تشير معاجم اللغة إلى لفظ ( لَبَّخ ) على انه تضعيف ( لبخ ) بمعنى لصق وألصق ؛ ولَبَّخ الورم : وضع عليه اللبخة .
ولَبَّخ : جسمه من الضرب وتلبّخ ، ازرقّ وظهرت عليه آثار الضرب .
وتعني كلمة لبخة في المدلول الشعبي : المَسطُول ، وهو الأبله أو المشدوه المحيّر .
و ( اللبخة ) عجينة من مواد خاصة ، تفرش أو تنشر بين طبقتين من قماش خفيف ، وتوضع على مكان محدد من الجسم ، لاحداث تأثير مهيج أو ملطف لهذا المكان ، وتوضع اللبخ ساخنة أو في درجة حرارة الجو .
و تستعمل عادة لمساعدة تصريف الالتهاب الحاد ، أو لمساعدة تجمع الصديد في الالتهابات ، وكذلك تستعمل لتخفيف الآلام في حالات الالتهابات المزمنة ، أو لتقليل الاحتقان من بعض الأعضاء الداخلية مثل الرئتين أو
الكليتين .
وتعد اللبخة من العلاجات الشعبية التي كانت منتشرة كثيراً في الماضي قبل اختراع البلسم والمراهم المختلفة الأصناف والمتعددة التسميات ، بعضها من جربها مرة ،
لا يعيدها بالمرة .
وكثيراً ما كان يصاب ابن خالة لي ، نلقبه بالشيطان الأزرق بدُمَّلٍ أو جرح مُتَقَيِّح ، فتعمد جدتي الحاجة ( جميلة ) هكذا اسمها وهي اسم على مسمى ، أو كما قال القائل : لكل إنسان من اسمه نصيب ، رحمها الله تعالى ، إلى بصلة يابسة تقشرها وتهرسها ثم تأخذ ماءَهَا فتعجن به قليلاً من الطحين ، وتحصل بذلك على عجينة بماء البصل ، كانت تأخذ منها قطعة صغيرة كل يوم ، وتمدها على قدر مساحة الدمل أو الجرح المتقيح ، وتطليها بقليل من زيت الزيتون لئلا تَلتَصقُ بالجلد ، ثم تضعها على الدّمّل أو الجرح ، وتُضَمِّدُها ، وكان ( الجني الأزرق ) يشفى سريعاً بهذا العلاج .
ولاريب أن جدتي ( جميلة – أم توفيق ) رحمها الله ، قد تفوقت على الكثيرات من الدايات ، والداية هي الظئر : الحاضنة ، وتُعرف بها التي تولّد الحامل ، أو المشتغلات بالقبالة والتمريض ، ويكنّ عادة من النساء الطيبات اللواتي يحفظن الأسرار ، ويحافظن على ثقة الناس على مدى الزمن .
ولعل جدتي تتفوق أيضاً على بعض أطباء هذا الزمان ، عندما كانت تَصنَعُ مَرهَماً من مَهرَوس الثُّوم مع قليلٍ من الشمع ، والفازلين ، وكنت أرى الجيران يقصدونها ليأخذوا قليلاً من لبخات مَرهَم الثوم هذا ، لمعالجة الجروح والقروح ، وكانوا يشفون بسرعة والحمد لله تعالى بفضل هذا المرهم العجيب ، و ” الدراهم كالمراهم حطها ع الجرح يطيب ” ، كما تقول جدتي الجميلة جميلة التي سرعان ما تستعيض عن هذا المثل بمثل آخر عندما يذكر أمامها ابن حارتنا الذي تقلد منصباً رفيعاً في الدولة ، فتقول : ” الدراهم مراهم تخلي للعويل – الوضيع – مقدار وبعد ما كان بكر يسموه الحاج بكار” وهي التي أشرفت على ولادته ورفضت أن تتقاضى من أهله فرنكاً واحداً ، حيث كل عملها لوجه الله .
أما سبب مضرب هذا المثل كما يقول أبناء الحارة ، ان مجموعة من رجال الحي شكلوا وفداً شعبياً وذهبوا إلى تهنئة ( بكر ) بمنصبه الجديد ، وفي طريقهم إليه كانوا يمشون كالطواويس ، ويا أرض اشتدي ما حدا قدي ؛ ابتهاجاً بابن حارتهم العتيد ، وهذا ما دفع بعض أبناء الحارات الأخرى لأن ينضموا لهذا الوفد العرمرم ، فيما تساءل قسم منهم عن آلية نقل ( نفوسه – خانته ) مكان قيد سجله المدني إلى حارتنا .
