قراءة معمقة للباحث
محمد ابوزيد محمد
الجزء الأول
إذا كان الحاضر جزء من التاريخ ، من العملية التاريخية ، فإن فهم وتفسير الواقع الذى تعيشه منطقتنا ، بكل مراراته ، والمتمثل فى إستخدام الأرهاب الدينى كأداة طيعة بيد رأس المال الدولى – بطبيعته العدوانية – فى إثارة الفوضى ، وهى السمة التى تميز الهجمة الإمبريالية الشرسة ، الرامية لتفتيت المنطقة العربية وإسقاطها لصالح اهم مشروع إستعمارى فى المنطقة وهو الكيان الصهيونى . محاولتنا للفهم تقتضى تناول العملية التاريخيةالتى شكلت ظاهرة الإرهاب الدينى ببعدها المؤسساتى حيث تنجح جماعة منفلتة ومارقة دينيا بفضل الإلتقاء بأطماع قبيلة نجدية ، فى خلق كيان سياسى وجد فيه رأس المال الإنجليزى ووريثه الأمريكى ضالتهما المنشودة ..
دعونا نرى ذلك وإن كنا سنركز على الخطوط العريضة لتشكل العملية ، سعيا للإمساك بقانون الحركة لتلك الظاهرة .
– عندما ولد محمد بن الوهاب ( مؤسس الوهابية ) كانت قد مرت على هجرة الرسول عليه الصلاة والسلام من مكة إلى المدينة ١١٠٦ عاما هجريا ( تذهب بعض المؤلفات الى ان ولادة محمد بن عبدالوهاب قد كانت سنة ١١٠٦ هجرية والتى توافق سنة ١٦٩٦ ميلادية ، بينما ذهبت مصادر اخرى الى ان بن عبدالوهاب قد ولد سنة ١٧٠٣ ميلادية – ويمكنكم مراجعة ذلك فى مؤلفات : جرجى زيدان – والمستر جورج يانج – وعبدالرحمن الرافعى – والجبرتى – ولوتسكى – وسعاد السيد مارسو – والتى سنشير لكل منها تفصيلا فى موضعه ) نقول انه فى ذلك الوقت لم يكن المسلمون فى بلاد الحجاز ، وفى الشام ، والعراق ، ومصر ، بحاجة إلى من يعلمهم تعاليم دينهم ، ولاسيما وان ماأتى به محمد بن سعود هو نمط صحراوى للإسلام ، شديد الغلظة والتشدد ، لا مكان به لرقة قلب ، او تسامح نفس .
فأساس المذهب الوهابى هو ( ان الله وحده هو كل شئ ، ولا يجوز التوسل إليه بسواه ) ..ويمكن تلخيص تعاليم الوهابية فيما يأتى : –
١ – الصلوات الخمس ٢- صوم رمضات ٣ – تحريم المنكرات
٤ – تحريم الزنا ٥- تحريم الخمر والميسر ٦ – اداء الذكاة
٧ – منع الشهادة الزور والتشدد فى معاقبة فاعلها ٨- تحريم الربا ٩- الحج ١٠ – منع التدخين
١١ – منع الرجال من الزينة ولبس الحرير ١٢ – هدم المزارات والقباب على أضرحة الأولياء لأنه يعتبر من الوثنية ويشغل الناس عن التوجه لوجه الله ١٣ – فتح باب الاجتهاد امام كل من يستطيع الاستنباط من احكام القرآن ١٤ – ألا إعتماد لإنسان إلا على ما يقدم من الأعمال الصالحة . ( رجعت فى ذلك إلى المراجع الاتية : جرجى زيدان – تاريخ مصر الحديث مع فذلكة فى تاريخ مصر القديم – الجزء الثانى – مكتبة مدبولى ١٩٩٩ – ص ١٥٦ : ١٥٧ ، المستر جورج يانج – تاريخ مصر من عهد المماليك إلى نهاية حكم إسماعيل – تعريب على احمد شكرى – مكتبة مدبولى ١٩٩٦ – ص ١٠٨ : ١٠٩ ، لوتسكى – تاريخ الأقطار العربية الحديث – دار الفارابى ..بيروت – ط ٧ سنة ١٩٨٠ – ص ٩٥ : ٩٦ ، عبدالرحمن الرافعى – عصر محمد على – دار المعارف ط٦ – ص ١٢١ : ١٢٣ ، عبدالرحيم عبدالرحيم – الدولة السعودية الأولى – القاعرة ١٩٦٩ – ص ٢٠٢ )
