فما هي الحرب الشعبية ؟ وعلام تقوم، وما هي مبادئها؟ وكيف تتغلب على حرب العصابات؟ و كيف ستتمكن من حسم الامور خلال أشهر فقط؟
قد تكون من اقدم اساليب الحروب في العالم، و عمرها من عمر أول معركة في تاريخ الانسان، انما ظهورها كأسلوب حربي بهذا المصطلح بدأ مع الحرب اليابانية – الصينية، حين اسس الزعيم الصيني ماو تسي تونغ لهذه الحرب، مجنداً أبناء الصين لمحاربة الاحتلال الياباني، ثم تم استخدامها في فييتنام لمواجهة الغزو الامريكي، ومؤخراً في الهند في ما وصف بـ"تمرد الناسكال". بحسب العميد المتقاعد النائب وليد سكرية، فإن الحرب الشعبية تقوم على مبدأ تعبئة الشعب وتسليحهم، ليكونوا بمثابة الخزان البشري الذي يستخدم في المعركة، حيث يتم تسليحهم وتدريبهم على المبادئ العسكرية الاولية، فيصبح الشعب كله بمثابة جيش ضخم يقاتل، الا ان قوة هذا النوع من الحروب يقوم على الكثرة العددية لا على الخبرات في القتال ولا على نوعية الاسلحة، و تكون "مجدية" بحسب سكرية في مواجهة النوعية في التدريب والتسليح.
قد تختلط الامور على أغلب الناس، فيعتبرون الحرب الشعبية هي نفسها حرب العصابات، الا أن الفرق شاسع، بل ان الفكرة خاطئة من أساسها، إذ أن الحرب الشعبية هي نوع من أنواع الحروب التي تقوم على التعبئة العامة اي زيادة حجم المشاركة الشعبية في الحرب، أما حرب العصابات فهي تكتيك عسكري ونوع من الممارسة القتالية التي تقوم على تشكيلات صغيرة و مباغتة العدو، اضافة الى مبدأ الكر و الفر في الهجوم و الدفاع و التي تكون مجدية في الحرب على جيش نظامي. اذاً فالحرب الشعبية ممكن أن تقوم على مبادئ حرب العصابات في القتال، كما أنها قادرة على ان تأخذ نوع من حرب الجيوش النظامية فيما لو انخرطت الجموع في عديد الجيش. ولكن ما جدوى هذه الخطوة؟ وكيف تكون حاسمة في الصراع السوري ؟
من شأن التعبئة العامة والتسليح للشعب أن يشكل جيشاً منتشراً على كافة الاراضي السورية، بحيث يتحول كل مؤيد للنظام السوري، الى مقاتل يهاجم ويدافع، مع فرق الأداء بينه و بين المقاتل المدرب و المجهز، إلا أن التفوق العددي من شأنه تغطية هذا الفرق. حيث يعتبر الخبير العسكري النائب وليد سكرية أن الخطوة هذه تشكل تكبيلا لحركة المجموعات المسلحة في سوريا إضافة الى كونها رادع مانع في وجه تنقلاتهم، اذ ان الحرب الشعبية من شأنها جعل كل مدينة أو بلدة في سوريا منيعة أمام هجمات المسلحين بحيث يكون المواطنين بمثابة المدافعين عن المدينة، فيصبح دخولهم إليها صعباً، وفي حال الدخول فإن بقاءهم مستحيلاً إذ ان المواطنين يتحولون الى مقاومة خاصة بكل مدينة فيمنعون المسلحين من الاستقرار والتمركز وبدل أن تصبح المدينة نقطة انطلاق لعمليات اخرى و توسع بشن الهجمات، يصبح وجودهم بحد ذاته معركة مستمرة بوجودهم.
تعتبر هذه الاستراتيجية فعالة في مواجهة الحرب التي تتعرض لها سوريا وجيشها، فهي كفيلة بمحاصرة المسلحين والتضييق على حركتهم، اضافة الى انتاج حسم سريع قائم على العدد الكبير و الانتشار الواسع الذي يشكله الشعب السوري، لكن هذا لا ينفي أهمية بقاء الجيش والعمليات التي يقوم بها، فبحسب مبادئ الحرب الشعبية يقول سكرية، فإنها تقوم على شعب يحمل السلاح الى جانب جيش نظامي او تنظيم مسلح قادر على تأمين غطاء نوعي للشعب عسكرياً كان أو تنظيمياً (قيادة وسيطرة)، فالحرب الشعبية ليست بالفوضى، بل يتخللها تنظيم و ترتيب لحركة المقاتلين الشعبيين وسط غطاء عسكري وناري يتمتع به الجيش المنظم أو التنظيم المدرب فقط، إن كان عبر قدرات حوية أو مدفعية أو عمليات خاصة ونوعية من شأنها حماية المجموعات الشعبية و تأمين طرقها وعملياتها.
هذا الأمر، ليس بالغريب أو الجديد على سوريا، فهي ليست بحاجة للحصول على التدريب والارشادات بخصوصه، كما ان الخطوة ليست الأولى من نوعها في البلاد، ففي الحرب السورية – الاسرائيلية، شهدت البلاد تعبئة عامة لمواجهة العدو الاسرائيلي، اضافة الى فرض قانون التجنيد الاجباري الذي تعتمده سوريا منذ زمن، لذلك فإن معظم المواطنين القادرين على حمل السلاح، يمتلكون الخبرة في الشؤون العسكرية وتلقوا التدريب الذي يخولهم خوض هكذا حرب. كما بدأت سوريا منذ فترة تجربة مشابهة ولكن أكثر نظامية وتدريباً، عبر ألوية الدفاع الوطني التي كان لها دور كبير الى جانب الجيش في حسم الكثير من المعارك.
ولكن هل ستكون «الحرب الشعبية» مجدية وسط الانقسام في الشارع السوري، وكم ستكون فعاليتها كبيرة في ظل سيطرة المعارضة المسلحة على مساحات جغرافية ووجود بيئة حاضنة لها في تلك المناطق؟ يعتبر النائب سكرية ان الخطوة نافعة وفعالة رغم سيطرة المعارضة على اجزاء من سوريا، فمن شأنها ان تخلق جبهات في العمق الذي تسيطر عليه المعارضة السورية، اضافة الى قدرة القوات الشعبية على تحرير المناطق فيما لو أمنت لها الحماية ونفذ لها عمليات نوعية تعزز تقدمها.
ويبقى هناك اسئلة اخيرة قبل التسليم بأهمية الخطوة ميدانياً واستراتيجياً، هل يمتلك النظام قدرة التأثير على الفئات الشعبية؟ و هل هناك ثقة في امكانية تحويل الدعم الشعبي المعنوي الى دعم ميداني عسكري؟ وماذا عن الرماديين الذي تحدث عنهم الرئيس الاسد، هل هم جاهزون لخطوة كهذه تحتاج الى ايمان عميق بالقضية التي يخوضون الحرب من أجلها، وكم تحتمل هكذا خطوة من رماديين ؟ واخيرا ماذا لو ووجهت الحرب الشعبية التي تحدث عنها الاسد بحرب مماثلة من قبل المعارضة، بتجييش المؤيدين لها وتحويلهم الى مقاتلين؟ هل ستكون سوريا أمام حرب أهلية – شعبية؟