حوار وإعدادمنيرة أحمد – القلم
الأستاذ حسن ابراهيم سمعون مؤسس ومشرف على الديوان السوري المفتوح الذي شارك فيه العديد من الشعراء والأدباء السوريين والعرب والمهتمين بالحالة السورية الراهنة
في مملكة الكلمة له تاج وفي محراب الأدب مشكاة عاشق وسيف انتصار للمعنى وما بين سطور الحياة ألف حكاية وحكاية –
يغزل القصة تاريخا ويسرج الشعر صهيلا
من وقته اخطفنت منه بعضاونلتفي سجل ألقه نقطة –
الشاعر الكاتب حسن ابراهيم سمعون كيف يقدم نفسه للقارئ ؟
بداية أتوجه لك ولمجلة القلم , بكل شكر وتقدير واحترام , وأعتبر هذا الحوار مكرمة منكم وتكريمًا لي..
ببساطة شديدة جدًا أختي , أقدم نفسي كإنسان بسيط , وربما أبسط مما يتصوره بعض الأصدقاء عني الذين لايعرفونني عن قرب , أو بشكل شخصي .فأنا وبالرغم من أنني سافرت إلى أكثر من بلد في العالم ,واطلعت على حضارات وثقافات مختلفة , ولي أصدقاء كثر بالعالم , مازلت أجيد التربع حول الطبوقة , وأؤمن بتنور أمي وكارتها وسكينها التي كانت (تـُسَـلـِّقُ بها) من خيرات الأرض هندباء وخبيزة وقرصعنة , وانتقل هذا الإرث لأسرتي ونحرص عليه ..ونفاخر به , وأعشق بساطة الريف وعفويته ,من دون قرميد وأحجار مصنعة وتغول اسمنتي..
الشعر تشكيلة فنية —- ومدرسة فنية —ما قولك …؟؟
الشعر , هو الشعر ,, فكل ما يدهشني , ويطربني , أعتبره شعرًا , من الرقص, والرسم , والنحت ,والموسيقا , والنثر والنظم.
أما كمصطلحات , وتسميات ,, فهذه أقرب إلى الشكلانية كمسميات للألوان الشعرية ومدارسها وقواعدها والتي تصنف وفق الخصائص والميزات وليس وفق المبدأ الجمالي الإنساني الذي هو غاية أي لون فني وأدبي وشعري وهي مازالت موضع اختلاف بالرأي .
وأنا أميل للوزن , والموسيقا بالشعر لاعتقادي بأنهما من أهم خصائصه , وميزاته ,, كتناسق حركات الرقص , أو تناغم الألوان في لوحة ما …
وأعتقد بوظيفة الشعر , ورسالته الفكرية والوجدانية للواقع الإنساني , وأن يعكس ويصور ثقافة المجتمع وحالاته كلها ولا أتفق كثيرًا , مع طرح الفن للفن , أو المفهوم الباراناسي للشعر.
وأعتقد بأن الشعر يتلازم مع الذات الشاعرة , واللغة
فهو كائن حي , يتطور , وتتطور وظائفه , وتتغير رسائله وفق مقتضى الحال الإنساني , لأننا لا نستطيع أن نفصل بين الشعر , والحاجة الإنسانية ,, في الحقائق الصغرى , والكبرى ,, وبما أن الحالة الإنسانية لا تنقل , ولا تجير من شخص لآخر , ولكل شخص , أو أمة ,أو شعب حالته الخاصة المتغيرة دومًا , فالأدب عمومًا بحالة حراك دائم والحقيقة الثابتة , في عالم الأدب والإنسانيات هي التغيير والتغاير .
