كان الحر شديداً والتعب كان يسري في مفاصل جسدي إثر سهرة أمس اسندت رأسي على النافذة المغلقة عند المقعد الأخير مستعجلا السائق لينطلق شاقاً ذاك التيار الساكن فتلطف تلك النسائم المتسللة حرارة الجو لم أكد أغفو لأصحو على تغيير مسار سيارة النقل صعودا إلى مصياف وما أدراك بالصيف في مصياف سرت البرودة في جسدي … ثمة جمال آسر ومتغير يعيدك لنشاطك وصحوتك لتتأمل تلك المشاهد الخلابة على جانبي الطريق لم أكن وحيدا ولكن روحي كانت هائمة فوق تلك التلال والجبال وتساءلت أيمكن لفنان أن ينافس الزمن تلك الأجحار المتراصقة كما أدراج خبأت وأخفت ومهدت وروضت .. كما أنت عظيم أيها الإنسان يوم تحالفت مع عوامل الزمن وروضت الطبيعة لتعطي بأقصى إمكاناتها ولتصير لوحة أبدعتها الطبيعة والزنود السمر
هنا على متن الحافلة لازلت أراقب تلك البيوت المتناثرة مابين الأشجار والأحجار والخضار تقترب وتبتعد تهبط وتعلو لتجد نفسك ب موازاة خزانات المياه وفوق أسطح البيوت على حافة الوادي تعلو وتهبط حتى تصل وجهتك … ووجهتنا كانت روض من رياض الجنة ملائكتها بمنتهى الطيبة والكرم الأم والأخت أم حازم والأخ أبو حازم وأم حسين وخمسة أيام قضيناها في ضيافتهم ضمن الملتقى التشكيلي الثالث الذي جمعنا بأصدقاء وفنانين قضينا معهم أجمل الأوقات بكل ما يتخللها من عمل ونكات ونهفات منذ مطلع الفجر إلى استراحة ما بعد الظهر والعصر وإلى أحاديث السمر وسهرات الطرب تحت ظل القمر وأقول لا تكفي السطور والأحبار لنقل سحر الدقائق والساعات وتحتاج العربية لحرف سحري جديد قادر على والتسلل مابين الحروف والتبدل متصيداً ما كان ينتابنا من مشاعر في تلك اللحظات وفي صلب الموضوع صار علي أن أحكي عما قدمه المشاركون بالملتقى بدأاً بتلك الإدارة الحكيمة لفنان مشبع بالطيبة والهدوء
فنان القضية محمد الركوعي
الخط ركيزته الأساسية في التعبير وتعكس خطوطه أثر التراث والزخرفة الإسلامية من حيث الأسلوبية والتعاطي معها كما تعكس من ناحية أخرى مشاعر القهر والرغبة في الاحتواء فهو يبحث عبر تلك المنحنيات عن الأمن والأمان وعن وطنه الغائب في ثنايا الذاكرة وهو يعكس مشاعر التحدي والقهر في أشكاله حين تصير لتلك الخطوط زوايا قاطعة وحادة يشكل من خلالها رموزه وأشكاله كأصيص الزرع المحارب وأشجار النخيل والزيتون التي تحولت أغصانها لأشواك وتداخلت في بعض لوحاته مع صواريخ وطائرات كهلال صار قريب ورموز دينية أخرى كالصليب
أما مشاركته فقد احتوت تكوين مترابط لمجموعة نساء يرتدين الزي الشعبي الفلسطيني المزحرف متماسكات كعائلة مهجرة تبحث عن الأمل وسط خلفية من بنفس الروح
الطباعة الغرافيكية
معتز العمري تتجلى روح الأناقة والتنظيم في ابداعاته ولوحته التي يغطيها عبر فرشاة عريضة ب درجات من الألوان المتقاربة والمائلة للبني الكتيم ويوزع رسومه من خلال طباعة حريرية وقوالب محضرة مسبقا ليكشف عن رموزه لاحقا بخطوط فرشاة عريضة مشبعة بالأبيض المكسور لوني مغاير لتبدو كما ظلال غنية تمضي في مسير أفقي لتسرد قصصاً وحكايا ولدت في زمن غابر وتابعت طريقها عبر لوحته لتشق مسارا لها من اليسار إلى اليمين
