نعمه العبادي
– النقاش في قضية الحسين (ع) وكل ما يتصل بها، له مستويان، الاول مستوى الاختلاف عليها من حيث المبدأ، والذي وصل حد النقاش في تبرئة يزيد لعنة الله عليه من قتل الحسين واهل بيته، وهذا نقاش عقيم، لا يبحث عن حقيقة ولا يطلب معرفة، وهو نفثات كره وحقد وحنق، أصله كره علي عليه السلام، وتتفرع منه الكراهات الاخرى، ولذلك سوف يعترض على كل شيء حسيني مهما كان، منطلقا من هذه الكراهة والحقد، ومن الضروري السكوت عنه وإهماله وتجاوزه بالمطلق، فهو يتمنى الرد وتأجيج الامور، فلا تمكنوه من تحقيق غايته، واما المستوى الثاني، وهو المتفق على المبدأ، والمختلف في التفاصيل، وهذا على مستويات واشكال، بعضه موضوعي وجاد ومخلص، وهو ما يستحق الاصغاء والحوار، وكثير منه إما ساذج او مجرد لغو او استعراض عضلات او متأثر بالمستوى الاول، او حب ظهور ومخالفة، وكل هذه الاشكال، علاجها الصمت والاغضاء، والتمسك بحب محمد وآله، فهم حبل النجاة والعروة الوثقى.
– تطبق الاحاديث والروايات والسيرة اللفظية والعملية وما يمكن ان يستمد (مأولاً) من القرآن الكريم، ان مصيبة ورزية الحسين (ع) عظيمة، بل الاعظم والاشد والاحزن، بالقياس الى مصائب الدهر كله، وهذه العظمة والتفرد، لم تنشأ من جانب واحد مثل خسة القتل وفضاعته او سبي النساء او حجم التضحية ونوعها، بل هي ناشئة من جملة اسرار ربانية خاصة، ارتبطت بهذه الحادثة العظيمة، والتي يسري اثرها ومفعولها (لما قبلها وما بعدها من التاريخ)، ومهما قيل عنها من احاديث، يبقى امرها، أعظم واكبر واشرف، بل وستبقى بعض اسرارها الى يوم القيامة، وبناء على هذا، فالاحتفاء بالحسين وقضيته، لا بد، ان يأتي على هذا القدر من العظمة والهيبة والحب، لذا، فإن المعترضين على حجم ونوع وتفاصيل ما يجري من تعظيم وحب وولاء للحسين في مظاهر محترمة ولائقة، إما ان يكونوا قاصري النظر او من الحانقين والكارهين، لذلك نقول، نعم لتعظيم وتقديس واظهار عظمة قضية الحسين وفاجعتها، لكن ذلك لا بد ان يكون بطرق لا تضر بالهدف المقصود، وتنقلب الى خلافه، او تتيح للمتصيدين بالماء العكر فرصا، للنيل من محبي الحسين عليه السلام.
– في طول النقطة السابقة، المشي الى الحسين تعظيما لمصيبته، وتجسيدا للحب والولاء، وإظهارا للتفجع والحزن، وقصدا لائقا بزيارة الحسين، وفرصة لتحدي الاعداء والمنافقين، وحيزا يتيح تعميق الاواصر وتجسيد المعاني الفذة، وجوهر المسير وحقيقته، ان يقصد الانسان الحسين عليه ماشيا على قدميه (بوصف المشي اكثر إجهادا للنفس، واعظم توقيرا للمقصود، ويجلي الحب والشوق بشكل اوضح)، وهذه الغايات هي الضابط الحقيقي لفلسفة المشي، بعيدا عن التنافس في طول المسافة وقصرها، وسرعة المشي من عدمه، إذ المهم، ان يكون المشي محققا لقصد الاعتناء والتعظيم والحب وإلتماس القرب، ومن هنا، لا نحتاج الى (من البحر الى النحر)، ولا اختيار مسالك تعرض الانسان للخطر مع عدم الحاجة إليها، ويفرض علينا ذلك، ان ننظر بعين الاعتبار إلى اولويات المصالح والمفاسد، فحشمة المرأة وحجابها مقدم على هذا التعظيم، والصلاة في وقتها مقدمة، وعدم الاضرار بالآخرين مقدم، والحفاظ على النفس من التهلكة مقدم، وهكذا، ينبغي حساب الامور بشكل دقيق وواضح، وليعلم الجميع، ان خطوات قصيرة بوعي واحساس وقصد صادق، تنتج ما لا تنتجه مسيرة آلاف الكيلو مترات.
– طبيعة مسيرة المشي الى الحسين عليه السلام، شعبية بسيطة، قوامها عامة الناس من البسطاء والمحبين (طبعا هذا لا ينفي ان المسيرة مليئة بالعلماء والنخب واهل المعرفة وعلى رأسهم مولانا الامام الحجة عجل الله تعالى فرجه)، لكن صفة الشعبية هي الغالبة، لذلك فإن تحميل الناس مطالب وعي وتأملات خاصة اكبر من طاقتهم، مطلب غير منصف، فهؤلاء بتلقائيتهم وفطرتهم، يقصدون الحسين ويعظمون قدره، ويجددون الحزن عليه، وينقلون ذلك بصور مشرقة الى العالم، خاصة من خلال حجم العطاء الذي يقدم اثناء المشي الى الامام الحسين عليه السلام، وإن تحصيل بعض الاهداف العالية، مثل توظيف اهداف ثورة الحسين عليه السلام وعكسها على واقعنا، تحتاج ان يتم ذلك عبر ادوات واعية، وجهد منظم، وطرق ذكية في التحفيز والربط بين الواقع وقضية الحسين، فلا يتحول الناس الى عابس وحبيب بمجرد ان نقول لهم، كونوا كعابس.
