هذا الذي أعرفه عن مناسبة ” يناير “
رأس السنة الزراعية
يحيي أجدادنا منذ قرون خلت مناسبة أول يناير ” حاجورة ” ، الموافق ل 13 كانون الثاني ، رأس السنة الزراعية لدى سكان الشمال الافريقي ، وفق ممارسات رمزية تناقلوها مشافهة من اسلافهم ، في حين استمدوا مقومات عيشهم من تجاربهم الطويلة مع الأرض ، إذ توصلوا من خلالها إلى معارف عدة ، ارتبطت بالمناخ باعتباره أحد العوامل الأساسية لضمان وفرة المحاصيل الزراعية ، ومن هذه المعارف نذكر التقلبات الجوية المعقدة للتخفيف من الكوارث الطبيعية ، نجاعة التربة لتوجيه الشعب الفلاحية ، حبوب جافة ، أشجار مثمرة ، مراعي … ، وبهذا رسموا للأجيال الأتية من بعدهم معالم حياة سليمة ترتكز أساسا على بعد النظر والتفكير العميق ، يتجلى ذلك بوضوح من اعتمادهم حسابات دقيقة مجزأة إلى فترات مدروسة تعرف اليوم بالتقويم الزراعي ، فما هو التقويم الزراعي ؟ هو : حسابات مقسمة إلى فترات تتماشى والنشاط الزراعي ، وخاصية كل موسم ومناخه وطبيعة النشاط الفلاحي الذي يجب ممارسته ، فهم يدرسون كل موسم دراسة كاملة شاملة من جميع النواحي ويجتهدون حتى لا يضيعون الموسم ، كما يبين هذا التقويم الذي هو من انجاز الباحث في الثقافة الشعبية ، الشاعر المنتج بإذاعة سطيف الأستاذ عبد القادر قماز ، نشره في كتاب له تحت عنوان نماذج وألوان ، الصادر عن دار الفجر للنشر بقسنطينة 2010 م :
الليالي : 40 يوما ، من 25 دوجمبر (كانون الأول)
أمالح : فيها 10 أيام ، تبدأ من 25 دوجمبر (كانون الأول) إلى 3 من يناير (كانون الثاني)
أﭬوارح : فيها 10 أيام ، تبدأ من 4 يناير (كانون الثاني) إلى 13 يناير (كانون الثاني)
أصوالح : 10 أيام ، تبدأ من 14 يناير (كانون الثاني) إلى غاية 23 يناير (كانون الثاني)
أمدايب : 10 أيام ، تبدأ من 24 يناير (كانون الثاني) إلى غاية 2 يناير(شباط)
الليالي أيام شديدة البرد ، يقابلها أيام حر شديد في الصيف تعرف بالصمايم ، وفيها 40 يوما كذلك تبدأ من 11 يوليو أو من 25 من نفس الشهر إلى غاية 11 من شهر غشت
وهناك فترات أخرى أيضا في غاية الأهمية لارتباطها بالتغيرات الجوية ، وبالنشاط الزراعي الأكثر أهمية في حياة الناس منها
العزري : وفيه 11 يوما ، تبدأ من 03 يناير ( كانون الثاني ) إلى غاية 13 منه
فرار العقون : وفيه 14 يوما ، تبدأ من 14 يناير (كانون الثاني) إلى غاية 27 منه
فرار الضراع : وفيه 14 يوما ، تبدأ من 28 يناير (كانون الثاني) إلى غاية 13 من فرار
لحسوم : 8 أيام ، تبدأ من 11 فرار ( شباط) إلى غاية 18 منه
لفطيرة : 14 يوما ، تبدأ من 25 مغرس ( آذار) إلى غاية 07 يبرير ( أيار) ، أو من 07 يبرير (أيار) إلى غاية 20 منه
أيام نيسان : أو ما يسمى أيام البركة ، فيها 7 أيام ، تبدأ أربعة أيام من أخر شهر يبرير ( أيار) و3 أيام من شهر مايو (أيار)، أو من 10 من نفس الشهر إلى 16 منه ، حسب روايات أصحابها .
سالف المعزة : 13 فرار (شباط)
عنصلة : 8 يوليو (تموز)
حاجورة : 13 يناير وهي رأس السنة ( كانون الثاني )
وبعرضنا لجانب من التقويم الفلاحي ، فان مناسبة يناير تشكل تحولا جديدا في حياة سكان الشمال الافريقي ، في جوانب معرفية عدة ، اقتصادية ، اجتماعية ، ثقافية ، ينبغي الأخذ بها على محمل الجد من طرف الأكاديميين ، فيناير هو عهد جديد مع الوجود دون اللجوء إلى الاضافات التي تخرج المناسبة عن سياقها الرسمي ، يحمل يناير التفاؤل بسنة زراعية خصبة قد تغير من حياة الناس نحو الأفضل وتحفظ استمرار عيشهم في أمان وهدوء ، تلك هي أهم الأشياء التي يسعى دوما من اجلها الإنسان لتطوير نمط حياته ، ومن تجاربهم واجتهاداتهم في تطوير نظام حياتهم المعتمد بالدرجة الأولى على “الفلاحة ” نجد هناك أقوال وحكم تحمل توجيهات ونصائح زراعة تتداول على نطاق واسع ، معمول بها في الغالب لتحسين المردود الفلاحي لتجنب الخسائر ، خاصة تلك الناتجة عن التقلبات الجوية المفاجئة ، ففي الفترة المسماة لحسوم التي هي قاسية البرودة يقولون ، كي إفوتو لحسوم طيش أكتاتنك أعوم يا راعي لمشوم ، ويعني بذلك أن الأيام الشديدة البرودة قد انقضت ، وينصحون الراعي أن لا يكلف نفسه عناء ارتداء الألبسة الشتوية بعد انقضاء لحسوم ، كما يقولون: إذا كان السابع من غشت( آب) ليلته ندية ، فخريف تلك السنة يكون ممطر ، وهنا لا بد من الإشارة أن هذه الأقوال ليست بالتطير كما هو مشاع ، فالطير موجود فعلا لدى المجتمعات القديمة لكن في جوانب غير التي تخص الزراعة ، إنما في الأصل يوظفون تجاربهم وخبراتهم ومهاراتهم في هذه الأقوال النابعة من تكرار التجارب ، كما قيل أيضا حول ال14 يوما من فرار (آذار)، ريحها أفضل من مطرها ، ويتحاشون رعودها أيضا ، يقولون : إذا ماتو الليالي السود إيقَرح كل عود ويفرح كل مسعود .
وفي جنبر الصم (كانون الأول) الذي يدوم 11 يوما ، ينصحون بعدم شرب الماء في الظلام ، ويقولون في سالف المعزة ( العنزة) ، أو ما يعرف بيوم المعزة ، أن هذه الأخيرة أعابت كثير على شهر ينار وقسوة برودته ، ودعت عليه فقالت الله لا تربح يا ينار مرحبا بعمي فرار ، فغضب منها ينار وطلب من فرار قرضه يوما واحدا من أيامه ، يكون لها عقاب شديد ، وفعلا كان له ذلك يوم ممطر وقاسي البرودة لم تعهده من قبل ، لذلك سمي بيوم العنزة ، تشعر فيه بالبرودة حتى وان كان يوم مشمس مرتفع الحرارة ، وقصص كثيرة تخص كل فصل وشهر ويوم .
مكتب الجزائر – أبو طارق الجزائري – نفحات القلم