض التأثير ولا نستطيع النفي ولكن :
تعالوا لنقارن مصالح روسيا الاتحادية بسورية ومصالحها مع الكيان الاسرائيلي ، من هنا يمكن أن نتبين حجم العلاقة الروسية القائمة بين كلا الدولتين سورية والكيان .
.
موقـــع روسيـــا من الكيــان الاسرائيـــلي :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لا أعتقد أن أحداً يجادل في ان اسرائيل يمكن أن تعتبر محمية أمريكية من جهة ، وزراعها الطويلة في المنطقة من جهة ثانية ، وأن جميع حروبها في المنطقة منذ تأسيسها ، كانت بدعم مالي وعسكري من الدول الغربية ، حتى استقر بها المقام وأصبحت عضواً اساسياً في الحلف الغربي الرأسمالي الاستعماري ، حتى أن الكثيرين من الاستراتيجيين الدوليين يذهبون بعيداً إلى اعتبارها ولاية أمريكية ، ولا أعتقد أن هذه القناعة قابلة للدحض ، إذن هي أقرب للقطب الأمريكي بأشواط من القطب الروسي ، حتى لو أخذنا بصحة كل ما زعم من موقعها من روسية .
.
أهمية القطر العربي السوري بالنسبة لروسيا الاتحادية :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لنفترض جدلاً ( وهذا لم يحدث ولن يحدث ) لو تمكن معسكر العدوان وعلى رأسه أمريكا واسرائيل وممالك الخليج العميلة ، من كسر الارادة السورية وتمزيق شعبها وجغرافيتها ، فماذا كان سيؤدي هذا الواقع المفترض ؟؟؟ :
اغلاق البحر الأبيض المتوسط شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً أمام السفن الروسية ، بشكل يمتنع فيه على السفن الروسية من التزود حتى بالوقود من جميع الدول المشرفة على البحر الأبيض المتوسط ، وعلينا أن نثق أن الانتصار على سورية المفترض ، كان سيؤدي حتماً وبالضرورة إلى تثبيت احتلال أمريكا للعراق الشقيق ، وسيؤدي أيضاً إلى وصول يد اسرائيل التي كانت طويلة ( والتي قطعت من الكوع ) إلى البصرة ، وإلى أربيل ، وإلى الخليج العربي ، وإلى حصار ايران التي تعتبر العدو الأول لإسرائيل ، فإسرائيل ستكون حيث تكون أمريكا .
.
أي أن سقوط سورية ـــ ولن تسقط ـــ يعني اغتيال الحلم الروسي بتشكيل القطب المشرقي ، وهذا يعادل انتكاسة تاريخية ليس لروسيا والصين وحدهما ، بل لكل شعوب العالم الثالث ، لأنها تفسح في المجال للقطب الأمريكي باستكمال هجمته الوحشية وتمزيق شعوب المنطقة ، وقتل من تشاء من شعوبها ، كضبع جائع ، وهذا يقودنا إلى التأكيد ثانية وثالثة أن الوجود الروسي العسكري في سورية ، يقاتل عن مستقبل روسيا وحلمها المستقبلي ، ـــ أما ايران فلم تكن لتحاصر بل لتعصر ، والأهم اطلاق يد اسرائيل من الخليج إلى الخليج ، ويتحول ملوك الخليج خدماً لإسرائيل ، ولكن هذه المرة بدون قصور ملكية وبدون حياة ماجنة ـــ .
.
علاقة روسيا معنا الآن أهم من المرحلة السوفييتية :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كانت روسيا السوفييتية لا تشكل قطباً ناجزاً فقط بل تشكل قطباً مهدداً ، فلها نصف أوروبا حتى نصف ألمانيا ، ولا يجوز أن ننسى الصواريخ السوفييتية في كوبا ، والاتفاقية التاريخية مع كندي ، أما بشأن البحر الأبيض المتوسط ، فكان لسفنها الحق في أن تستريح في مرافئ سورية ، ومصر ، وليبيا ، والجزائر ، وكان السوفييت يشعلون الثورات في عقر دار أمريكا ، وفي حدائقها الخلفية في أمريكا اللاتينية وأهمها كوبا أما في آسيا ، فكانت الهند ، والصين ، وإندونيسيا ، دول صديقة ، وأشعلت في الباقي ثورات ضد أمريكا : في كوريا ، والفيتنام وكمبوديا ، وغيرها ، كما كانت الأحزاب الشيوعية والنقابات اليسارية تجسم على صدر الدول الأوروبية الرأسمالية وتهددها .
لكن كل وحوش الرأسمالية الغربية ، وكل المال النفطي الأسود ، وحتى الفاتيكان ، وجميع الطوابير الخامسة في دول المعسكر السوفييتي ، والعملاء ، كلها ساهمت في اغتيال تلك التجربة الانسانية ، التي لابد وأن تبحث الانسانية عن ما يقارب تلك التجربة ، عندما يستقر العالم وينتصر الشعور الانساني ، ولكن هذا لن يأت بدون هزيمة الطاغوت ( القطب ) الأمريكي المتوحش ، هذا حلم المستقبل ولابد من تحقيقه لأن موت الأرض هي البديل .
.
……..وإن نسينا فلا يجوز أن ننسى [ حذاء خروتشوف عندما لوح به مهدداً أمريكا على منبر الأمم المتحدة ] ، [ اذن لم تكن روسيا السوفييتية بحاجة لسورية ، كما هي حاجة روسيا الاتحادية لسورية الآن ]
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
.
لـــذلك ولـــما تقــــدم أجــــزم بالتــــالي :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لا يجوز أن نسمح لأحد كائناً من كان أن يشكك بصديق وحليف دفع دماً ومالاً في سبيل نصرة سورية .
كما لا يجوز التدخل في سياسة دولة كبيرة كروسيا ، تقود قطباً عالمياً جديداً ، وننصب أنفسنا استراتيجيين سياسيين معلمين لها .
يمكن أن تقع السياسات الروسية في أخطاء متفاوتة بحسب تقييمنا ، ويمكن أن تتعارض مصالحنا معها في قضية تفصيلية هنا أو هناك ، ولكن وكما جاء في المقال روسيا حريصة على وحدة الأراضي السورية كحرصنا ، وهي صادقة ومصلحتها في تحرير سورية يتناسب وحجمها السياسي والاقتصادي .
أكدت في مقال سابق ، بل [ أجزم أن اسرائيل ( ستترجى ) روسيا للتوسط مع سورية لحل قضية احتلالها للجولان ، ولن يكون هذا الزمن ببعيد ] ، لأن أمريكا فقدت أو تكاد جميع أسهمها في المنطقة .