.jpg)
اشرأبت أعناق الكل حين تسارعت الحركة السياسية و الدبلوماسية الدولية، نحو حل سلمي للأزمة "المفتعلة" السورية، و اندفع جهد كل طرف فاعل و مؤثر نحو تهيئة أدوات و مفاعيل تحقيق هذا الهدف تحت سقف مؤتمر جنيف 2 ، و على رأس هذه الأطراف الولايات المتحدة و حزمة الدول التي كانت تؤمن المظلة (الشرعية) للمعارضة المسلحة، غير أن تصريح أحمد الجربا و من ورائه موقف النظام السعودي شكّلا استثناء، و الذي ضمّنه موقف الإتلاف بعدم المشاركة في اللقاء المزمع عقده، بذرائع منها التعجيزي و منها الوهمي المضحك؛ ما يدهش العقل هنا اشتراط خلع الصفة الشرعية عن الرئيس بشار الأسد، من قبل من يدعي تمثيله للشعب السوري، نتيجة انتخابات أنظمة في معظمها غير شرعية ، العربية منها على وجه الخصوص، و على تراب الدولة السورية في اسطنبول، و فرّخت هذه المعجزة "الاتلافية"، فهذا المنطق يفيد بأن شرعية بشار الأسد، في أسوء الأحوال لا تقل ضرورة و منطقا من شرعية هؤلاء، و الواقع يثبت أنه تم انتخابه -أيا كان تقييمنا للانتخابات لدى السلطة و المعارضة- ، من قبل الشعب السوري و ليس مبعوثي الدول، و على أرض سورية و ليس خارجها، و قطعا ممثلوه من السفراء عبر العالم مازالوا معتمدين تحت هذه الصفة تحديدا.
و الأمر الوهمي الذي يلامس حدود السريالية، شرطهم ألا يناقش إلا "رحيل النظام السوري"، هكذا بكل بساطة و لنقل سذاجة، لن يتكرم بالجلوس مع السيد وليد المعلم أو فيصل المقداد، إلا ليمضي أمام عدسات الكاميرات، و تحت أضواء الفضائيات و بين ممثلي الأمم، قرطاسا يدفعه حاجب "الإتلاف" بين يديه، مكتوب عليه نص حكم الإعدام النافذ عليه، و على من يمثله رئيسا و جيشا و كل المنتسبين لمؤسسات الدولة السورية، ثم عليه أن يقدم للحاجب الاعتذار العلني و الرسمي عن التأخير و التقصير، هذا جدول الأعمال في تصور السيدين أحمد الجربا و سعود الفيصل لمؤتمر جنيف، و إلا فالبشرى بطول السلامة للرئيس بشار الأسد. و خانني ذكائي بصراحة، و أقر بشتات الخلايا العصبية، لفهم عن أي شيء إذن المفاوضات؟ هل عن نوعية الحبال التي ستلف على أعناق رموز النظام مثلا؟ أم عن طريقة الاعدام بحد ذاتها أشنقا أم رميا بالرصاص؟ و إن كان الأخير هل يكون صناعة أمريكية أم فرنسية أم بريطانية؟ هل هذا ما يسمح التفاوض بشأنه!!! و لعل أرحم هؤلاء القوم ميتافيزيقية، قوله و كله ثقة بالنفس: كلا سيكون التفاوض حول الدولة التي يلجأ إليها رموز النظام و ما يتبع ذلك من تفاصيل؛ لم أسمع بأن الرئيس زين العابدين قد تفاوض مع أحد بهذا الموضوع و لا علي عبد الله الصالح، و لا كل من تعرض لضرورة مغادرة بلده اللهم الأسرى من الرؤساء و الملوك في سالف التاريخ؛ ثم هذا العرض كان قد تكرم به على الفضائيات معاذ الخطيب، و المضحك قبل أن نسمع تعليق النظام السوري، تدافعت وجوه من الإتلاف الوطني في طابور مزدحم على شاشات التلفاز، تلوم رئيسها كيف قدم هذه الفرصة الذهبية للنظام دون استشارتهم، و رفضوا بشكل قاطع سماحه للرئيس بشار الأسد بمغادرة سورية و صحبته عدد من مقربيه خلال أيام، حتى تصور البعض أن النظام فعلا يعد حقائبه استعدادا للرحيل اغتناما لمكرمة المعارضة؛ لكن الذي وقع هو أن غليون و معاذ و صبرا جميعهم رحلوا و بقي الرئيس بشار في مكانه، يستقبل وفود الصحفيين و كبار الدبلوماسيين.
