بطل آخر من رواية (“451 درجة فهرنهايت”) يتحدث عن الوضع الاجتماعي والسياسي المثير للشفقة لشخص المستقبل: “الأشخاص في عصرنا مثل منديل ورقي: ينفخون به أنوفهم، يجعدونه، يرمونه، يأخذون واحدا جديدا، ينفخون أنوفهم ، ينهارون ، يرمي “.
وفي روايتي بعنوان “الجثة “
اتعرف أشعر بالغضب! أشعر بالعجز وبالاختتاق وكأني محاصر . نعم إنه الحصار والعجز والحاجة. ليس لأنني لا أجد ما أسد الرمق فيه، ليس لأنني لأ أملك نقوداً، فذلك متاح، لكنه الشعور بالعجز، لأن كل ما حولك يشعرك بالعجز . احتياجاتك. خدماتك. الوصول الى طعامك. سيرك. كلامك .أنت مجرد جثة تتحرك، تحُرك.تُدفع هنا وهناك مع الحشود . طوابير، رد فعل غريزي. أصوات ثرثرة. مدينة ملوثة قذره، شوراعها مستباحة، أرصفتها منهكة. الصلوات فيها صراخ والاغاني نباح .
هل نسيت أنك إنسان؟ وأننا جميعاً بشر. هل تعرف ماذا يعني ذلك؟ مادة .جسد ورح، والروح وجود لا يفنى يجتاز المستويات والأكوان فوق الموت وخلف الولادة وتمضي. وليس مجرد جسد .جثة، تٌدفع هنا وهناك. وليس هناك فضل لجثة أكبر على جثة أصغر، فالروح المحبة والفكر الذي يميزها هما من يعطي الفضل، لا حجم الجسد عفواً الجثة. التعالي والمنصب والكرسي لجثة أكبر أو أصغر لا يعطي فضلا ولا حقاً في اغتصاب أو احتقار جثة أصغر، فالوعي والروح والفكر هي ترانيم السمو وليس قياس الكراسي والجثث .
من أنت؟ هل أنت ذلك الجنين الذي لم يولد بعد؟ أو تلك الروح الراغبة في المغامرة مع ذلك الجنين القادم، أما أنك ذلك الطفل الذي يدهشه كل شيء، أما ذلك الفتى المراهق الذي يظن أن قوانين الموت والمرض والحوادث لا تطبق عليه بل على الاخر، أما أنت ذلك الشاب.الرجل .وأخيرا الشيخ الهرم المتثاقل فوق جسده، في سير متسارع للخروج من الجثة .أما أنك تظن أن الموت نهاية، أو أنه مقّدر فقط للآخر .إنه أنت، مسارك ودربك الى الانعتاق أو الى المغامرة من جديد، وقد تصبج محاصراً دون جثة، إن ظللت متمسكاً بحصار الاخرين في هذه الرحلة وفي هذا التجلي ومع هذه الجثة …
إنه مسار دائري، لا بداية له ولا نهاية إلا عندما تحاصر نفسك، ولكنك تتحرر من كل ذلك عندما تصبح أنت. أي أنسان، وترى نفسك في الآخر . وعندها لا فرق بين لحظة وأخرى ومرحلة وأخرى، فالماضي والحاضر والمستقبل، كل ذلك، يتلاشى. لأنك حينها تقهر الحواس فيتغير الواقع، وتحيا ونحيا جمعيا الانتصار لأننا هناك واحد …وتنتهي فرصة أعدت للعب ..
كل التفاعلات:
٢١