– ما بين الادب والانتشار الاعلامي حكاية — فأيهما يجلب الآخر ؟؟؟؟
بالحقيقة هذه معادلة قائمة ,, بين كل نواحي الحياة والأنشطة الإنسانية من جهة وليس فقط الشعر,, و بين الإعلام من جهة
والحد المتطور والمتغير فيها هو الإعلام وأشكاله ,ووسائله , فكان قديمًا مثلا سوق عكاظ ,شكل من أشكال الإعلام و تجمع فيه الشعراء ويسوقون قصائدهم وكان رواة وحفظة الشعر يرتادون الأسواق وبلاط الملوك ويقرؤون مايحفظون وبالتالي هو إعلام..إلى أن وصلنا اليوم إلى هذه الحالة المذهلة من التواصل الإعلامي والإعلان الذي أتاح لكل إنسان أن يسوق نفسه بسرعة فائقة
معوضًا بذلك عن الوسائل الإعلامية الوطنية التي مازالت وبرأيي مقصرة بهذا المجال .. لكن يبقى حالنا أفضل بكثير عن حال بلاد غنية جدًا ولا تهتم بالحالة الأدبية ,, وإن اهتمت فيكون بشكل استهلاكي إعلاني أقرب إلى التهريج ومعارض جمال التيوس
أما بالنسبة للإعلام الألكتروني ,فهو سلاح ذو حدين ,, وربما يفتقر إلى الموضوعية والعلمية ,, لكنه حالة جيدة ومتقدمة خاصة بزمن ثقافة الصورة ومن ميزاته فسحة الحرية والتحرر من رقابة تفرض على غيره من الوسائل الإعلامية
– لمن تكتب؟
أكتب للمتلقي , وأول المتلقين أنا ..فأنا أسمع نفسي عندما أكتب
وأقرأ لمن يسمعني , ولا يصفق ,, وفق تابوات مسبقة , أو لإيديولوجا وأحكام معلبة ,, وإن صفق لي فليكن بعد قناعة
فعندما أنتزع إعجابه بشعري أشعر بأنه يحترمني ,, بالتالي أحترم نفسي
– العالمية للأديب تعني ..؟؟
إن كان المقصود من العالمية الشهرة , فهذاطريق طويل وربما لايصله إنسان بجدارة إلا بعد وفاته , أو أن تتضافر له عوامل لاتتاح لغيره ,, بالنسبة لي أشك بأن كل من نقول عنهم عالميين هم فعلا كذلك ,,, وإن كان المقصود الكوننة والإنسانية فكل شعر إنساني يتساوق مع الحقائق الكونية والإنسانية الكبرى والحب والخير والسلام فهو إنساني عام ولو انطلق من موقف إنساني أو وطني,,فمثلا طاغور نقرأ ه مترجمًا وبفارق زمني لكنه أديب إنسان , وأدبه إنساني ..
– ق ق ج -فن أدبي يختزل العالم بسطر — ما تعليقك …؟؟
القصة القصيرة جدًا , لون أدبي جميل فرض نفسه بقوة على المشهد الثقافي ,, ويتفق مع مقتضيات ثقافة العصر القائمة على السرعة , وثقافة الصورة البصرية والفكرية
فعندما يقوم الأديب بالتقاط موضوع , أو ظاهرة , أو حالة إنسانية مجتمعية ويعالجها بصورة أو صورتين , من خلال حبكة وحدث ونهاية ببضع كلمات ويقدمها للمتلقي على شكل ومضة فهو كمن استخلص قطرة زيت من حبات زيتون , وأرشفها له ,, طبعًا وللقصة القصيرة جدًا معايير وضوابط صارمة ,إن لم تعالج وفقها قد تهرب عندئذ للخاطرة أو الشعر المنثور فالحدث والخاتمة المدهشة من شروطها الجوهرية,, إضف إلى ذلك التكثيف والمورابة بالكلمات المفتاحية ,, ولعل النكته الشعبية , أو فن الأحجية هما أسلاف القصة القصيرة جدًا
هديتك للقارئ
أقدم هذه القصة القصيرة جدًا
تـَغـَوّلٌ..*
فجأة ً… جَـفـَّتْ دموعي ,وتـَوقـَّف قلبي عن الارتـِعاشِ وأنا أتابعُ مَشاهدَ لأشلاءٍ , ورؤوسٍ مُـقطـَّعةٍ..
..تناولتُ إفـطاري بنهم ٍلم أشعرْ به من قـَبل!!
….أحسستُ بأظفاري تـنمو بشكلٍ مُـقـوََّسٍ , وغـَريبٍ !
وبـَدأ الشـّعرُ الأسودُ الخـَشنُ , يُغطـّي جـسدي ويَـتسللُ إلى ملامِح ِ وجـهي !
هـَرعـتُ إلى مِـرآتي الـّـتي أصابـِحُـها يـوميًا…
فتحشرجتْ آخــرُ جُـملةٍ بـَشريةٍ في حَـنجـَرتي ,تـُـشبهُ العُـواءَ :
يا إلهي…. كم يُـشبـِهُـني هـذا الذ ّئبُ ..!؟
وأقدم هذه القصيدة
بين شاعـرين*
وأغمز فيها من قناة الشاعر الديكتاتور يا سيّدي… يا شاعـرَ النـّسوان ِ والسّيقان ِ.. والصّدر ِالـرُّخاميِّ الظـَّريفْ !! لم تأكل ِ(القيلوحَ( جوعًا * أو سِياط َالشّمس ِفي قـَطفِ الرَّغـيفْ ولا شربتَ الماءَ سُخـنًا أو تلحـَّفتَ الغـيومَ… نائمًا فـوقَ الـرَّصيفْ
***********
يا سيّدي.. يا شاعـرَ النـّسوان ِوالسِّيقان ِ.. والصَّدر ِالرُّخاميّ الأنـيقْ !!
