نهج مميز يتابعه باقتدار ملتقى عشتار الثقافي فاضافة للسجالات التي ابدع الشعراء بها هناك برنامج متخصص بالنقد والتحليل يحمل عنوان
نص تحت المجهر تديره مديرة الملتقى د آسيا يوسف ونصنا اليوم
قصيدة الشاعر القدير المهندس ماجد المحمد
صحفُ الرجاء
ياليلُ مهلاً وانتظرْ لاتنجلي
حلمي جميلٌ عندَ ذاكَ المنهلِ
قد جئتُ أنهلُ كوثراً من ثغرِها
رطباً جنياً في كؤوسِ تعللي
وركنتُ روحي عندَ جذعِ وصالها
صباً عليلاً تائهاً بالمحفلِ
فهجرتُ صحبي للطوافِ بركنها
والحجُ فرضٌ في الكتابِ المنزلِ
وشعائرُ العشاقِ في جنباتها
أضحتْ سلاماً منقذاً للمصطلي
راودتُها عن نفسِها متهجداً
صحفُ الرجاءِ لسائلٍ ومؤملِ
ونذرتُ نفسي خادماً لجلالها
وبهائها وكمالها المتسلسلِ
فخلعتُ نعلي عندَ بابِ مقامِها
وحنيتُ رأسي خاشعاً للمرسلِ
هي منيتي أرجو الأمانَ بعفوها
فعسى همومي أن تزولَ وتنجلي
وبها يقيني ثابتٌ متأصلٌ
ولها خشوعي خالصاً وتذللي
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
الشاعر المهندس
ماجد أديب المحمد
بدأت القراءة الدكتورة اسيا يوسف مديرة الملتقى:
نبدأ الدراسة التحليلية من العنوان
صحف الرجاء …من خلال الاستعارة التصريحية يجعل المبدع للرجاء(الأمل ) صحف و كأنه يريد لآماله و رجائه أن تغدو مدوّنة في سٍفر و صحف من خلال الشعر الذي هو أداته التعبيرية متخذاً من تضافر الأضداد بين مادي الصحف و معنوي الرجاء عنواناً لما ستثمر عنه القصيدة .
البنية الفكريّة:
يناجي الشاعر الليل طالباً إليه أن يتمهل و لا يستعجل الانجلاء فهو يحلم و حلمه جميل و لم يرتوِ منه لأنه منهله(مورده) عذب.
.. و يوضح سبب طلبه في علاقة سببية فقد جاء يشرب ماءً عذباً (كوثراً) في إشارة دينية إلى نبع زمزم بمكة المكرمة لكنه جسد ما يراه في المنام على هيئة إنسية (أنهل من ثغرها)و نهل أي شرب بينما الشاعر ينهل رطباً جنياً في تناصٍ مع قوله تعالى:(هزي إليك بجذع النخلة يتساقط رطباً جنياً فكلي و أشربي وقري عيناً) و يسكب كوثره في كؤوس يعلل بها ذاته …
و أقام روحياً عند جذع نخلته المعجزة يريد الوصال عاشقاً سقيماً أضاع طريقه في ديناه.
ووصل إلى مرحلة الزهد و الاغتراب فهجر أصحابه طوعاً طلباً للطواف و يؤكد ذلك في الشطر التالي (و الحج فرضٌ في الكتاب المنزل)فندرك أن هدفه ديني و ليس دنيوي .
فالحج فرضاً من فرائض القرآن الكريم.
و يريد أن يقيم شعائر الحج كعاشق للذات الإلهية ففي رحاب الكعبة المعظمة يلقي الحجيج السلام بعد تطهير النفس من آثامها.
و يتخذ من الرمزية مطية لإيصال عمق إيمانه فيراود الروح أن تبرء من دنيويتها فيدعو و يتجهد مبتهلاً …رافعاً إلى المولى عزَّ وجل صحيفة آماله و يسأل الخالق أن يعفو عنه ويملؤه الأمل و الشعور بالتماهي.
و قد قدم نفسه لخدمة الذات الإلهية طائعاً مستبشراً بالعفو و المغفرة .
و قد وصل إلى مرحلة الحلول حيث تراءت له المعرفة فشع ضياء المعرفة و اكتملت سماتها….
فما كان منه إلا السجود و الإنحناء بعد تماهيه و المرحلة فقد أيقن أن حقيقة الوصول هي غاية أمنياته فقد خلع نعليه كما يجدر بنا في الأمكنة المقدسة كما جاء في الذكر الحكيم:(و اخلع نعليك إنك في الوادي المقدس طوى) .
و يستخدم فعل التمني عسى في توسلٍ لتزول همومه الإنسانية و ترحل عنه …فقد أطمن لأن الروح (اللطيفة)تطمن في حضرة المعرفة(الذات الإلهية ) …
و خشع و أبدى خضوعه و تذلله …فالخشوع دليل وصوله إلى الحقيقة و خلاص الروح من آثامها و إخلاصها لبارئها.
