اقتربت الساعة، عبارة رددها الكثيرون من مناصري الحراك المزعوم في سورية تحت مسميات مختلفة أبرزها ثورة الحرية أو الربيع العربي، لكننا عندما كنا نمعن النظر بهذه العبارة لم نكن نجد حولها أية دلالات تشير إليها، أو تدلل على وجودها أو حتى تحركها قرباً أو بعداً، تيمناً بإخبار رب العالمين للبشر بدنو ساعة اليوم العظيم، إذ أتبعها سبحانه بحرف العطف والمعطوف عليه بقوله "وانشق القمر" فكان انشقاق القمر ورؤية أهل شبه الجزيرة العربية لهذا الانشقاق دليلاً واضحاً على اقتراب الساعة وبناء عليه فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر. وفي المقابل من ذلك ردد الكثيرون خطب ومقالات تشير بوضوح إلى ارتباط الحراك المزعوم بالصهيونية العالمية وربيبتها المدللة دولة الكيان الصهيوني الغاصبة، وقد حاول البعض إنكار هذا الارتباط بين حراك الربيع المزعوم والكيان الصهيوني رغم المؤشرات الكثيرة التي دللت عليه، منها استهداف الجيش العربي السوري ومحاولة زجه في مواجهة الحراك المزعوم، إلى تدمير البنية التحتية واغتيال الكوادر البشرية من علماء ومثقفين وعقول، إلى تدمير العقل البشري بمحاولة إخراج أفواج كبيرة من السكان خارج مظلة العلم والتعليم، وخارج مظلة الرعاية الأبوية والصحية للدولة على حد سواء.
وقد مضت الأيام ثقيلة على أبناء الوطن من مشرقه إلى مغربه ما بين راغب في الانتهاء لصالح هذا الطرف أو ذاك، متناسين من يقف خلف هذا الصراع ومسبباته، فانقسمت الأمة ما بين مؤيد ومعارض، من تونس مروراً بمصر وليبيا واليمن والبحرين وسورية وجيبوتي والسودان والعراق والصومال والمغرب والكويت وغيرها من الدول وصولاً إلى بلاد الشهداء فلسطين والجزائر.
وتناسى الأفراد كرامة الأمة وبناء نهضتها، فأيدوا تدمير البنى التحتية للوطن من حجر وعقول بشر، والراية المرفوعة بإصرار ثورة الحرية والتغيير والربيع المنتظر. لعل المتابع للأمور من بدايتها في مصر وسورية أدرك جيداً أن من يحاول تحريك خيوط اللعبة في منطقتنا العربية عامة وفي دول المواجهة مع الكيان الصهيوني خاصة، هو الكيان الصهيوني نفسه بشكل مباشر أو بوكالة الوكالة عبر حلفائه من دول الاستعمار القديم والجديد، وإن كانت الخيوط مبطنة في مصر فإنها واضحة وضوح الشمس في سورية لمن يريد أن يرى، فالبدايات كانت بالتصعيد مباشرة نحو الرئيس السوري الذي خطب بكلمات معبرة في مجلس الشعب وفي جامعة دمشق وفي الشارع بينما كانت زوجته وأولاده يقفون في صفوف الجماهير في الشارع، واستفتى على الدستور الجديد، وساهم مع الشباب في شوارع وملاعب طرطوس بحملة دعم المناطق المتضررة كواحد من الشعب، في الوقت نفسه الذي كانت تتبجح فيه المعارضة المتآمرة عبر وسائل الإعلام المشتركة في التحريض على سفك الدم السوري، بتحقيق إنجازات على الصعيد العسكري وانخفاض في شعبية الرئيس على المستوى السياسي والجماهيري.
وتوالت الأيام والحوادث المتشابهة، ولا يزال عدد لا بأس به يضع النظارات السوداء على عينيه رافضاً رؤية أطراف الصورة التي رسمها الحراك المزعوم، إلى أن سقط معظم الوكلاء بالنيابة عن الكيان الصهيوني أمام فخ الزمن والعدالة الإلهية التي ساعدت سورية في ترك بصماتها على الجغرافيا السياسية الجديدة للعالم، فانقسم العالم إلى فسطاطين أحدهما للتفرد والآخر للتشارك، وكذلك تجلت صورة الحراك في بعض أقطار الوطن العربي عامة وفي سورية ومصر وليبيا واليمن على وجه الخصوص، ولنبتدئ من أكثر الصور وضوحاً: الرئيس السوري يزور الجرحى السوريين من الجيش العربي السوري وقواته المسلحة ومن المدنيين، باعتباره الراعي المسؤول عنهم، وفي الوقت نفسه يزور النتن ياهو "بنيامين" رئيس وزراء عصابة الكيان الصهيوني الجرحى الذين يُعالجون في مشافي الكيان الصهيوني والذين يفترض بهم أنهم سوريون ويحملون لواء الدفاع عن الحرية للمعارضة السورية، فحقاً، كل راع مسؤول عن رعيته . على خلفية عزل محمد مرسي الرئيس المصري المنتخب كممثل عن جماعة الإخوان لرئاسة جمهورية مصر العربية، تتعالى نبرات التهديد والوعيد، ويتم مهاجمة الجيش المصري في عدد من المناطق، بغية زجه في مواجهات الشارع المصري وإضعاف مقدراته القتالية وعقيدته النضالية. طبيب في مشافي القوات المسلحة المصرية يكتشف علاجاً لفيروسي الإيدز والتهاب الكبد، ويحاول البعض الالتفاف على هذا الإنجاز العربي الكبير بالتقليل من أهميته ومن صحة عمله . ليبيا الديمقراطية بعد التغيير تتعالى فيها صيحات هدر الدماء والإرهاب، لتتحول إلى غابة من الميليشيات بلا هدف ولا غاية سوى تنفيذ الأجندات الصهيونية بالوكالة .
اليمن الديمقراطي بعد أن أنجز أهم أهداف ثورته وهدفها الوحيد على ما يبدو يتجه للفدرلة والتقاسم بدلاً من التعايش والتشارك من أجل البناء والتطور وفي الختام لعل وضوح الصورة والدقة الكبيرة في نقل الحدث وتكبيره لرؤية تفاصيله بوضوح قد أخرجت أطراف هذه الصورة عن مدارك البعض البصرية، وجعلته في الوقت نفسه لا يستطيع أن يميز ثنايا الصورة في منتصفها وما تخفيه من دلالات واضحة المعاني والتفسير، فأمة اقرأ التي لم تعد تقرأ، أصبحت أيضاً في كثير من المواقف لا ترى إلا ما يتم الإشارة إليه حتى تراه. لكن الغربال (المنخل) لا يحجب نور الشمس، ومن لا يرى الحقيقة بوضح النهار فلا داعي ليتعب بصره بمحاولة رؤيتها ليلاً، ولندرك جميعاً الحكمة الإلهية من قوله جل وعلا في كتابه الكريم "لكم دينكم ولي دين"
د. يحيى محمد ركاج