لم تـَسلـُب ِالخـوذاتُ مِـنكَ عـِـزَّة ً
عندَ الحدودِ طالبًا تأشيرة ً
كي تـَجـبلَ الأسْمنتَ في قـُطر ٍشقـيقْ
أو ذ ُقـتَ في الطــّـابور ِلوعـاتِ الأسى مُستجْديًًا مَـن يـَخـتمُ الأوراقَ والأهلونَ في..
نـَطـْعِ الطـَّريقْ
*************
يا سيّدي…
يا شاعرَ الكاساتِ والآهاتِ في دفءِ اللـــقاءْ لمْ ترتجـفْ بـَردانَ أو خجلانَ من أُصَـيبع ٍ في ضِـيقهِ..
شـَـقَّ الحـِذاءْ أو لارتـداء ِالصَّيفِ في قـَـرِّ الشـّــتاءْ يا سـيّدي …
لم تـَشــْـتـَه ِ(القـَيلوحَ ) شوقًا للفـُطور ِوالغـَداءِ والعـِشاءْ فكـيفَ تـَروي قـِصتي ؟
عــن جـَوربي المَثقوبِ والجَّـيبِ الخـَواءْ !
والقلبُ فيكَ حائرٌ مابين أثوابٍ وعـطر ٍ..
واخـتيار ٍ بين ليلاتِ الهـوى أو بينَ أصنافِ الإمـاءْ ؟ يا سيّدي :
إنـّي بقايا شاعـر ٍ
هـُـويـَّتي رجولتي بين الذ ّكور ِمُـثقل ٍ بالإنـتـماءْ
مازال يـَنـبـشُ العـَروضَ باحـثـًا عـن نِـصفهِ الأنـثى وفي كـَوم ِالنـِّساءْ
**********
يَهوى التـُّـرابَ والسّماءَ ..
يـَكرهُ السَّحابَ في غـِـنائهِ لأنــّهُ مُـوسَّطٌ لا يـرتـقي ويَعشقُ اللحنَ المُـنادي :
يا بلادي …
مِلكــُكِ الحَـبلُ الوريدْ وظلـّـُه مُطابقٌ لروحِهِ لم تــنشطرْ حُـروفــُه في زحْـف ِألفاظِ العـبـيدْ ما انـفـكَّ يَـشدو….
لا ( تـُطيقُ السّادة ُالأحـرارُ أطـواقَ الحـديدْ)
لكـنــّهُ في غـَـفـلةٍ تـفاجأت أدراجُهُ بـفأرةٍ من مَأرب ٍ تـناولتْ أوراقــَهُ وشـعـرَهُ المُحنـَّط َ المـَكدوسَ من خمسينَ عامًا أو يـَزيـدْ فـــباع َفي صَمت ٍ وقـَهـر ٍ آخـرَ الأقـلام ِوالأوراق ِفي السُّوق ِالوحـيدْ ودسَّ للسّمسار ِثــُلـثـَي نـورهِ
نظـّـارة ً شاخـتْ تـُحاكي صَهوة َالأنفِ الـّـذي لم يألفِ التـّدجـينَ…
والسُّجودَ من عـَهدٍ بعيدْ كي يَـشتري لفـافـة ً..
وشمعة ً ويحتسي زجاجة ً
لعلـَّه قد يـَركبُ الموجَ الأخيرَ ناسيًا في سكرةٍ أشعارَهُ
ليـُـنهيَ المِشوارَ في طـقـس ٍجـديدْ
********** *
القيلوح : نبات شوكي بري يؤكل نيئـًا ومطبوخًا اسمه العلمي الحرشف أو الخرشوف يأكله الفقراء عادة.
وأخيرًا أكرر شكري لك أستاذة عشتار ( منيرة أحمد ), وهذا كرم منك وتكريم لي وشكر موصول لمجلة القلم الغراء ,, وللجميع فائق تقديري واحترامي
حسن إبراهيم سمعون