إن حالة "التخلي" التي بات يعيشها الاتلاف، و سلوك انفصام الشخصية الذي يعانيه عناصره، لم يعد خافيا على العامة فضلا عن المراقبين، و كما سجل رئيسه الاول د. برهان غليون على صفحته يوم 07/10 اعترافه بفقدان ثقة القاعدة الشعبية (على تواضعها) و الأهم فقدان السيطرة على المجموعات المسلحة، و إعلانها بكل وضوح براءتها من الاتلاف، يفقدان الاخير أي معنى لوجوده، و أي علة لقيامه، لكن في نفس الوقت يجتر الاسطوانة الممجوجة "لن نذهب لجنيف 2 إلا للتفاوض بخصوص رحيل النظام"، كيف يستقيم هذا في عقل سوي؟ الله أعلم ! و تناقض تصريحات رئيسه الثاني السيد الخطيب، حين أعلن في المغرب بأن جبهة النصرة ليست أجنبية و لا إرهابية، ثم يوم تسليمه للمهام لخلفه، نادى بأعلى صوته بأن الجماعات المسلحة و على رأسها النصرة غزت سورية، و الدول الداعمة لها مدعوة لسحبها فورا، و غيرها من المواقف التي لا يتسع المقال لتعدادها، تجعل المرء يقف حتما على حقيقة موقف هؤلاء السادة.
ختاما، بما أن "الاتلاف" يرفض الذهاب الى مؤتمر جنيف2، و بما أن صُنّاع الجماعات المسلحة من دول الخليج، تصر على المضي في امدادها بالعنصر البشري و السلاح، لهدم المعبد على رأس الجميع، و بما أن الجماعات المسلحة كما عرفناها هنا في الجزائر و غيرها، لا تملك المؤهلات العقلية و الأخلاقية للدخول في حوار مع من يخالفها أيا كان، نحن إذن أمام أحد الخيارين لا ثالث لهما في غياب العقل و الحكمة و الطرف الثالث، أن نكون مع مجموعات اختصر وصفها د.فيصل القاسم على صفحته 07/10 :"
قابلت اليوم شباناً ليبيين وسمعت منهم قصصاً عجيبة غريبة عن بعض الجماعات التي تعيث في البلاد خراباً وفساداً وفوضى تجعل المرء يقرف من افعالها".و لعل أكثرها سخرية ما وقع صبيحة كتابة هذا المقال، حين تم اختطاف شخصية بحجم رئيس حكومة، فلا تسأل عن حال المواطنين البسطاء؛ و بين أن نكون مع نظام متماسك بمؤسساته، واضحا و منسجما بين مكوناته، شهدت له قطر بنشاطه الاقتصادي، فعزمت على بناء مدينتها السياحية عام 2010، و أقرت تركيا نفسها باستقرار دولته و تمدده الناعم المتحرك بقوة ففتحت الحدود معه و ألغت التأشيرة عن مواطنيه، و سلمت المملكة السعودية بضرورة الاعتراف بحنكته الدبلوماسية و ثقله الاقليمي فقام ملكها بزيارته بعد طول انقطاع، و استسلمت الولايات المتحدة لقراره المستقل المستند لقوته الذاتية، فقررت عودة سفيرها الى دمشق. حين يوضع المرء بين الخيار الأول و الثاني داخل دائرة "الحرب"، فقطعا لن يختار إلا أن يكون الى جانب و في صف سورية الدولة، و خيانة عظمى مفضوحة إن وقف الى جانب الميليشيات و الجماعات المسلحة و الفوضى و اللاقانون حتى و إن كان يدعمها عاهل السعودية و ينفخ فيها حلف الناتو و يطبل لها نتياهو.
اسماعيل القاسمي الحسني- فلاح جزائري
ismailelkacimi@gmail.com
————————————————
المقال منشور أيضا في صحيفة الوطن الجزائرية بتاريخ 11-10-2013