كتاب للباحث الجزائري الدكتور كنزي محمد قدور … جامعة بوردو بفرنسا
الدكتور كنزي محمد قدور ، واحد من أبناء مدينة أم القصور العريقة ” العين الصفراء ” بأقصى الجنوب الغربي للعاصمة الجزائرية ، عرف بوفائه واخلاصه لمسقط رأسه بشهادة من عايش طفولته وشبابه وتحدثوا الينا أثناء حضورنا مهرجان موسيقى الديوان في طبعته الرابعة عشر ، فبالرغم من تواجده بديار الغربة لسنوات طويلة إلا أنه يزور مدينته بانتظام وعلى علاقة طيبة وسمعة عالية بالأهالي ، من أيام تواجده بكتاتيب المدينة الى أن ختم كتاب الله ثم غادرها لغرض الدراسة ، وكان الدكتور أيام شبابه ضمن إحدى الفرق الفنة الممارسة لموسيقى الديوان برفقة مجموعة من أبناء بلدته ، وها هو اليوم يسلط الضوء على موسيقى كان مولع بها في صغره برؤية اكاديمية ، خاصة وأنه دارس لعدة تخصصات منها علوم الاعلام والاتصال يدرس حاليا بجامعة ميشيل دي مونتين ببوردو – فرنسا ، عضو مخبر أبحاث “ميكا ” حول الاعلام وفي ورشة عمل ” الدراسات الثقافية” لجامعة بوردو ، كما أنه مهندس التخطيط الحضري والتنمية المستدامة والبيئة والعلوم السياسية بجامعة ” مونتسكيو ” ببوردو ، تتجه أبحاثه نحو الدراسات الصورية والثقافية والأنثروبولوجية ، له العديد من المنشورات والأعمال في مجال الاتصالات وتقنيات الاتصال الحديث والتخطيط الإقليمي .
من مؤلفاته :
” الناجون من الصمت ” ، قصة مستوحاة من شهادة أودعها أحد الأقارب للمؤلف ، تحمل واقع الحياة وصور تاريخية وسياسية واجتماعية ، مؤلف أخر هو ” مرأة الروح ” ، جمع به قصائد كتبها على مدار فترات تلخص التسلسل الزمني للفكر الشعري عنده والابداع الشعري الذي يبقي قلبه الطفولي ، ليأتي هذا الكتاب الذي هو موضوع حوارنا معه على هامش لقائنا به بمدينته العين الصفراء تحت عنوان : رحلة في ليلة الديوان – طقوس التملك والعلاج ، كتاب أعده باللغة الفرنسية ومن الحجم المتوسط ، صادر عن دار الحياة للنشر بفرنسا ، حمل بين ثنايا صفحاته دراسة اجتماعية أنثروبولوجية عن موسيقى ” الديوان ” أو ” الﭬناوة ” تحدد التقاء التقليد بطقس موسيقي العلاج وتبرز ذلك الابداع الفريد لشعب الساحل الافريقي ، وعلى ما يبدو موسيقى الديوان منقسمة بين عالم الترفيه وممارسة الطقوس التقليدية ، وبالتالي هذا النهج يشجع على دراسة الطريقة التي يشرع بها موسيقيو الديوان في تحويل عناصر الثقافة التقليدية الى موسيقى مختلطة بين التقليد والحديث وفي نفس الوقت الحفاظ على الجانب الغامض من العلاج الشعبي ، فهل يمكن لنا الحديث عن التملك أو طرد الأرواح الشريرة أو حقيقة نفسية ثقافية أخرى ؟ ذلك ما نكتشفه في حوار جمعنا بالمؤلف الدكتور محمد قدور كنزي ، ندعوكم لمتابعته تفاصيله عبر صفحات نفحات القلم .
حاوره : أبو طارق الجزائري
مرحبا بك الدكتور كنزي محمد قدور ، نأمل أن لا نشغلك كثيرا عن ما أنت قادم لأجله من فرنسا
لا أبدا … أنا فخور جدا أني أجد مثل هذه الأنشطة الثقافية قائمة في مناطق الوطن وهذا يسعدني ويجعلني أقول الأمور تسير في الاتجاه الذي نحبذه أن يكون دائما ، أتمنى أني لا اقصر في حق من ينتظر مني إفادة خلال هذه التظاهرة ان شاء الله أكون عند حسن ظنهم .