ولقد بدأ محمد بن عبدالوهاب دعوته من خلال ممارسات جعلته اقرب إلى الإتيان بدين جديد ، وبتعبير أدق فقد سعى حثيثا لتكريس ايديولوجية تنطوى على هدم اكثر من ألف عام من تاريخ الإسلام .وكان دافعه لذلك هو توفير السند الدينى والرحى الذى يحتاجه بنو سعود لإطلاق العنان لمشروعهم الرامى إلى الإستحواز على نجد ، والسيطرة على الحجاز .
ففى مستهل دعوته قدما بن عبدالوهاب نموذجا شاذا وفظا لإسلامه ودعوته . فحين جاءته إمرأة عاهرة تلتمس التوبة على يده ، فنهرها وردها أولا وثانيا .فجاءته ثالثة فأستغرب أمرها وسأل قومه إذ كانت مجنونة فقالوا انها فى كامل عقلها ، لكنها شردت عن طريق التقوى وتريد الرجوع إليه . فحكم عليها بالاعدام لأن ضميرها لم يوبخها يوم إرتكبت تلك الرذائل . ( هذه الواقعة متفق عليها فى كافة المصادر التى تناولت تاريخ الوهابية . وقد اخذنا الجزء السالف إيراده عن جرجى زيدان – مرجع سابق الاشارة ص ١٥٦ ) . ولما علم أمير الإحساء بهذا الحكم الجائر بعث إلى شيخ العيينة ( مسقط رأس محمد بن عبدالوهاب والتى تقع بأقليم العارض من نجد ) ان يقتل محمد بن عبدالوهاب أوينفيه .فأمر بإخراجه من بلده على أن يدس له من يقتله .
هذه الواقعة كانت بمثابة المناسبة التى دفعت بأمير الدرعية ( من إقليم العارض ) محمد بن سعود بأن يستأذن محمد بن عبدالوهاب ليأذن بإستقدامه إليهم ،فأذن لهم بذلك ، فبعثوا إلى شيخ العيينة ان يوجهه إليهم ، فأرسله فى خفاره فارس أسر إليه أن يقتله
أثناء الطريق ، لكن الوفد الذى أرسله محمد بن سعود لإستقبال محمد بن عبدالوهاب حال دون قتله . ( جرجى زيدان – المرجع السابق ص ١٥٧
_ اعلن الأمير محمد بن سعود مناصرته للتعاليم الوهابية ، وتعاهد مع محمد بن عبدالوهاب على التعاون فى نشر دعوته على أن يؤيد بن عبدالوهاب سيادة بن سعود بين العرب ( ١١٥٧هجرية – ١٧٤٤ميلادية ) وإمعانا فى توطيد العلاقة بينهما تزوج ابن سعود من بنت محمد بن عبدالوهاب التى أنجبت له إبنه عبدالعزيز ( الأول ) الذى خلف أباه عند موته سنة ١٧٦٥ م ( انظر فى ذلك عبدالرحمن الرافعى – مرجع سالف الاشارة – ص ١٢٣ ، جرجى زيدان ص ١٥٦ : ١٥٧ ، جورج يانج – مرجع سابق هامش ص ١٠٩ )
_ ومن باب التأصيل المنهجى للدور الذى لعبته الوهابية فى توجيه أحلام وأطماع بنى سعود إلى السيطرة على شبه الجزيرة العربية ، يمكننا القول أن الوضع عشية الدعوة الوهابية كانت يتميز بإقليم نجد بمجتمع شديد البداوة ، يرتكز على ركائز قبلية ، وكان الوضع اقرب مايكون إلى التوازن القبلى ، فلم تكن هناك قبيلة سائدة . وكان سعى بنى سعود إلى السيادة والزعامة مرتبط بتدخل عامل شديد الأهمية وهو العامل الدينى . هذا العامل مهمته تحديد الغاية التى تجرى نحوها القوة التى نالتها القبيلة ، وأن يشحذ من تلك القوة ، وأن يسير بها نحو طريق يحول دون أن ترتد هذه القوة المكتسبة إلى القبيلة نفسها . ( انظر فى ذلك د. طه حسين – فلسفة إبن خلدون – ص ١٢٠ ) .
