ما هي المسوغات التي تراها موسكو ، وسورية ، في تعاملهما مع أردوغان المناور
نُـــذر حـــربٍ ، ( لا ) ، التــهـديد ، والوعـــيد ، بـاتا ســــلاح أردوغــان الوحـــيد
فــرار الارهــابيين من ادلــب هو الذي يرعبــه ، مخافـة نقل وباء الـذبح إلى تركيا
المحامي محمد محسن
كل من يعتقد أن أردوغان له أطماع جغرافية في ادلب ، هو على خطأ على الأقل ، لأن الأطماع الجغرافية ، باتت في حكم الماضي ، نعم كان عنده أحلام تتجاوز سورية لو ربح الحرب ، وعلى رأسها السلطنة ، ولكنه أصيب بخيبات أضاعت بعضاً من صوابه ، وبدلاً من أن يكون مهاجماً بات مدافعاً ، هذه الانتقالة .
هـــــي بيـــــت القصــــيد .
وعلى الباحثين العقلاء دراسة وضعه من هذه الصورة الرجراجة ، وأن جميع اهتماماته وحواسه الآن ، باتت تتجه للبحث عن الكيفية التي سيتعامل بها ، مع الارهابيين الذين سيفرون من ادلب ، هرباً من مواجهة الجيش العربي السوري ، الذي سيطبق عليهم كالقضاء المحتوم ، فلا ملاذ لهم ، ولا أرض تحويهم ، إلا تركيا أرض الرعاية الأولى .
لذلك يتوسل أردوغان وقف الهجوم السوري على ادلب ، ولو جاء توسله بصيغة تهديد ، سعياً وراء تأجيل الكارثة ، المستعصية ، على أمل ايجاد حلٍ بأقل الخسائر ، فهو الذي ربى وسمن الدب ، الذي سينتقل إلى كرمه .
نعم عُرف أردوغان عالمياً بأنه رجل المناورات ، والانتقالات السريعة من موقع إلى آخر ، ( ذَكَّرَنا بدوران جنبلاط) ، إلى الحد الذي بات يتحرز منه الجميع ، فهو غربي الهوى شرقي المصالح ، إلا في سورية ، فلقد غرق في أتون الحرب التي شنت عليها ، كلاعب رئيسي ، بكل طاقاته المادية ، والعسكرية ، وحتى مشاعره ، وأحلامه ، ووظفهما في حربه .
ولكن لا يجادل عاقل أن أحلامه قد تكسرت على أبواب دمشق ، من السلطنة ، وحتى التوسعة الحيوية باتجاه الدول العربية ، التي كان يحلم بالتمدد لها من خلال سورية ، كلها قد غاضت معه في مستنقعه .
والذي أفقد أردوغان عقله ، أنه كان يتشارك مع شركائه في معسكر العدوان وعلى رأسهم أمريكا ، ومع الكثيرين من العملاء السوريين (المثقفين القشريين ، والاسلاميين التكفيريين)، أن النظام السوري قاب قوسين او أدنى من السقوط ، فكان حلم أردوغان يناطح السحاب ، سورية ستدمر، ستتفتت ، وهذا يحقق غاية الغايات عند أردوغان ، لأنه عندها يصبح تتويجه سلطاناً من الجامع الأموي أمرا مؤكداً .
إلا أن جميع دول العدوان ، بما فيها أمريكا ، ومحميات الخليج ، اعتمدت الحرب غير المباشرة ، أي قاتلت بمرتزقة من الارهابيين ، أما أردوغان فلقد غرق بالحرب بشكل مباشر ، بحجة تأديب النزعات الانفصالية الكردية ، مستغلاً استقواء الانفصاليين الأكراد بأمريكا ، فاحتل عفرين وغيرها .
ولكنه كغيره صدم بصمود الصخرة السورية ، حيث فقد ثلاثة أرباع أحلامه ، ولكنه وبالرغم من رعبه من انتقال الارهابيين إلى بلاده ، يظهر بمظهر المستثمر في الربع الباقي ، من ارهابييه المتكومين في ادلب ، فدخل وأقام قواعداً عسكرية ، ونقاط مراقبة في ادلب ، طبعاً تحت بصر الارهابيين وبمساعدتهم ، بحجة الفصل بين ما سمي بقوى المعارضة ، وبين الارهابيين .
بائس من يصدقه ، ولكن روسيا وحتى سورية ، تعاملوا مع هذين الاختراقين للسيادة السورية على مضض ، ولكن ببعض من تبرير .
فروسيا أرادت التعامل مع هذه الاختراقات بمرونة لثلاثة أسباب :
لأن التدخل العسكري لأردوغان كان قد تم في بيئة صديقة له ، ففي الشمال ، تدخل في المناطق التي تسيطر عليها أمريكا المعتدية ، وفي ادلب توغل في منطقة سيطرة حاضنته الإرهابية .
في هذين الحالين ، لم يكن لروسيا ولا لسورية القدرة على ردعه في حينه بشكل مباشر ، لذلك بات تدخله أمراً واقعاً ، مما تطلب حله ، بصيغة ما عن طريق الحوار ، فعقدت من أجل ذلك عدة جلسات في (أستنا) .
حيث أرادت روسيا أن تمد له حبل النجاة ، والخروج شبه الآمن من سورية ، وذلك انسجاماً مع رغبته بالتوجه شرقاً من جهة ، وتفادي الاصطدام مع سورية وايجاد حلول لثلاثة مسائل هامة ، مقبولة من سورية ومنه .
1 ـــ تدرك روسيا وسورية أن المجتمع التركي ، بات يتأفف من تواجد الأعداد الكبيرة من النازحين السوريين الذين باتوا بالملايين ، والذي حاول أردوغان استخدامهم كورقة ضغط ، ضد الدولة السورية ، ولكن بات تذمر المجتمع التركي منهم يشكل عبئاً ضاغطاً عليه .
2ـــ التقليل من أعداد الارهابيين الفارين من ادلب باتجاه تركيا ، وهنا
خوف أردوغان الأكبر حد الرعب ، لذلك هو يستمهل اجتياح ادلب من قبل الجيش العربي السوري ، على أمل البحث عن الحل الأقل ضرراً .
3ـــ مشكلة الانفصاليين الكرد المنتشرين على الحدود الشمالية السورية ، الذين يدعمون حزب أوجلان الانفصالي .
هذه الأخطار الثلاثة تراكمت فوق رأس أردوغان بسبب سياساته الرعناء ، التي قادها بأحلامه ورغباته الشخصية .
…….
[ لذلك نؤكد لا حرباً ، مصلحة تركيا التصالح مع سورية للبحث عن حلول أقل ضرراً لهذه الأخطار الثلاثة ، وإن لم يبادر أردوغان لتحقيق ذلك في الوقت المتاح ، سيحمله شعبه مسؤولية ذلك ، وينسفه من جذوره هو وحزبه ]
[ وكل من يعتقد أن سورية ستترك شبراً يرتع فيه الإرهابيون ، أو العثمانيون الجدد ، أو الأمريكان ، هو عميلٌ يحلمْ ، أو جاهلٌ يهرفْ ]