د.نعمه العبادي
تتضافر الروايات والوقائع في زهد محمد وآله العجيب في شؤون الدنيا، بل والآخرة بما في ذلك قضايا عبادية لها أهميتها بالمنظور العبادي التقليدي، ولعل توصيف علي عليه السلام للأمرة والخلافة كشسع نعلي أو هي أدنى من ذلك، يثير العجب، وقد فسره البعض على نحو المبالغة، فكيف يمكن أن نقرأ كل هذا؟
الجواب الموجز لهذا وغيره، انهم مشغولون حد الثمالة بعشق الله جل وعلا، وأسمائه الحسنى، وصفاتهم العليا، فقضيتهم الاساس ومبعث حركتهم وقولهم وفعلهم هي الاقتراب والتطابق مع الاسماء الحسنى والصفات العليا لمحبوبهم الجليل، وكل ما يصدر منهم من اقوال وافعال وقع في طريق هذا العشق، ولم يكن مقصوداً بالذات، بما في ذلك عبادتهم وطاعتهم وكل فعالياتهم، فقد فصمموا أنفسهم على عشقه، ولأن أسمائه وصفاته غاية الجمال ونهاية الكمال، فإن افعالهم واقوالهم تكتسب جمالها وكمالها من هذا العشق العظيم.
نقرأ على عجل ودون تأمل عميق كلمات: ” فهبني صبرت على حر نارك.. فكيف أصبر عن النظر إلى كرامتك” و ” لئن أدخلتني النار.. سأعلم أهل النار بأني أحبك”، فقد يتصور البعض ان الامام في لحظة البوح هذه، قال ما قال لأنه مطمئن بأن هذا الادخال نحو من الاختبار الوقتي، وان خروجه منها مضمون، والصحيح خلاف ذلك كله، فهو يقول بكل صدقه و يقينه :” فوعزتك لأن ادخلتني النار خالداً فيها.. معذباً بعذابها البغيض.. ومتحملاً لكل قسوتها.. فإني سأصرخ بين كل تلك الجموع وفي كل تلك الاوضاع.. اني احبك.. فأنا اعشقك.. وعشقي لك، غير مرتبط بالطمع في جنتك او الخوف من نارك.. بل مرتبط بجمالك وكمالك المنفصل عن جزائي وعاقبتي.. فهو انشداد طبيعي لمصدر الكمال والجمال”، وهكذا يتضح الأمر في وصف الحسين عليه السلام في آخر لحظاته يوم عاشوراء قبل شهادته ” ما رأيت مكثوراً قط قد قتل ولده وأخوته واهل بيته.. اجمل من الحسين.. فهو في ابتهاج وصول العاشق الى معشوقه، والطمأنينة للحظة الوصل والالتحام التامة، والذي ينتج هذا التلؤلؤ والاشعاع المتفرد”، وبناءً على هذا وغيره من المشاهد العجيبة التي تصف أحوالهم مع الله جل وعلا، تكشف بجلاء أنهم سلام الله عليهم مستغرقون بالحب ومنصهرون به، فحينما يدركون ان معشوقهم ( قد ستر القبيح وأظهر الجميل)، وأنه (شرنا إليك صاعد وخيرك إلينا نازل.. ولم يزل ولا يزال ملك كريم يأتيك منا بعمل قبيح.. فلا يزيدك ذلك إلا كرماً وجودا)، فإنهم مشغولون بمماثلة صفاته وافعاله مثل “ستر القبيح واظهار الجميل” .. وهكذا ينشغلون بمماثلة كل صور الجمال والكمال الإلهية العظيمة.
ان هذه الصورة توضح لنا ما ينبغي ان يكون انشغالنا تجاه محمد وآله وتجاه معشوقهم الاعلى، فالقرب الحقيقي منهم ولهم هو قرب مماثلة لأسمائهم الحسنة وصفاتهم المطهرة، وبهم ومن خلالهم نكون في حالة عشق دائم لمعشوقهم الاعلى إلا ان الفارق بيننا وبينهم يكمن في قدرتهم على مماثلته دون واسطة، ومماثلتنا بواسطتهم، حيث نعرف بهم ومنهم صفاته واسمائه، ودروب العشق إليه..
اللهم صل على محمد وآله كما صليت وباركت وترحمت وتحننت على ابراهيم وال ابراهيم..