الدكتور بدايتنا تكون حول كتابك “رحلة في ليلة الديوان … طقوس التملك والعلاج ” ، الذي تناولت من خلاله موسيقى الديوان علما أن لهذا الفن تسميات متعددة بمناطق الساحل الافريقي فأين التشابه يا ترى ؟
الديوان أو الموسيقى المصاحبة للطقوس تكيفت مع جغرافية الساحل الافريقي بشكل سلس ، بحيث نكاد لا نعثر على فوارق كبيرة من بيئة الى أخرى الا في أشياء بسيطة غير مؤثرة أذكر منها على وجه التحديد التسميات ، ففي تونس يعرف ب ” السطمبلي ” ، وبليبيا يسمى ” الفالي ” ، وبمصر الزور ، في بالجزائر معروف ب ” الديوان ” ، أما تسمية ” ﭬناوة ” أو ” كناوة ” فهي تشير الى ذوي البشرة السمراء وهذه فكرة خاطئة ، إذ لم أجد في بحوثي دليل علمي يؤكد ذلك ، للإشارة الديوان ظهر بطقوسه كما هو عليه اليوم قبل الإسلام وعرف طريقه الى الساحل الافريقي في الفترة نفسها ، انما تكيف مع المعتقدات الدينية المتعاقبة وساير اختلاف الألسن وتنوعها ، لذلك نجده في عصرنا هذا حامل لنصوص لها صبغة دينية وباللغة العربية الدارجة والأمازيغية أحيانا ، يضيف الدكتور يقول : هذا البحث الذي أنجزته في كتاب أخذ مني وقتا طويلا وكلفني سفريات عدة الى معظم بلدان الساحل الافريقي المتواجد بها طقوس الديوان ، أيضا كانت لي جولات داخل الجزائر لمناطق تشتهر بهذه الموسيقى مثل بشار والعين الصفراء … ، ركزت في عملي هذا على الجانب الأنثروبولوجي ، واشرت الى أن الديوان هو إيقاعات موسيقية مرفقة بالطقوس وليس الموسيقى في حد ذاتها ، لأن هذه الايقاعات تجعل الانسان يخرج عن حالته الطبيعية ويرحل الى عالم لا شعوري ، يعطيه طاقة إضافية يعتقد على أنها جن لكن في الدراسات الحديثة لا صحة لهذا الاعتقاد ، في حين لمست من بحثي أن لا تغيير حدث في الآلات الموسيقية المستعملة من أزمنة غابرة في كل المناطق التي زرتها وذكرتها سالفا ، أما اللغة المستعملة فهي افريقية ساحلية مثل ” البامبرا ” و ” البور ” ، نلمس هذا واضحا في الأبراج عند ذكر كلمة بوري بوري التي تعني صديقي صديقي ، لكن في الآونة الأخيرة تغيرت الألفاظ وأضحى ذكر أسماء الصحابة والأولياء الصالحين وسميت بعض الابراج بأسمائهم .
