الأديب من أدب وتأدب مقولة تميز حاملها، ضيفنا يحمل من صفات الأدب الكثير وهو الأديب الذي ألغى حدود الجغرافيا من خلال نتاجاته الأدبية.
حاورته : منيرة احمد
مرحباً بك أستاذ عماد أبو زيد، بداية بعض من نفحات سيرتك الذاتية:
بداية، الحمد الله الذي بنعمته تتم الصالحات، كتب القصة القصيرة والرواية، لكن الثانية ما زالت في الدرج، لم تر النور بعد. والقصة القصيرة، أزعم إنني كاتب مجرَّب، دائماً في محاولة للبحث عن الجديد والتجديد، ولدي الجرأة والإقدام أن أطرق أبواب جديدة لفن القصة القصيرة، اعتدت أن أكون مغامراً في هذا الفن القصصي، وإذا جاز التعبير “مقامرًا”، أراهن بأساليب وحيل جديدة؛ ولذا تتنوع طرائق الكتابة لديًّ، وتتباين الأدوات والتقنيات التي أبتكرها، وأستخدمها من قصة إلى أخرى، ومن كتاب إلى آخر.
ولذلك بعون الله وفضله، قدمت للمكتب العربية المجموعات القصصية التالية:
وخز – محاولة للانفلات – نصل – وتر هارب – رخصة قتل – مدينة آمنة – مسألة حياة – نثار كوؤس – جسر النار.
نفحات القلم \قلنا في المقدمة عنك: استطعت تجاوز حدود الجغرافيا لتكون نتاجاتك عابرة ليس للحدود فقط بل مرافقة للجمال، ولها متابعوها وطلابها، وهنا قد يسأل أحد: أنت برأيك المحايد حاليا متى يصل الأديب إلى هذه المرحلة؟
**هذا السؤال يحمل قدرًا كبيرًا من الإطراء، أتمنى أن أكون أهلًا له. وللإجابة عن هذا التساؤل، هناك أسباب عدة، بينها: إنني لا أقلد أحدًا، ولا أرضى أن تكون كتابتي شبيهة بأي كتابة، وأيضًا أنا لا تعجبني كتابتي باستمرار، ولا أعمل على استنساخ ما يعجبني منها، كما أرفض إعادة إنتاج نفسي. ومعظم كتاباتي ولدت من رحم الألم والمعاناة، وأزعم أن هذا ليس قولًا مجانيًا، فلقد شهدت تجربتي الحياتية منعطفات كثيرة بين الألم والأمل، وصعودًا وهبوطًا بين اليأس والرجاء، وبين الظلام والنور. وحالما إني أتعلق دومًا بحبل من الأمل والنور؛ فتتبدى كتابتي مشحونة بهذه الطاقة الإيجابية، وأرها تصنع من المعاناة بمطلقها على المستوى الإنساني، وليس لدي فقط، تصنع فنًا جميلاً مشوقًا. وبالإضافة إلى ما ذكرته، فإنني أعيد ما أكتبه مرارًا ومرارًا، وما بين الحذف والإضافة الكثير من الوقت، حتى أستقر على النسخة الأخيرة من الفن الذي أقدمه.
نفحات القلم \ متى يلجأ الأديب للترميز في نصوصه؟، وهل كثرة الترميز في نصوص الأديب، في رأيك أمر يحسب للكاتب؟
**نحن أمام أمرين، أما أن يحسب له أو ضده. فكثرة الترميز، وكثرة الإسقاطات قد تفسد أجواء العمل القصصي، وتنقله
من براحه إلى براح مفتوح غير مقيد بجنس أدبي. وربما يضحى الإيغال في استخدام الرموز مفضيًا إلى الإبهام والغموض، ومن ثم وقوع القارئ في براثن متاهة كبيرة.
نفحات القلم \ماذا عن سلامة قياس جودة الأدب هذه الأيام في عالم الكتابة الرقمية؟
**مفهوم الجودة، مفهوم شائع الاستخدام الآن، وله معاييره ومقاييسه على مستوى المنظمات الإنتاجية أو المنظمات الخدمية، وعالم التكنولوجيا الرقمية، ووسائل الاتصال الاجتماعية الحديثة، جذبت فئات كثيرة لاستخدامها، والتعبير عن آرائهم وذواتهم، ومنهم من ولج إلى محراب الشعر والقصة والرواية دون أن يعرف أركان الوضوء والصلاة.
نفحات القلم \أستعير بدايةً لسؤال لك، عنوان قصة قصيرة لك (ليس هناك شيء مؤكد): هل من شيء مؤكد لأسأل
هل نستطيع طرح هذا السؤال في ميدان الأدب؟، وهل نستطيع تأكيد صلاحية كل ما يطرح بين أيدينا
من نتاج ليكون فعلا أدبا حقيقيًا نتكئ عليه؟
**لا ينبغي اعتبار هذا حكمًا مطلقًا على كل ما يقع بين أيدينا من نتاج أدبي، فحتمًا الجيد يطرد السيئ والخبيث. وللحكم على صلاحية كل ما يطرح علينا فهو متروك لذائقة المتلقي، وهي ذائقة عابرة لا يعول عليها بجدية، ولها أسبابها وروافدها الخاصة بها، وهذا قياس أظنه غير جيد، وعمره قصير. والأصوب في اعتقادي للحكم على صلاحية النتاج الأدبي فهو متروك للزمن، وهو قادر على غربلة الجيد من الخبيث، وأزعم أنه مقياس جيد، وتأسيسًا عليه لابد أن تكون هناك فجوة بين الحالي / الآني والمستقبل في معايير الحكم على ما يقدم من إنتاج أدبي.
