“نقد النقد وأزمة النقد العربي المعاصر: نقاط على الحروف” دراسة جديدة في مجلة البيان الكويتية، عدد فبراير 2023.
وهذا هو ملخص الدراسة، أتشرف بقراءتكم.
من المشكلات المرصودة في حياتنا الثقافية والعلمية العربية مشكلة غياب النقاش النقدي المثمر والتقييم العلمي لجهود الباحثين والنقاد، سواء كانوا أفرادا أو جماعات وإن وجد بشكل أو بآخر فهو جزئي، وخاضع للنشاط الفردي، ويكون متراوحا ما بين الاحتفاء أو الشرح أو الهجوم فلا يوجد تقويم حقيقي نفرز به المتميز نقديا من الناقل والشارح والمترجِم ومن فاقدي المقدرة البحثية والنقدية. فكانت المحصلة، أن لقبَ ” ناقد أدبي أكاديمي ” صار يطلق على كل من نال شهادة متخصصة في المجال وألف عددا من الكتب، بغض النظر عن الماهية، والتميز، والموهبة، والإضافة العلمية، ومدى جدية الطرح، وعمق النهج.
ومن هنا، يكون لزاما الأخذ بمنهجية نقد النقد، لغايات عدة، أبرزها تمييز الجهود والمواهب والعطاءات، والإشادة بمن أضاف وأبدع وزاد، والتنبيه على من قلّد واتبع، وترسيخ روح جادة، تقيّم الناقد الأدبي من خلال النقاش والنقد الجاد لأعماله، ورصدها، وتتبع أفكاره ومقولاته، تطبيقا وتنظيرا.
وتلك نقطة مهمة للغاية، فكم من أفكار مبثوثة في ثنايا الكتب والبحوث النقدية، لم تجد الاهتمام ولا الدراسة , فالكل يعمل بشكل فردي، والكل يبث أفكاره في دائرة ضيقة تتصل بالطلاب والأصدقاء، وندر من يمد بصره إلى الآفاق العلمية الواسعة، فيحتفل بما أبدعه الآخرون بمثل احتفاله بنفسه، فالغاية في البدء والمنتهي هي تكوين مدرسة نقدية عربية رائدة وراسخة، وهذا لن يتأتى إلا بحوار نقدي – نقدي، وما هو فوق النقدي أيضا، بأن يناقش النقاد طروحاتهم، حول النصوص والإبداعات، وحول المفاهيم والخلاصات التي يتوصلون إليها، في أجواء من الانفتاح المعرفي على العلوم والفنون، مع إعلاء الحريات واحترام الآخر، ونفي النرجسية، والارتقاء بالخطاب، واحتضان ذوي الإبداع والإضافة، والحوار الراقي الذي يبني ولا يهدم، يرشد ولا يجرح، يرتفع ولا يسفل، ساميا فوق الفردية.
هذا، وعندما نطلق مصطلح “المنجز النقدي “، فإننا نعني به التراكم الذي قام به الناقد الأدبي في خلال حياته الأدبية، على مستوى التنظير والتطبيق، الرؤية والأداة، العطاء والتميز، الجهد والتوجهات، التكوين العلمي والشخصي، وغير ذلك. وهو يتلاقى مع فكرة المشروع العلمي. وإن كانا يختلفان في أوجه، فالمنجز النقدي قد يكون جامعا للتنظير والتطبيق، أو أحدهما، وقد يكون في نظريات ومناهج عديدة. أما المشروع العلمي فغالبا ما ينحصر في مجرى واحد، يتعمق عبر إصدارات متعددة، تعزز الرؤية بالتنظير، وتبرهن عليها بالتطبيق.
لذا، فمن الأهمية بمكان عند قراءة المنجز النقدي، أن تكون القراءة وفق محاور ونقاط، تمثل مدخلا لفهم طبيعة العطاء النقدي، واتساقا مع التخصص الدقيق، والرغبة الحثيثة في التميز العلمي ؛ على قناعة أن أي منجز لابد أن يمثل رؤية وطرحا وإضافة، ولا يمكن إدراك هذا إلا بالنظر إلى ما قبل، وما هو راهن، ومن ثم ننظر فيما تم على يده، والمقارنة حاضرة في الوعي والتقييم في عطاءات النقاد، ومشاريعهم البحثية، ونماذجهم التطبيقية، من أجل تمييز المجيد، والتنبيه على المقلد، والتحذير من ذوي الأصوات العالية والعلاقات العامة الذين يملأون الندوات والفضائيات بإطلالاتهم، ويظنون أنهم نالوا الشهرة والحظوة، ويعطون نماذج رديئة تفتقد العلم والمنهجية،وتعلي من شأن الزخرفة الكلامية والمدح المجاني.
يقال ذلك، لأن هناك من تسيد الساحة النقدية – أو هكذا يظن – من خلال الحضور الإعلامي والتواجد الثقافي، بدون مؤلفات أو إضافات ذات جدوى.
على جانب آخر، فإن كثيرا من الباحثين المنشغلين بنقد النقد يكتفون بتوصيف ما أنتج أو الاختلاف أو الاتفاق، بدون النظر إلى مفهوم الإضافة العلمية، ومدى الاستفادة التي حققتها على الصعيد النظري والدراسات التطبيقية