نحــن أمـام تغيـرات درامـاتيكية في المنطـقة ، غيـر مسبـوقة منذ قرون ؟
مستقـبل المنطقة بعد كل تلك التحولات المنتظرة وكيف ستتعالج العقـابيل ؟
المحامي محمد محسن
كل من يعتقد أن الحرب على سورية ، هي حرب محدودة في الزمان والمكان ، وأن نتائجها وما سيترتب عليها ، سيبقى حبيس الحيز الجغرافي المحلي ، وأن الهدف من اشعالها هو تدمير سورية وتمزيقها فقط ، هو واهم ، وقاصر في الرأي والرؤية .
إذن :
انها حرب شرق أوسطية ــــ آسيوية ــــ اوروبية ، لا ،، لا ،، هي حرب دولية ، عالمية ، الكل تعامل معها ، مساهمة ، وتفاعلاً ، وتأثيراً ، وتأثراً ، كما أشغلت الرأي العام العالمي ، حتى باتت خبز الاعلام العالمي اليومي ، بحيث لم تبقَ محطة اعلامية ، او صحيفة ورقية ، أو مجال من مجالات العالم الافتراضي إلا وكانت الحرب في سورية هي الأولى والأخيرة من مواضيعه ، وفي كل نشرة أو تعليق ، أو رأي ، تتحدث عن نتائج الحرب ، وأبعادها ، والربح ، والخسارة ، للمعسكرين المتحاربين .
ولكن هذه الحرب الوحشية المديدة زمنياً ، التي استخدمت فيها كل الأسلحة الفتاكة ، وغير الفتاكة ، حتى كانت محطة لتجارب الجديد من السلاح ، هذه الحرب التي لم تترك ولم تذر ، بشراً أو حجراً أو شجراً إلا ونالت منه ، مذابح بالجملة وصلت حد أكل الأكباد ، وموت يومي ، بل لحظي ، وتدمير لكل ما بناه انسان هذه المنطقة ، في الحاضر والماضي ، بحيث لم يسلم منزل ، أو شارع ، أو مدينة ، أو آبدة عمرها من عمر التاريخ ، التي بناها انساننا الأول ، الذي قدم للإنسانية كلها الحرف ، والرقم ، والفلك ، والطب ، وغيرها الكثير ، أي كل ما أنتجته الحضارات المتعاقبة على بلادنا ، كلها كانت عرضة للدمار للموت .
ولكن ومع كل الأسى والحزن ، هذه الحرب لم تحرك المشاعر الانسانية لدى شعوب العالم الغربي على وجه الخصوص ، شعوب الدول المشتركة والمشتبكة فيها ، والمسؤولة عن القتل ، والدمار ، ولم تتفاعل مع المآسي التي خلفتها ، بل كانت ترى وتسمع وكأنها ترى فلماً عملياً لقتل جماعي ، في غابة .
هذا الأمر يجب أن ينال حقه من الدراسة والتمحيص ، من المهتمين والبحاثة في الشؤون الاجتماعية ـــ الانسانية ، والسؤال عن أسباب تبلد المشاعر الانسانية ، لدى شعوب الدول المعتدية على الوجه الأخص ، تلك الشعوب التي كانت لا تهدأ في الماضي ، وكانت شوارعها تمور بالمتظاهرين استنكاراً وشجباً للحروب والويلات التي كانت تسببها دولهم لشعوب العالم الثالث ، والتي كانت مراراتها أقل بألف مرة ومرة مما يحدث الآن في سورية !! .
هل يمكن أن نعتبر هذا برهاناً على المدى اللاإنساني ، الذي قادت الامبريالية العالمية شعوبها إليه ؟؟ ، والتي أوصلت إنسانها إلى حالة من المشاعر الانسانية الميتة أو في موات ؟؟ وأصبح الانسان هناك ( حيواناً ) يأكل ويمارس غرائزه وينام .
ألا يجب أن تشكل هذه الحالة صرخة تملأ الدنيا ، قائلة : إلى أين أخذت الأنظمة الرأسمالية الغربية وبخاصة أمريكا شعوبها بل شعوب العالم ؟؟ ، من دروب الرقي ، والترقي ، والارتقاء ، في سلم حركة التاريخ الحضارية ، التي يجب أن تكون صاعدة نحو تأكيد ، وتأبيد ، وتعزيز القيم الانسانية ، وصولاً إلى الانسان ( الانسان ) الذي يتعاطف مع أخيه الانسان ، بدلاً من أخذه إلى غابات يأكل الانسان فيها لحم أخيه الانسان نيئاً ؟؟
والجريمة الكبرى التي لا يجوز التغافل عنها سرقة الأنظمة الرأسمالية الغربية التقدم العلمي المذهل ، التي شاركت فيه جميع حضارات العالم ، ووظفته لدمار حضارة الانسان ، وقتله ، وقهره ، واستعباده ، وتجويعه ، بدلاً من توظيفه لرفاه الانسان ، وعيشه الكريم .
