·
المستقبل يبتدأ من الآن.. قد تكون هي فرصة الربع ساعة الأخيرة التي يمكن أن نرسم للأجيال القادمة ملامح وطن جميل لطالما حلمنا به..
إعادة الإعمار هو السبب والنتيجة. ونقطة الفصل والتحول في سوريا الغد ورسم ملامحها في خارطة دولية جديدة.
يَنظر وينتظر وينظّر الكثير من الناس حول هذا الموضوع الهام والإشكالي. أعتقد أنّ معالجة هذه القضية يجب أن تكون مبنية على قراءة الماضي وتستشرف مستقبل قادم، بعيداً عن أي حلول اعتباطية (ترقيع) لو كانت إسعافية.
سوريا تعاني أصلاً من سوء توزع ديموغرافي أنتج مدينتين كبيرتين استوعبت نصف سكان القطر (حلب ودمشق) ومُدن صغيرة هامشية مع ريف لم يجد بُداً من الهجرة نحو المدن الكبرى أو البقاء في ظروف غير تنافسية لصالح المدن. مما أدى لشروخ أفقية وعمودية في هيكلية المجتمع السوري والتي كانت بيئة ملائمة للأزمة الوطنية التي نعيشها. لذلك أي طرح في إعادة الإعمار يجب أن يحل هذه المشكلة الموجودة أصلاً والتي نختصرها بـ (ضعف البنى التحتية والخدمات وتهالك الموجود منها، العشوائيات المزمنة، غياب التخطيط وتعويم خطط التنمية الاقتصادية لبلد زراعي أصلاً، صراع المدينة والريف وتفضيل الأولى في أي عملية تطوير).
إعادة الإعمار بالنهاية مشروع اقتصادي يُقاس بالربح والخسارة والمخاطر. لنجاحه يجب وجود دراسات الجدوى والبيئة التشريعية والسياسية والتنظيمية. لن تقوم أي جهة أو طرف بوضع دولار واحد إن لم يكن له عائد استثماري مجزي. فلا يوجد شيء بالمجان!
أعتقد أنّه يجب على الدولة بتهيئة الأرضية اللازمة لإعادة الإعمار للبدء فور انتهاء العمل العسكري وبالتوازي مع الحل السياسي كي لا نعيد خلق ظروف ملائمة لأزمة قادمة! يجب أن يتم التركيز على الأولويات التالية:
1- رسم خارطة طريق اقتصادية اجتماعية سكانية لسوريا لعشرين سنة قادمة، تراعي فيها المتغيرات الذاتية والموضوعية.
2- وضع مخطط تنظيمي شامل واستراتيجي للقطر باستخدام تقنيات GIS وغيرها والتي نمتلك كفاءات وخبرة كافية لتنفيذه.
3- التوجه نحو لا مركزية المدن والخدمات وخصوصاً العاصمة. فطريق دمشق حلب مؤهل لبناء الكثير من المدن الجديدة التي يمكن أن ترتكز على خلق وتوطين أنماط إنتاجية متعددة على غرار الصين، حيث أنشأت الدولة مُدن صناعية/زراعية/تجارية/وادي سيلكون خلال العقود الأربعة الماضية، وأضحت اليوم مُدن عالمية.
4- الاهتمام بالريف، لأنّه الخزان البشري والغذائي والاقتصادي للدولة.
5- بناء شبكة مواصلات حديثة والتي هي شريان أي تنمية اقتصادية وسكانية.
6- التركيز على ميزة سوريا النسبية في الجذب السياحي التاريخي، فإعادة إعمار وترميم الأوابد التاريخية وتعزيز البنى التحتية للسياحة، من شأنه دعم القطاعات الأخرى.
7- بناء قانون استثماري حقيقي وجاذب لرؤوس الأموال وليس لتبييضها.
8- العمل على نشر ثقافة المساهمات التشاركية والمواطنة والانتماء المعتمدة على المجتمع المحلي، ونموذج النبك ودير عطية حاضر بقوة.
9- تسويق حزمة إعادة الإعمار عالمياً وبشكل جذاب وذكي، فالكثير من الشركات الكبرى ترغب بدخول السوق السورية الواعدة بعد وجود وتوافر البيئة الاستثمارية الآمنة.
10- تجنب سياسة القروض وتقنينها فهي لن تعيد أي إعمار ولن تسمن من جوع. وإن وجدت فستكون أداة ضغط سياسية وسيادية، ولنا في مصر نموذجاً بائساً!
إعادة الإعمار هو التحدي الحقيقي القادم. المراهنة عليه هو المراهنة على أجيال قادمة لم تلد. هو مصفوفة وخطة عمل طويلة على عدّة مسارات يجب أن تبدأ بإعمار الإنسان وترميم وبناء تراكمات ثقافية، اجتماعية/طبقية، اقتصادية وخلق وتعميق مفهوم المواطنة، فهو السبب والهدف والوسيلة والغاية المرجوة.