غسان عكل تخدمه خبرته ومعرفته بأدواته في تحضير أساس خاص وناعم ضمن قابلية محدودة للامتصاص اللوني وعبر عناية فائقة بسطح العمل ثم طباعة غرافيكية وحروفية بمنتهى الأناة والصبر ليتخللها في المنتصف وعند النقطة الذهبية أبطال عمله وأشكاله الخاصة المشغولة بحس منظم وأسلوب زخرفي يميز طريقة تغطيته للمساحات اللونية ويشي بشخصية واضحة وقوية
التجريد
يتمثل ذلك الجانب من خلال الفنان سالم عكاوي ولوحته مفتوحة للقراءة من الجهات الأربعة كمن يرى العالم من الفضاء وثقته تأخذه لخربشات خطية وكتابات حروفية مبعثرة فوق سطح مائي متغير ليفرش بفرشاته العريضة ألوانه موزعة على أطراف اللوحة كمساحات تخفي وتضيء خربشاته الأولى وتسيطر مساحة الفضاء الأكبر رقعة والأخف كثافة وهو لا يتوانى عن العمل ضمن المساحات الأضيق وفق تقنية تراكمية للونين متكاملين ومتتامين ومتغايرين معتمدا عمليات الشطب والحف في تشكيل خطوط وحروف حرة وهو لازال يواصل تغطيته للمساحات عبر حذف واضافة واثقا بقدرته على التغير في معالم العمل نحو اتجاه تصاعدي يتجدد ليستقر حين يشعر الفنان بنشوة النصر نهاية العمل يعني موته لذلك عمل الفنان سالم عكاوي قابل للتغيير دوما
أما عبد المجيد نوفل فاللوحة بالنسبة له جدار أو حائط يمارس فوقه لعبته بدأ من مرحلة التأسيس الذي يغني اللوحة بأساس خشن لا يتوانى فيه عن إدخال فتات أوراق نباتية يابسة وحف طولاني أو عرضاني في مكان ما لتأتي بعض الخربشات والرسوم المتناثرة فوق السطح بأقلام الباستيل وليكثف لاحقا بالأخبار السوداء أوالاكرليك بعض زوايا عمله ويتابع معتقا جداره بدراجات متقاربة يكثفها في عدة زوايا ثم يمددها بماء اللون في أجزاء أخرى وهو يختصر مجموعه اللوني إلى الأسود والبنيات المنبثقة من دخول لون آخر ويترك بعض التواريخ والأرقام التي قد ترتبط بذكرى خاصة بالفنان وتبقى النقطة الذهبية في العمل هي البقعة الأكثر اتساعا وكثافة لونية ويشدك إليها عبر لمسة فرشاة مشبعة بعجينة لون بكر نقي كالأحمر أو التركواز
التعبيرية الوحشية الفينيق حسين صقور
كنت أرغب دوما أن أقرأ لوحاتي في عيون الآخرين وأقلامهم وطالما كنت مشاركاً كفنان وباحث فلن يضير إضافة شرح وتوضيح بالكلمات علها تكون الأقرب لفهم القارئ أنت تتذوق العمل بعيونك وحواسك وتتواصل معه عبر حوار صامت تلك هي القيمة الأساسية وحين يشدك العمل بالمزيد من التساؤلات لتعود إليه مرارا حينها فقط يكون قد حقق العمل غايته بكل بساطة كان للمكان أثر واضح والمتمثل في تلك العشوائية المنظمة للطبيعة البكر والمهذبة بسواعد الإلفة السمر فالقضايا التي كانت ولازالت تحركني هي التكنيك المرتبط بالتجريب وبفهمي للأدوات المستخدمة القادرة على ترجمة خلجات الروح هي التكوينات الخاصة عبير إيقاع حركي متواصل للخط وهي الأشكال المرنة والقادرة على التبدل باستمرار هي أيضا عدم ارتباطي بالعمل وقدرتي على التخلي عنه بشكل كلي أوجزئي قدرتي على الهدم والبناء على تغيير مسار الشكل هذا ما كنت أسعى إليه بالفعل الطرح السريع للمشاعر اللحظية ثم تركه أوالعودة إليه بروح قادرة على النسف التصاعدي وعلى السيطرة عليه
الفينيق حسين صقور