يعتبر مفهوم الحرية من أكثر المفاهيم العالمية تعقيداً لما يحمل في طياته من معايير نسبية، ومؤشرات لا تحظى بالإجماع من أجل التقويم والقياس، الأمر الذي شكل مدخلاً هاماً لتدمير المجتمعات واحتلالها في الماضي، وشكل حالياً المدخل الرئيس لإعادة تدمير المجتمعات واحتلالها، خاصة بعد إلباس الحرية الأثواب المزركشة تحت ستار التنمية والعمل وتوسيع الخيارات والقدرات. فالحرية كما يراها فولتير هي أن الشخص يتمتع بالحرية عندما يستطيع أن يفعل ما يريد. في حين يشير كانط إلى أنه يحق للمرء أن يحكم على حرية سلوك الآخرين فقط عندما يمنح الآخرين ما يتمتع به من حقوق ومزايا. بينما يتداول الغالبية العظمى من البشر مفهوم الحرية القائم على قدرة الفرد على عمل كل ما لا يضر بالغير. وقد ازداد هذا المفهوم تعقيداً عندما أصبح البشر ينظرون إلى التنمية التي تعنى بشؤون التقدم والتطور والازدهار على أنها الحرية كما قدمها العالم الاقتصادي أمارتيا صن، في رؤية متجددة لما قدمه العالم الباكستاني محبوب الحق في سبعينيات القرن الماضي، وهي الحرية التي وضحتها تقارير التنمية البشرية بأنها تقوم على توسيع الخيارات أمام البشر من أجل مستقبل أفضل. وهنا بيت القصيد(مستقبل أفضل) فلقد برر همجيو الولايات المتحدة الأمريكية للشعب الأمريكي احتلال العراق وتدمير بنيته التحتية واغتيال علمائه الذين لم ينضووا تحت راية العمل الأمريكية بأنها التنمية الأفضل للشعب العراقي والعالم أجمع. في حين لم يكتمل معهم السيناريو نفسه في سورية تحت لبوس الثورة والحرية، الأمر الذي فضح زيفهم وشعاراتهم الكاذبة، فالحرية أو التنمية التي يزعمون أنهم أمناء عليها تقوم على توسيع الخيارات من أجل مستقبل أفضل، وهم عملوا على تقييد ومنع الإعلام السوري من البث بحرية لشعوب العالم التي تعتبر بنظرهم مفتاح الحكم والحل بأي قضية مستعصية في المفهوم المؤدلج للديمقراطية. فكانت نداءاتهم للحرية في سورية تقوم على حرية القتل وتدمير البنية التحتية للشعب السوري، وتخريب بنيته الاجتماعية. وفرض الكثير من القيود والحصار الاقتصادي (الإرهاب) على الشعب. ولعل القذارة في التسويق لمفهوم الحرية كانت أكبر عندما أصبح الأمر موضع تفاخر وتباهٍ بمخالفة الأعراف الدولية، انطلاقاً من إقصاء الكلمة السورية من المحافل الدولية، وصولاً إلى طلب وزيرة الخارجية الأمريكية لمن يحملون السلاح في سورية ضد الدولة بعدم الاستجابة لمراسيم العفو التي قدمتها الدولة لهم حتى يقوموا بتسليم أسلحتهم والمشاركة في بناء الدولة السورية. وصولاً أيضاً إلى ما تم اتخاذه من إجراءات على مرأى ومسمع من مليارات العالم التي كانت تترقب وصول وفد الجمهورية العربية السورية إلى جنيف حيث: – عرقلة مرور طائرة الوفد السوري في الأجواء الفرنسية أثناء توجههم للمشاركة في مفاوضات جنيف2 – تأخير تزويد طائرة الوفد السوري بالوقود في اليونان أثناء توجهه للمشاركة في مفاوضات جنيف2 أيضاً. – اقتصار دعوة المعارضة السورية للمشاركة بمؤتمر جنيف2 على المعارضة الممولة خارجياً وبأجندات أجنبية، دون باقي النخب المعارضة في الداخل السوري وهيئات المجتمع المدني – رفض وفد الائتلاف (الممثل المزعوم للمعارضة) في جنيف2 مبادئ السيادة والحرية والاستقلال في وثيقة المبادئ التي قدمها وفد الجمهورية العربية السورية حفاظاً على الثوابت الوطنية للشعب السوري. الأمر الذي يشير إلى أن مفهوم الحرية التي يراها الغرب في بلادنا يندرج تحت رمزية حادثة رواها لي أحد أصدقائي الذي يعمل سائق تكسي أجرة من مدينة إدلب، إذ أوقفه أحد الرجال في نهاية الثلاثينيات من عمره في شهر رمضان الأول من عمر الأزمة السورية عقب صلاة العشاء وهو يرتدي الثوب الأبيض، وقد ظن صديقي أنه أنهى صلاة التراويح وفي طريقه للذهاب إلى مكان ما، لكن المفاجأة كانت عندما رآه يحمل في يده زجاجة كحول (عرق)، ويطلب منه التوجه سريعاً لأحد مساجد المدينة قبل انتهاء المصلين من صلاة التراويح، وعند سؤاله عن السبب كان الجواب بسبب اللحاق بالمظاهرة قبل خروج المصلين من التراويح من أجل تنظيمها. كان يُفترض بالاختلاف في فهم مصطلح الحرية أن يكون مفتاحاً لتطور الأمم ورقيها، لكن أن يصل هذا الاختلاف إلى درجة تصبح فيه الخيانة وعدم المقدرة على الإقرار بالحفاظ على وحدة الدولة وسيادتها كما هي الحال في وثيقة المبادئ التي رفض وفد المقيدين المعارض القبول بها، -تصبح فيه الخيانة- وجهة نظر، فإننا على ما يبدو أمام ثورة جديدة في نسبية المفاهيم، التي قد تحمل لنا في المستقبل ليس البعيد السماح للولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها مكافحة الإرهاب بالأسلحة التي يرونها ملائمة للإرهاب، يقابلها السماح للدول المخالفة للولايات المتحدة الأمريكية بمكافحة الإرهاب فقط –كما استهزأ وزير خارجيتنا في جنيف عند سؤاله عن رأيه بكلام المعارضة والبراميل المتفجرة التي يزعمون أن الجيش العربي السوري يلقيها على المدنيين – عبر رسائل الموبايل القصيرة SMS، أو قد يتم توسيع الخيارات أمام هذه الدول بالسماح بإرسال الرسائل البريدية تشجيعاً للتنمية الثقافية والسياحية والحفاظ على التراث، وتحقيقاً لتطبيق: التنمية حرية.