الاتحاد الأوروبي أداة يستعملها التحالف الصهيو ـ أميركي في لعبته الخطيرة مع الاتحاد الروسي، ذلك أن اللعبة ليست لعبة «زكزكة»، إنما هي لعبة زعزعة للنظام الروسي القائم من شواطئ البحر الأسود، وانتهاء بوسط آسيا.
عندما دعا الجنرال ديغول إلى إقامة الاتحاد الأوربي، كان ذلك في سياق رؤية استراتيجية تواجه هيمنة الولايات المتحدة الأميركية على القارة العجوز. فإذا بهذه القارة تجعل من نفسها عدة شغل لدى التحالف الصهيو ـ أميركي، وفقدت استقلاليتها في إدارة دورها العالمي، أي الاستقلالية التي دعى إليها الجنرال ديغول.
إذا كان مبرر دخول أوروبا الغربية في الحلف الأطلسي بقيادة الولايات المتحدة، هو الاستقواء بالحلف المذكور فيمواجهة حلف وارسو وخطر الاتحاد السوفياتي، فأين مبرر انخراطها في هذه اللعبة اليوم، والتي ستكون هي الخاسر الأكبر فيها؟
إن الولايات المتحدة الأميركية وحلفاءها الصهاينة لم يأخذوا يوماً بمصالح أوروبا في سياق الصراع مع القوى في العالم كافة، أوليس خروج فرنسا ـ ديغول من الحلف الأطلسي دليلاً على ذلك، فرنسا التي كانت ترى شرفها القومي باستقلالية قرارها؟ وهم الآن يكررون النهج ذاته في الأزمة الأوكرانية!
سؤال يطرح نفسه: ما هي الأضرار الاقتصادية والسياسية التي كانت تلحق بأوروبا من الوضع الأوكراني السابق؟ وهل أن اقتحام البيت الروسي نيابة عن التحالف الصهيو ـ أميركي مصلحة لها؟
بطبيعة الحال، ليس من مصلحة، لا اقتصادية، ولا سياسية ولا عسكرية لأوروبا في هذه الأزمة المفتوحة على العتبة الروسية، في حين لم يكن يشكل الواقع الأوكراني السابق أي ضرر للمصالح الأوروبية.
تستهلك أوروبا 70 في المئة من الغاز الروسي، وهذا الغاز كان أحد أسباب الحرب على سورية، فالتحالف الصهيو ـ أميركي في مواجهته الاستراتيجية مع روسيا المناهضة قضى بضرورة حرمان روسيا من ورقة سياسية لها في أوروبا عبر ضخ غازها إليها، وورقة اقتصادية عبر حرمانها من ثمن هذا الغاز، وكله في سياق خلق مدى حيوي لـ«إسرائيل» يبدأ من عتبات البيت الروسي في أوكرانيا وأواسط آسيا وصولاً إلى أعماق الجزيرة العربية، أما أوروبا، فهي في ثقافتها وسياستها مدى حيوي تقليدي لـ«إسرائيل».
تُدْخل أوروبا نفسها في لعبة، ليست لعبتها، وليس لها فيها مكسبٌ بحجم ما ستدفعه من أثمان إزاء ولوجها هذه اللعبة، ولكن كيف لا يحدث ذلك، وقد نصّبت هذه القارة نفسها مدافعة عن «إسرائيل» وداعمة لها منذ المفاعل النووي الفرنسي مروراً بالغواصات النووية الألمانية. أوروبا تواجه الآن إمكان حدوث زلزال ذي فالق يمتد من غرب أوكرانيا وينتهي باليونان والبلقان، وستصحو أوروبا التابعة على واقع جديد قد يعيد رسم خرائط كثيرة فيها.
الخسائر التي ستنزل بهذه القارة التابعة للحلف الصهيو ـ أميركي لن تقتصر على الجانب الاقتصادي المتعلق بتدفق الغاز الروسي إليها، بل سيتعدى ذلك إلى الجانب الإثني والطائفي، طالما أنها دفعت إلى طرح المسألة على أنها مسألة أرثوذكس وكاثوليك. سيزعزع هذا الفالق الإثني ـ الطائفي جنوب أوروبا، وسيرى هذا الجنوب نفسه قريباً من الاتحاد الروسي أكثر منه من الاتحاد الأوروبي، في حين حسم قيصر الكرملين الأمر بضربة استراتيجية هي في انضمام حكومة القرم وشعبها إلى الاتحاد الروسي، وهذا ما سيحصل في شرق أوكرانيا أيضاً.
ستنتهي الأزمة وقد أنجز بوتين خطوته الاستراتيجية وثبت بالواقع أن البحر الأسود نطاق أمان للاتحاد الروسي، إلى اتفاق روسي ـ أميركي، وستبقى الأداة أداة، في انتظار استعمالها في مهمة أخرى. اليهودي يدفع في اتجاه حصول هذا الفالق الزلزالي، فبحصوله يتحكم أكثر في القارة التابعة، ويعود إلى لعبته القديمة القائمة على تحريض المجموعات بعضها مع بعضها الآخر وإغراقها في الحروب والدمار والإفلاس المالي. بلى، سوف يذهب لتحريض أوروبا الكاثوليكية على أوروبا الأرثوذكسية… ليتمكن أكثر بقرار غرب أوروبا وشمالها!
ما حصل في يبرود من انتصار مفصلي في سياق الحرب على سورية، بالتزامن مع الاستفتاء الذي حصل في شبه جزيرة القرم، هما انتصاران متلازمان يشكلان رقمين استراتيجيين في معادلة المواجهة من التحالف الصهيو ـ أميركي، وبالتالي سيجبران الولايات المتحدة الأميركية على القبول بحل سياسي مع روسيا يجسد انكفاء الاستراتيجية الأميركية من عتبة القرم الممتدة من طرطوس إلى طهران إلى أواسط آسيا، في المعنى الاستراتيجي.
يأتي يوم، أصبح قريباً، نرى فيه سفراء القارة العجوز، يتسابقون إلى طرق باب وليد المعلم، بعدما تأكد خروج قارتهم من المواجهة بشقيها السوري والأوكراني خالية الوفاض، مهدورة المصالح.