_ هذا العامل الدينى الذى وفره محمد بن عبدالوهاب لبنى سعود كان يحتاج إلى قوة العصبية كأساس لقيام الدولة السعودية . فالعصبية تبرز كأساس سياسى للمجتمع البدوى ، وكأساس متوارث لسلطات الدولة ، وكقوة لا بد منها لتوطيد الدولة الناشئة وإسقاط الدولة الهرمة . فالعصبية قوة سياسية خطيرة على إمتداد التاريخ ، وحتى الدين بالنسبة للعصبية ليس أكثر من عامل مساعد حيث يقول إبن خلدون أن الدعوة الدينية من غير عصبية لا تتم ( انظر رسالة الدكتوراة القيمة للباحثة الروسية سفيتلانا باتسييفا – العمران البشرى فى مقدمة ابن خلدون – ونحتفظ بنسخة مصورة من الاصل الموجود بمكتبة الاقتصاد بكلية الحقوق جامعة الاسكندرية – ص ٢٤ )
_ فقد أمدت تعاليم الوهابية بنى سعود بالسند الدينى الذى يحتاجونه ، وبالقوة الروحية التى أعانتهم على تحقيق أهدافهم . فقد إستطاع محمد بن عبدالوهاب التلميذ النجيب لتعاليم إبن تيميه وتلاميذه وأخصهم إبن القيم وإبن كثير ،والذى راقته تعاليمهم إلى حد كبير ، ولم ينل من ولعه بهم دراسته فى البصرة وزيارته لمكة والمدينة ، وفى بعض الروايات لدمشق وبغداد ( انظر جرجى زيدان ص ١٥٥ ، ولوتسكى ص ٩٥ ) نقول أستطاع بن عبدالوهاب إيجاد أو بالأحرى تلفيق السند الدينى للإنقضاض على السلطة الشرعية ( من وجهة النظر الدينية ) فى بلاد الحجاز ، وزرع الأساس المذهبى لضرب الورثة الإحتماليين لحكم بلاد الحجاز وهم الشيعة . فقد كافح الوهابيون الإسلام الرسمى ، وكافحوا الصوفية والدروشة ، وكذلك الأشكال من العبادات التى يمارسها الأتراك والتى نشأت عبر القرون .ودعوا إلى الكفاح بلاهوادة ضد الفرس – الشيعة الذين كانوا يعتبرونهم كمرتدين ، والسلطان العثمانى – الخليفة الكاذب . ( لوتسكى – مرجع سابق ص ٩٧ )
_ لقد إعتبر الوهابيون الأماكن المقدسة بمكة والمدينة أماكنا لممارسة الوثنية ، والأماكن المقدسة فى النجف وكربلاء ديارا للكفر ، وكان مجالهما الحيوى فى التمدد هو الخليج العربى ، وأعدائهم اللدودين هم الشام والعراق ومصر ، وذلك بالتفصيل الذى سنورده فى الجزء الثانى .