صديقة صديق علي
ما أن مضت بضعة أشهر على نبضك في رحمي، حتى بدأ حديثي العلني معك، و الذي لم ينقطع أبداً . كانت ركلاتُك الأولى تقول لي: أنا هنا.
فيضحك قلبي لك وأقول :إهدأ يابني أشعر بك لا تقلق.
وأتلمس بطني المنتفخ وأسألك: هل يدي على رأسك أم على رجليك؟ فتيجيبني استكانتك… فاسرد لك حبي أطمئنك عن الحياة التي أعددتها لك، من محبة، وموسيقى، وألعاب، وكتب لتربية الطفل، والإعتناء بحديثي الولادة…
_ لا تقلق لن أدع أباك يصرخ في وجهك، سألتزم بالصمت.. فأنت تعرف لم يمض شهران على زواجنا حتى اكتشفت طبعه الحاد الغاضب من أبسط الأشياء. سأحاول أن أجعل البيت فرحاً كرمى لما منحتني أياه من أمومة سأترك وظيفتي كي أفرغ لك كل وقتي فحياتي ستكتمل بك لكني سأنجب لك أخاً يكون سنداً لك طوال العمر واختاً تحنو عليك من بعدي.
كان ختام حديثي معك استهزاء أبيك بي :أنت مجنونه .
_لست مجنونه فهو يسمعني… ما أدراك انت بحديث الأم وجنينها.
وتمضي السنون و تلون حياتي بفرح يجعلني أطير فوق الغيم ممتنه لله انك فيها … ويستمر حديثي معك وهو يستهجنه:
انه طفل لا يفقه ما تقولينه ما أنت إلا مجنونه
أجيبه ضاحكة :انظر في عينيه ستدرك أنه يفهمني، ويقول أنني لست مجنونة.
هاهي صورك مع أختك واخيك الذين حرموا من حديثي معهم فأنت شغلتني عنهم وشربت كل أحاديثي…. وهاهي صورتك مع رفاقك تسبحون في البحر أتذكر ماذا قلت لي يومها ؟ دعيني أذهب للسباحة دون أن تخبري والدي فاجبتك:
أخاف يابني أن يصيبك مكروه لن أنجو عندها من توبيخ والدك، لاسيما أنه دائم الإنتقاد لتربيتي لك، واتهامي بإفسادك.
تضحك وأنت تقبل رأسي:
_لا عليك… فعندها لن تكترثي لما سيفعله…
كنت بسن الشباب وبدأت التمرد على أبيك وتعتمدني صديقة لك أسرّ لك وتسرّلي وبأي اصطدام أقف بينك وبينه درعاًلامتصاص غضبه.
هاهو أبوك يقطع حديثي معك باستنكاره لما أقوم به مع صورك التي ملأت جدران البيت و شراييني
_ارحمينا من جنونك
هنا تنفجر أنهار الغضب بي التي ظلت محبوسة إلى ان فاضت وزاد ضغطها على أعصابي :
لست مجنونة أنت لا تراه لأنك لم تكن يوما سوى شرطي أصم في حياته أنت من دفعته إلى مصيره
قال لك لن أفلح بالهندسة فأنا أريد ان أدرس المسرح تقول له أنت فاشل في الجامعة.. التحق بالجيش لأنك لن تكون مهندسا يوما يقول لك دعني أغيّر اختصاصي وسترى نجاحي تقول له لا تضيع عمرك بالأوهام انهِ خدمتك الإلزامية وعد لنرى ما سنفعله… وما أن أندلعت الحرب حتى أخذت تتباهى به أمام من هرّبوا أولادهم من مسؤوليات الدفاع عن البلد… وتؤكد أنه ترك جامعته كي ينقذ وطنه، ونسيت أنك لم تسمعه يوما ولم تحدثه بقلب أب.
يجيب والدك والحزن يكسر قليلاً من صوته :
على رسلك يا إمرأة ما أردته إلا رجلاً قوياً… أحتسبه الآن في الجنة مع الشهداء.
_لا أريد جنة لابني لست معه فيها.
_استغفر الله… انت مجنونة
_لست مجنونة… لست مجنونة دعه معي.. أسمعه ويسمعني.