التصوف و القصيدة:
الشعر و التصوف حقلان متقاربان في عالمٍ معرفي واحد،هو عالم الروح كما قرأنا في النص عالم الروح المتخفي وراء عالم الواقع
إنهما يصدران عن روحية للعالم فهما يتفقان في الأسلوب أي الصورة و الإيقاع و اللغة
و نجد أن تجليات الصورة في القصيدة قدمت لوحةً تعبيرية فرأينا الشاعر يرد الماء ثم ينهل الرطب و يطوف و يتوسل و يتهجد و يمضي في الشعائر كعاشق للذات الإلهية و يرفع إلى الخالق صحفه و كله أمل أن يعفو عنه و يستجب لتوسلاته …
أما الإيقاع فالقصيدة موزونة على البحر الكامل
كمل الجمال من البحور الكامل
متْفاعلن متْفاعلن متفاعلن
و كأننا نسمع نقر دفوف المتصوفة على إيقاعٍ
متماثل…فالشاعر يبتهل و يتهجد و يدنو و يتقرب من خلال أدواته الفنية و التعبيرية وهو النغم و اللغة التي طاعت لينسجها بشغف عاشق .
و النصّ صوفي يتميز بصدق التجربة لكونه وليد المعاناة …لأن الصوفي عاشق ينفّس عن مشاعره بكلماتٍ تتّسم بالرمزيّة الّتي تفرضها طبيعة المعاني الروحية .
فهو لا يعبّر بلغة العموم بل يلجأ إلى الخصوص
فالتجربتان الشعرية و الصوفية مرتبطتان غير أن الشاعر قد لا يكون متصوفاً و لكن الصوفي لا يبعد أن يكون شاعراً.
مراحل الصوفية في صحف الرجاء:
المرحلة الأولى:وردت على الشاعر على هيئة حلم فبدأ في تهيئة الذات و مواجهة الحقيقة
و هذا ما يسمى عند المتصوفة الوارد.
المرحلة الثانية:مرحلة العقل نبعت من مرحلة الوارد و تعرف بمرحلة التلوين و التمكين
و بدأت عند الشاعر حيث ركن روحه عند جذع الوصال و انتهت برفعه صحف الرجاء .
المرحلة الثالثة:مرحلة العودة عودة الشاعر إلى حالته الطبيعية بعد ولادة القصيدة الّتي أجهد نفسه في تقويمها حتى تمَّ تشكيلها النهائي وهو سرّها الفنيّ
المنهج النفسي و صحف الرجاء:
القصيدة اتسمت بالشاعرية ذات الحس الدقيق و الشعور الرقيق ..و الصوفية هي ذات الذوق و رياضة الروح و مجاهدة النفس .
فحقيقة صحف الرجاء كحقيقة صوفيّة هي حقيقة وجدانيّة متصلة بالذات الإلهية و السّعي إليها، فالتّصوف تجربة وجدانية و ليست كتابيّة إذ تحتاج إلى أداةٍ للتّعبير ووجدت ضالتها في التجربة الشعريّة الّتي تمثل الطريقة الأنسب للتعبير الّلغوي.
و قد جاءت القصيدة ترجمة فنيّة لأحاسيسه و أحواله النفسية من خلال الإثارة و التلويح و الترميز .
رمز الخمرة الصوفية في صحف الرجاء
جسّد الشاعر المبدع الخمرة فسكبها في كؤوس و لكن على هيئة رطب فهو عاشق يلزمه التماهي و رموز تصوفه فكان لا بدّ من تجسيد الخمر الصوفية
أما رمز المرأة :
فقد شخّصها المبدع ناهلاً من ثغرها و يراودها عن نفسها و يجعل من نفسه المطمئنة خادماً لها في استعارة مكنية و إشارة ايحائية للمعرفة التي يطمح إليها
وحين اكتمل حسنها جعلها غاية أمنياته و أصل الحقيقة ليتماهى و مرحلة الوصال مجتازاً مرحلة التهيئة(الوارد) و مرحلة العقل و التمكين و الاغتراب إلى مرحلة الوصال فالعودة إلى حالته الطبيعية.
وكان من أهم المشاركات في القراءة مشاركة للشاعر منتظر أحمد اذ يقول ”
هو يخاطب الليل أن يمهله بعض الوقت و كأنه سبيل للعروج إلى ما يحلم به و يشير إلى بعد المنهل باسم الإشارة (ذاك) و كأن الليل أداة و طريق و حلمه مرتبط ببقاء الليل و كأن الليل خلوة روحية ينهل من خلالها أو به يهز بجذع النخلة ليتساقط عليه رطباً جنياً فقد هجر صحبه ليحظى بهذه الخلوة الروحية و أداء فريضة الحج الروحية المعنوية التي هي سبيل و معراج إلى المنهل الروحي الذي يطلبه العشاق و المتصوفون المكتوون بنار الجوى ليحظوا بالحضرة القدسية و الفناء الذي يؤبدون و يخلدون به ذواتهم بفنائهم و التهجد الصلاة ليلاً به يأمل السائل بعد معاناة جواباً لسؤاله و قد جعل نفسه خادماً و معنى خادماً ظهور الصفات الحسنى عليه و الكمال المتسلسل مقامات فيوضات الحق مقام دون مقام و إنما يعرج به الخلق مقاماً بعد مقام و إنما يقصد العاشق باب مقام المعشوق أولاً و يخلع نعله و النعل ما له من صفات الخلق حالة الفناء أي توجه بكامل قلبه إلى مقام ربه و انحناء الرأس كناية عن التبجيل و الطاعة و المرسل كناية عن الفيوضات القدسية و المدد الإلهي أي لم يعد يرغب بغير ما يلقى إليه ففني عن ما للدنيا و توجه الى الديان بكليته وبه تزول و تنجلي همومه و يزول شكه بتيقنه …