* يعتبر الفن المسرحي شكل من أشكال الوعي الاجتماعي ، وألصق الفنون بالحياة ، وينفرد من بين جميع الفنون بجميع أشكاله بصفة التواصل المباشر بين الممثلين والجمهور ، هذا التواصل الذي يحقق الاثارة والمتعة وسر استمراريته ، ويعمل على تهيئة مناخاً فكرياً واجتماعياً وسياسياً . كل هذا ساهم بتأسيس حركة مسرحية في مدينتنا كسائر المدن الأخرى المحلية والعربية ، وعلى ضفاف الفرات برز مجموعة من الشباب المخلصين المتحمسين للفن الأصيل ، تنحت في صخر الواقع لتطل بوجهها على جمهور لم يعرف المسرح المحلي إلا من خلال العروض البسيطة في بعض المدارس …حيث قدموا أعمالاً جميلة رغم الامكانات الضعيفة ، كانت حجر أساس لتأسيس حركة مسرحية في محافظتنا.
كانت البدايات خجولة تقتصر على الهزل والامتاع ، بعد رحيل الأتراك عام ١٩١٨ ، جاءت الحكومة الشريفية التي لم تدم طويلاً إذ دخلت القوات الانكليزية دير الزور عام ١٩١٩ ، لذلك لم يقيض للحركة المسرحية أن تنتعش بسبب الثورات المتلاحقة على الانكليز ، وكان الكتّاب والمثقفون في طليعة الثائرين ، رغم وجود ناد ثقافي وجريدة محلية بدير الزور ( الجول) مؤسسها الأديب علي صائب ، إذ مارس الكتّاب بالنادي الثقافي والجريدة عملية التحريض للثورة الذي كانت نتيجتها إغلاق النادي والجريدة .
أثناء الاحتلال الفرنسي في عام ١٩٢٦ انتعشت الحركة المسرحية ، إذ قدم عشاق المسرح ثلاث مسرحيات ( صلاح الدين الأيوبي والنابغة وعنترة ) وواضح أن مضامينها ثورية تحريضية ، أقبل الشعب عليها بحماس لحضور محاولات الشباب المتنور في تمثيلها ، رغم العادات والتقاليد والتحفظ في المدينة . عندما شعر الفرنسيون خطورة ما يقدمه هؤلاء الشباب منعوا الممثلين من مزاولة هذه المهنة .
من أبرز من عملوا في المسرح وقتذاك الشاعر ( توفيق قنبر ) الذي كتب ومثل المسرحيات التالية : ( الحي الميت ، الغريب ، الراعي ) .
ومن الشباب الذين ساهموا بهذه الأعمال المسرحية ( توفيق الفتيح ، عبدالقادر الفرحان الفياض، اسماعيل حقي ، عبد الكريم الفرحان الفياض ، ابراهيم المدلجي ، توفيق مطر ، عبود الشيخ عطية ، سعيد السيد ، فائق المضحي ، بشير الحاج فاضل ، اسماعيل الفراس..) .
كانوا يتكلفون بكل مستلزمات العمل المسرحي ، والعروض مجانية ، وتنتقل من مكان إلى آخر على نفقتها أو بعض المحبين الميسورين .في ذلك الوقت استطاع الشباب المثقف ان يرتقي بثقافته ويسخر امكاناته من أجل نجاح المسرح ايماناً منهم أن الطريق لتغير المجتمع حتماً يمر بالمسرح ويمارس دوره في صياغة المجتمع وتأثيره المباشر بينه وبين الجماهير ، عن طريق إثارة عقولهم ، والمزج بين خشبة المسرح وصالة المتفرجين وتحقيق التفاعل الجدلي بينهما ، وهذا ماعبر عنه الشاعر توفيق قنبر والفنان اسماعيل حسني والمفكر جلال السيد ، والباحث عبد القادر عياش وغيرهم من مثقفي المحافظة . بعد جلاء المستعمر الفرنسي نعم الناس بالحرية وتمكنوا من ممارسة العمل الفكري والسياسي وأسسوا النوادي لهذا لهذا الغرض …
سنتابع فيما بعد أهم النوادي التي تأسست ولعبت دوراً هاماً في تأصيل المسرح ودوره الريادي في نشر الثقافة والمتعة ….
خليل عبد اللطيف