وينبغي ألا ننسى أن الإبداع يسبق النقد.
نفحات القلم \من خلال متابعتك ونشر بعض من نتاجك، لاحظنا توجهك لفئة الكبار في قصصك، هل خضت تجربة الكتابة للأطفال؟
***إذا كانت كتابة القصة القصيرة كتابة عصية، فأعتقد أن الكتابة للطفل كتابة ربما لا يرضى الطفل ذاته عنها، وهذا معيار لابد للكاتب الموجه كتابته للطفل أن يأخذه في الحسبان. لي بعض المحاولات في هذا المضمار، لكن إلى الآن لم أوليها جل اهتمامي.
نفحات القلم\ماذا عن علاقة الإعلام بالأدب، من حيث التوافق، أم التضاد والتنافر، وأيهما حامل للآخر برأيك؟
**هي علاقة مركبة وتوافقية في المقام الأول؛ والإعلام بوسائله المختلفة بدايةً من الكتابة المسمارية، والنقش، ثم القلم والطباعة.. إلخ، حاملاً للأدب وينقله من مكان إلى آخر.
نفحات القلم \ما القصة التي لم تكتبها بعد، ولماذا؟
**حالما هناك حياة نعيشها كل يوم، هناك قصة لم تكتب بعد.
نفحات القلم \قصة قصيرة تخص بها موقعنا
** عند انحناءة أبو النور.. قصة /عماد ابو زيد.
—————————
هذا الرقم، مازال على قاعدة بيانات هاتفي. كم كان مزعجًا جدًا، فكرت في حظره من قبل، لكنني كنت أتحمل على نفسي، وأتركه، فربما تهاتفني عبره صغيرتي مرام. صاحب الرقم من صنوف الناس الذين يكيلون الأمور بمكيالين، لنفسه وأهله مكيال، وللناس جميعًا مكيال آخر، ومن بين ذلك، إذا سبت ابنته زميلة لها أو عاملة في محل ما، أو جارٍ لهم لأي سبب تافه، أو إذا اختلف ابنه مع زوجه، وقد قام بتعنيفها، وإلحاق الأذى بها دون سبب يستدعي ذلك، وقد جاءوا يبثوا شكواهم إليه، فمن المستحيل أن يقرهم على صحة ما قالوه، يقلب المائدة عليهم، يكذبهم، ويزعم أنهم هم المخطئون.
لم يعد يتصل بي، كثيرًا ماكنت أتحسب لردي عليه، وأتمهل دقيقتين، أو أرد عليه في محاولة اتصاله للمرة الثانية، وأنا أقول:
– يارب اجعله خير.
اعتدت منه في كل مرة يهاتفني فيها، أن يفجر مشكلة، كأنما يشتهي الشر، أحيانًا أقول في نفسي: ” رجل فاضي عايز يشغل وقته بأي موضوع بعد إحالته للتقاعد”. لم أعد أراه جالسًا على مقهى الطويل، أمر من أمام المقهى عند الثانية ظهراً في كثير من الأيام، وأنا نازل من القطار، ولا أراه، ولا أرى أصدقائه، شيء محزن حقًا إنني لا أراه.
اعتدت رؤيته، كما اعتدت سماع صوته عبر الهاتف، أترى زوجه النكدية منعته من الخروج، أم هو مريض؟ أو….
كم أنا خجل من نفسي؛ ففي ذات ليلة دعوت الله أن يحول بيني وبين أذاه، ويصرفه عني. لا أدري، لكنني كنت على يقين إنه رجل ضعيف، يميل إلى زوجه، هذا تعبير لطيف جدًا، قاله صديقه فراس حمام، حين اشتكيت له من زوجتي وأهلها. يروق لي الصديق الذي يستر عيب صديقه، ويتحفظ على زلاته.
– هي أمرأه تتخانق مع دبان وشها.
هكذا قال عنها شقيق حماي أيضًا، وقد أخبرني بكثير مما كنت أجهله عن أحوالها المريبة، وتصرفاتها المزعجة، وقد حكى الرجل لي عن إفسادها للعلاقات الحميمة بين أخيه وأخوته، وتعطيل سريان صلة الرحم معظم الوقت.
حماي لم أعد أراه في الشارع، مازلت أتطلع إلى رؤيته أمام مكتب البريد في أول كل شهر؛ حيث يصرف معاشه، ومازلت أرنو إلى وجهه عند انحناءة شارع أبو النور، وددت أن نجلس معًا، وأقول له:
– أنا لم أكن أكرهك.
رسالتك للموقع وللقراء.
القراءة والصبر والمثابرة والإخلاص للكتابة مفاتيح للكتابة الجيدة.