هل يوافق الدكتور نسب هذه الموسيقى أو الطقوس للعبيد كما يشاع عند الكثير ؟
الكتابات الأجنبية أشارت الى قدوم هذه الموسيقى مع العبيد من عمق افريقيا ، هي اليوم في حاجة ماسة الى إعادة القراءة ، فثمة غموض في الكثير من الأشياء لم ننتبه له ، يجب مراجعة ما كتب بخلفية أيديولوجية من طرف الفرنسيين إبان تواجدهم ببلادنا ، كما أننا نتحدث عن جنوب كبير وعريض كان يعرف قديما بالسودان الكبير وكل من يأتي من الجنوب يسمى بالضرورة سوداني ، كما في هذه المناطق حركة اقتصادية منذ ما قبل الإسلام وبعده ، الى وقت غير بعيد كانت الناس تتنقل للعمل في المجال الزراعي بالشمال كما هناك تبادلات تجارية معتبرة ، إضافة الى كل هذا طقوس الديوان تجرى بيوم السبت دائما عند الانتهاء من نشاط الأسبوع ولا توجد حدود بين المرأة والرجل بحيث يجوز لهم الاختلاط ، ويمكن للمرأة أن تخرج ما يخلج بداخلها وتقول ما لم يمكن قوله في مناسبة أخرى ، وعليه فرضية أنها موسيقى جاءت مع العبيد غير صحيحة وينبغي الالتزام بالدراسات العلمية الحديثة حتى لا نجانب الصواب
الكتابات الأجنبية أفادت من حيث المسح لكن هي وصف للشعوب وجاءت لأغراض معينة وفي ظروف خاصة ؟
نعم هي تحمل نظرة استعمارية محضة ، لذا لا بد من فهم حقيقة طقوس الديوان من الدراسات الأكاديمية الحديثة ، التي تجيز أو تنفي ما قيل في السابق ، وعليه أشرت في كتابي الى أهم الأشياء في هذه الطقوس الا وهي الأبراج والألوان التي لها أمواج تبعث الطاقة أي ما يسميه البعض الجن ، أيضا اللباس له معنى كبير واللون كذلك يجلب الطاقة ومن يتأثر باللون يدخل في الجذب مباشرة ويخرج عن حالته العادية ، لذا الطقوس لها معنى كبير وليست شطحات عابرة ، وتلك الحركات التي تكون أثناء الطقس تدل على اخراج الطاقة من الجسم ، فيصبح المعلم أو العازف على آلة الﭬمبري
لا يتحكم في الطقس ويتحكم فيه ممارسه الى أن ينهي المشهد بسقوطه أرضا .
بالجزائر الوان غنائية عدة تجاوبت مع قضايا المجتمع وعالجت جوانب من حياته ، ودافعت عن قضاياه خاصة ابان الثورة التحريرية فهل للديوان مسار مواكب لما ذكرناه ؟
الديوان لم يتطرق لموضوع الثورة التحريرية ، وكان جد حرص على لم الشمل والتسامح بين الفئات الاجتماعية ، فهو طقس بالدرجة الأولى وليس موسيقى قائمة أو غناء مطلق موجه للطرب ، بقي في صورته القديمة التي سبقت الإسلام لم يتغير وابراجه التي تعني الايقاعات المختلفة بقيت كما هي من أزمنة بعيدة ، بعد دخول الإسلام كان له شأن أخر أين وظفت به لغة من غير لغته الافريقية كالعربية الدارجة والأمازيغية أحيانا ، كما أنه استعمل في الغالب لمعالجة الأمراض ومحاربة الآفات الاجتماعية مثلما وضحت في كتابي ، في حين هناك الوان غنائية أخرى بالمنطقة تناقلت مشافهة دون كتابة أو تسجيل ليست قديمة كالديوان تطرقت الى المقاومة والثورة التحريرية بشكل واسع ، مثل العلوي ، الصف عند النساء والرجال ، أحيدوس ، ولقوارير من منطقة توات وقورارة منتشر أيضا انتقل عن طريق العائلات القادمة الى المنطقة لغرض العمل
رأينا ان اغلبية الفرق الممارسة لطقوس الديوان ينسبون أنفسهم الى زوايا تتخذ من أسماء الصحابة والأولياء الصالحين تسمية لها ، مثل زاوية سيدي بلال ، وزاوية سيدي مرزوق ، ما صحة هذه الأقوال ؟
فعلا موجود هذا لأن أغلب من يمارسون هذه الطقوس من الجنوب ، يظنون أنها مرتبطة بذوي البشرة السمراء فيذكرون الصحابي سيدنا بلال ، والأولياء الصالحين مثل سيدي مرزوق ، مع أن الديوان جذوره ضاربة في القدم ووجوده سبق مثل هذه الأشياء بكثير
شكرا على منحك لنا من وقتك الضيق شكرا لصبرك معنا
الف شكر والف تحية