ومع كل هذه الويلات ، والحالات التي جعلت البشرية تعيش قوانين الغابة ، القوي يأكل فيها الضعيف .
فإن المفتونون بأمريكا ، لن يسلموا بأن أمريكا المتوحشة التي قادت هذه الحرب ضد بلدنا وشعبنا ، قد تخلخلت سمعتها في المنطقة ، وباتت ملعونة بعد خساراتها لهذه الحرب ، ولجميع حروبها التدميرية الأخرى ، ولن يصدقوا ضمور قدرتها على فرض وصايتها على شعوب المنطقة ، ولن يعتبروا وصول رئيس أمريكي مرتبك ، متردد ، يتعامل مع واقع بلاده المخلخل بحالة من الانفعال والارتجال ، أقرب للتجريب ، لا يعرف كيفية الخروج والملمة ، دليلاً قاطعاً على أن أمريكا تعيش مأزقاً بنيوياً وجودياً .
هذا الرئيس المرتبك يعلن انسحابه من جميع المعاهدات والاتفاقات الدولية ، التي كانت تعتبر لصالح الدولة الأمريكية ، ويشن حروباً اقتصادية ضد الجميع ، والتي كانت تعتبر من الأسلحة الاحتياطية ، ولكن ـــ هذه تسجل من حسناته لأنه أدرك أن الحروب العسكرية لم تعد مجدية ـــ ، فلجأ إلى الأسلحة الاحتياطية .
ولكنه لا يعرف هو ومستشاريه من ( المحافظين الجدد ) نتائج هذه الحروب بكل تفرعاتها ، وما سيؤول إليه حال الاقتصاد الأمريكي أولاً ، وحال دول العالم ، وبخاصة الدول التي كانت تعتبر صديقة ، وفي حلف واحد معها ، هذه الدول ذاتها بدأت تمر بحالة جفاء وتململ على الأقل من السياسات الأمريكية غير المبررة والارتجالية .
هذه الخسارات ، التي وصلت حد الهزائم ، وتلك الانكشافات المهينة التي ظهرت فيها أمريكا وحلفاؤها ، أمام شعوب محمياتها في المنطقة على وجه التحديد ، سيكون لها انعكاساتها السلبية ، وبخاصة على جدوى حمايتها لتلك المحميات ، وعلى الأخص ، والأعم ، والأغلب ، لذراعها الطويلة إسرائيل ، التي كانت الدولة التي لا تقهر ، والتي لعبت عبر قرن دور الوكيل الحصري في إدارة أمور أمريكا في المنطقة .
.
لكن المتابع للشأن الاسرائيلي بات يدرك أن ( المواطن الإسرائيلي ) العادي بدأ يتحسس ذلك ، وأن الزمن الذي كان فيه الاسرائيلي ، يشعر بأن دولته كلية القدرة ، وأن جيشه لا يقهر، وأن شعوب المنطقة ( الغوييم ) مستسلمة ولا حول لها ولا قوة ، هذا الشعور بات يخبو ، ويحل محله خوف داخلي أقرب للرعب ، وتقرأ ذلك في حديث المحللين السياسيين ، وفي وسائل الاعلام المرئية والمكتوبة .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لذلك علينا ان نعتبر وبكل موضوعية ، وبدون أدنى مبالغة ، [ أن صمود شعبنا ، وبطولات جيشنا ، ومساعدة حلفائنا ، وانتصاراتنا في هذه الحرب المديدة ، والمتوحشة ، جاءت نتيجة مطلب تاريخي ملح للتغير ] ، بعد أن أوصلت أمريكا وحلفائها المتوحشين العالم إلى عنق الزجاجة ، وكادت حضارة البشرية أن تختنق .
لذلك ومن هنا على الكافة أن يعتبروا أن الانتصار السوري هو الذي سيفك عقدة التاريخ ، وسيؤمن لها مخرجاً ، لأنه سيضع الانسانية ولأول مرة أمام طريق للحل ، بعد أن يهزم الفلسفة الرأسمالية الغربية ، القائمة على السيطرة ، والاستعباد ، وقتل الشعوب ، التي تتبناها أمريكا والدول الاستعمارية الغربية القاتلة ، التي اغتالت أو حاولت اغتيال حضارة البشرية .
أثق أن البعض سيقرأ هذا ويمشي ، ولكن الأصدقاء المعنيين والمتابعين سيضعون النصر السوري في محله من حركة التاريخ .
وسيدركون كم كان الانتصار عظيماً ، ومؤثراً ، وحاسماً ، في تغيير المسار الحضاري للبشرية [ ليس في هذا أية مبالغة ]