ولو قيض لفنان تشكيلي أو مصور بارع أن يشاهد هذا الوفد المصون ، كان سيحوز لا محالة على جائزة التراث الشعبي بسبب اللوحة الفلوكلورية التي من الصعوبة بمكان أن يجتمع بها الشروال مع الطقم الرسمي ، والقنباز مع ربطة العنق ، والعصا مع الطربوش الأحمر والقبعة الفرنسية والشماخ ، والسيدارة مع الكاسكيت ، ناهيك عن قبعات الكاوبوي ، والحذاء الشاموا مع شحاطة الكسر .
لم يطل الوقت كثيراً أمام وفد المهنئين حتى خرجت من مكتب سيادته ، سيدة أنيقة ، أغلقت الباب خلفها بإحكام ، وقالت بنزقٍ : بردون .. المسيو ….. يقول لكم سلامكم وصل ، بإمكانكم أن تعودوا إلى أعمالكم بسرعة ، ولا تنسوا أن تدونوا أسماؤكم وأنتم تخرجون من غير مطرود ، في مكتب الاستعلامات ، هذه توجيهات معاليه … ؛ وعندما علت بعض الهمهمات ووشوشات من كلام ، تلوت السيدة الأنيقة كأفعى رقطاء ، وقالت : سعادته لا يريد ضجة هنا .. انصرفوا ، وبلهجة قاسية أضافت : شرطي بوليس اتصرف ..!
وإن كان بعض أعضاء الوفد لا سيما الموظفين منهم قد سُرَ بتسجيل اسمه إلا أن معظم الوفد شعر وكأن لبخة سميكة ضربت على وجهه وكأنها لزقة بيطارية .
ولا يختلف حال اللزقة البيطارية التي كان من الصعوبة زوالها لما أصاب الموظفون من أعضاء الوفد بلبخة أشد قسوة ، لم يستطيعوا التخلص منها مدى العمر ، عندما فاجأهم معتمد الرواتب بحسم أجر يوم كامل لعلة الغياب غير المشروع عن العمل ، بناءً على أوامر معاليه .
ولعلك يا صديقي تناجي نفسك بالسؤال ، لماذا هذه المداخل والمخارج وما بينها من منعطفات ، كما وردني في التعليقات من إحدى السيدات الراقيات ، أو بالأصح كأنها لعبة الثعلب الذي فات … فات وبذيله سبع لفات .
لا شك أن اللبخة قادتني إلى ذلك ، سيما وإن ابن الجيران قرع الباب علينا صباح اليوم يطلب بصلة من اجل أن يتناول والده فطوره من المسبحة والحمص الناعم ، حيث لا يطيب له هكذا طعام إلا بالبصل وقد انقطع جيراننا من البصل منذ أكثر من شهر ونيف .
ولم يمض ِ من الوقت دقائق حتى عاد الولد ثانية ، وقال :
– عمو .. نسيت قلك بيسلم عليك أبوي كتير ، ولسه بدو فحل تاني .
ناولته رأس كبير من البصل اليابس ، وقلت له :
– لا تنسى تسلم على أبوك كتير كتير ، وقل له هذا آخر فحلٍ لدينا ؛ لقد ( نضبت الفحول ) .
وعند الظهيرة حضرت بنت جيراننا ( رندة ) الحلوة وقد شبت الطفلة الصغيرة وصارت صبية يشار لها بالبنان ،
و ” البنت متل المزبلة بتكبر بسرعة ” ، حيث تجاوزت ربيعها السابع عشر ، فطلبت رأس من الثوم ، لأنه كما قالت : ” جاي على بالي اتغدى بيض بتوم ..، مشتهيته ” ، يا الله ما أجمل كلمة ( مشتهيته ) عندما نطقتها رندة بغنجٍ ودلالٍ ، فتمنيت أن أكون آنذاك رأساً من الثوم ؛ ثم قلت في سري : وأنا أكثر منك شهوة لكِ .
اللاذقية ٣٠ / ٦ / ٢٠٢٠ …… / للحديث تتمة .