– إنطلاقا مما اشرنا إليه في النقطة السابقة، فإن هناك هدفين كبيرين وعظيمين، ندعو الى العمل على تحقيقهما في اطار ما يمكن تشكيله من وعي وبصيرة خلال مسيرة المشي الى الامام الحسين مع الالتفات الى طبيعة هذه المسيرة، الاول: ان يلتفت المؤمنون القاصدون الى الحسين الى وجود اهداف ومقاصد وقضايا توحدهم في مسير وطريق واحد، رغم كل الاختلافات الجزئية، وإن الالتفات الى الاهداف العظيمة والكبيرة والحقيقية، كفيل بأن يجعلنا نتجاوز الخلافات والتقاطعات الصغيرة، والتي ساهمت بشكل كبير في تفتيت قوتنا واضعاف مواقفنا، ولينتبه السائرون، انهم اقرب للوحدة والوفاق والاتفاق منه الى الخلاف والتقاطع والتنابز والصراع الذي يجري في الواقع (قبل وبعد المسير الى الحسين)، لذا ينبغي ان يتم التركيز على هذا الهدف بوصفه المفتاح الاساس لكل الاهداف الايجابية والمهمة الاخرى، خاصة وأن فيه قرة عين لمحمد وآل محمد عليه السلام، واما الهدف الثاني، فهو التنبيه الى حجم التضليل والتدليس الذي يمارس على الحقائق، وهذا التناصر الباطل لحزب الطاغوت على اهل الحق، وكيف يتماهى هذا العالم الذي يتشدق بوعيه وديمقراطيته وعدالته مع الظلم والقتل ويسانده ويشجعه، فالبصيرة بهذا السلوك العالمي، يدفع المؤمنين لاتخاذ المواقف الصحيحة ومناصرة الحق بعيدا عن العواطف الآنية والرغبات الشخصية، وهذا الهدف ايضا، يحتاج الى جهود منظمة لتبصير السائرين به، واستثمار مسيرة الحسين عليه السلام لتحقيقه.
– المواكب واهلها وخدمتها، قصة فخر وحكاية ولاء وعلامة ايمان، تدعو للافتخار والبهجة، وكانت احد العوامل المهمة على ادامة زخم الزيارة وكثافتها، وهونت المصاعب والمتاعب، فهؤلاء الذين الذين ينذرون وقتهم وجهدهم ومالهم وكل ما يستطيعون طول السنة، ما بين التحضير والتدبير والتنفيذ، جزاهم الله ألف ألف خير، وجهدهم بعين محمد وآله، ويحتاج عملهم الى مساعدة وتكافل ووعي من الزائرين، وصبر منهم وتحمل كرامة للحسين عليه السلام، والصورة العامة لهذه المواكب واهلها مشرقة وناصعة، ولكن تنامى في السنوات الاخيرة طبقة ممن يحسبون على خدمة الحسين، اتخذوا هذا الامر مدخلا للشهرة وكسب المال او تحقيق مكانة اجتماعية ودينية، بل ومصالح سياسية وشخصية، والاخطر من هؤلاء من كانت مواكبهم، اوكارا للافكار المنحرفة والشاذة والمغالية، ومدخلا للشيطان، فضلا عن مختلف السلوكيات المنحرفة، بل، لا يستبعد، ان يكونوا ادوات الى جهات مغرضة ومعادية (داخلية او خارجية)، لذا يتطلب جهد منظم وواعي من باقي المواكب ومن الزائرين، لفضح وكشف وتعرية هذه الاوكار والغدد السرطانية، واستئصالها من جسد الحب الحسيني الانيق.
– ايها المنظرون والمتشدقون بحب الفقراء والمساكين، والذين تعيدون العزف كل سنة على وتر، لو تم انفاق هذه المبالغ والطعام للفقراء والمساكين افضل من المشي والزيارة، اصمتوا وكفوا من هذا النفاق، فتلك ابواب الفقراء والمساكين واذهبوا لها ولا تقصروا، فلكل من الامرين مكانته وثوابه واهميته وقصده، فإذا كان في نظرك المشي والبذل في طريق الحسين غير مهم او اقل من مساعدة الفقراء، فهذا فهمك وشأنك، لان هناك اهداف ومقاصد عظيمة في ادامة ذكر الحسين واعلاء شأن شعائره والبذل في سبيله وهو سبيل الله جل وعلا، والناس التي تبذل في هذا الطريق، تعرف الفقراء وتدرك اهمية مساعدتهم، بل كثير منهم من الفقراء اصلا، ولكنهم يجدون في البذل في طريق الحسين عزة وكرامة ورقي في الايمان ومفتاح للبركة والخير، لذلك كفوا ألسنتكم، واتركوا الناس بعشقها وحبها للحسين عليه السلام.
– على الجميع ان ينتبهوا الى ان كل من دخل في مسيرة الحسين وزواره صارت هويته الحقيقية (حسيني)، وهذه الهوية تتجاوز القومية والعرق والجغرافية والدين والمذهب، وكل المشخصات الاخرى، فلكل حسيني زائر حق الاحترام والتقدير والخدمة والمساعدة، بشرط ان يحترم مسير الحسين وزيارته، وان لضيوفنا ضيوف الحسين من خارج العراق حق مضاعف، فلنكرمهم كرامة للحسين عليه السلام، ليبقى العراق بيت الحسين وصاحب المصيبة وولي الدم الى ان يشاء الله.
حفظ الله زوار الحسين وجزى خدمته ألف خير وثبتنا الله واياكم على نهج محمد وآل محمد، ونسألكم الدعاء
كل التفاعلات:
Loubna Nabil Mortada و٤٦ شخصًا آخر