
ليس من المعتاد أن يكون كلام السيد نصرالله غامضاً أو موارباً، فهو شديد الوضوح والتوضيح، وهو يعني بالضبط ما يقول، فلا أكثر ولا أقل، فلا يقول كيهود الأعراب حنطة، حين يكون المراد حطة، فيدعون للحل السياسي في سوريا فيما هم يقصدون صُنع توازن ميداني بزيادة التسليح، لسفك المزيد من الدماء وبث المزيد من خراب النفوس ودمار المدن، أو أن يضع الأفراد والجماعات على قوائم الإرهاب فيما هو يُعذب من يشاء منهم بقطع المعونات، ويرحم من يشاء منهم بزيادتها، فيمدهم بالمال والسلاح والإحداثيات والأوامر، أو أن يقول (الجيش الحر) فيما هو يعني داعش والنصرة وبقية القائمة الوهابية القاعدية، فينبغي لمثل السيد نصرالله ما لا ينبغي لغيره، وهو صادقٌ مؤتمنٌ على أرواح الناس وأعراضهم وأوطانهم، فقد ينبغي لغيره ممن هم مؤتمنون على آبار النفط حراسةً، أن يقولوا ما لا يفعلون ليزدادوا عند الله مقتاً، أو ممن هم صادقون حتى النخاع في صداقة (إسرائيل) وقصدهم في مغازلتها شريف، حد إصرارهم على تشويه سلاح المقاومة بل وتشويه مفهومها ووجودها وجدواها.
يقول السيد نصرالله بأنه يخوض في سوريا معركة وجود، حيث أن إلغاء الجميع أو بقاء الجميع هي النتيجة، وأن ما سيضمن بقاء الجميع هو انتصار المقاومة حصراً، في حين أن انهزامها يعني إلغاء الجميع، وهنا لا يقصد السيد أنها ستنهزم، لأن القاموس المقاوم تعفف عن قبول تلك المفردة بين دفتي كتابه، ولكنه يعقد مقارنة الضد بالضد، حتى تنجلي الغشاوات المزمنة على العيون وكفر العقول، ويعني أن زمن الحلول السياسية قد فات قطاره ومضى، وجاء قطار الحسم العسكري الذي سيجعل من أيامكم حسوماً، صرصرٌ عاتيةٌ ريحها، تقلعكم كأعجاز نخلٍ منقعر، أفلا تغيرون موقعاً أو تبدلون موقفاً قبل الوصول للمحطة الأخيرة، وحينها لن يجدي عتاب ولن تنفع توبة حتى لو أشرقت شمس السعودية من مغرب الشام، فالسعودية التي تعاني من شللٍ في عائلتها صراعاً ومن هشاشةٍ في إسلامها وهابياً وأنيميا في عروبتها صهيونياً، ومضافاً لكل ذلك الفقر الشديد في كريات الخجل الحمراء والافتقار الأشد لكريات السيادة البيضاء، هي غير قادرة على ضمان مستقبل أحد أو أحد مستقبل، ومازالت تبحث لنفسها في أوراق عبدالعزيز-إيزنهاور عن عقدٍ للعبودية لعقودٍ أخرى، وإن وجدت فقد تضع الجميع تحت أقدامها لتوقيعه كقشة نجاة.
قد يبذل أوباما جهداً كبيراً في انتظار جواهر الملك المتناثرة تأتأةً، وقد يبذل جهداً أكبر في إفهامه بأنه حان وقت الفطام، وأن الثدي الأمريكي تنصيباً وحمايةً قد تم طلاؤه بصبرةٍ إيرانية سورية روسيةٍ مُرة، وأن البقاء بات محتاجاً لما هو أكثر إغراءً من برميل نفط فوق الطاولة، ومصافحة (إسرائيلية) تحت الطاولة، وإذا كان في الأمر منح الشهادات اليهودية، فقد يتم تأجيل الفطام لما بعد فعاليات الحفل، حيث تملكون من الساسة ورجال الدين ووسائل الإعلام ما يجعلكم الأقدر حتى على تحريف النصوص القرآنية وتزوير الحقائق السنية، حتى أنكم جعلتم من صلح الحديبية سابقة لتبرير خياناتكم، ونحن نرى تلك الكائنات التي ربيتموها على تلك المقارنة وهي ممدة بكل وداعةٍ على أسِرة العلاج الصهيونية، فيما تصبح كائنات من سعير في قتال المسلمين، فمن يستطيع تبرير بخياناته بما أقنع الناس بأنه …. النبي، يستطيع أن يجعل من بيان القمة مجرد إعلانٍ غير ملزم تمهيداً للالتزام باليهودية، ويستطيع أن يجعل من إيران عدواً، ويستطيع أن يجعل من سلاح المقاومة نقيضاً للحياة ومرادفاً للخوف والذعر حتى من دخول مطار بيروت.
لم يكن هذا اليوم عادياً، خصوصاً أن باء السيد جرَّت كل الأفاقيين نحو حفرة الحتف اليقين، وردمت عليهم بعين العقيلة، وقاف المقاومة، ولن تجدي كل معاول الثاء العثمانية أو السين السعودية في إخراجهم، والقاف القطرية قزماً لا تقارع قاف المقاومة، وذال الذهب تسحق دال الدوحة، والسين السورية أحدُّ من سين سيف الأعراب الخشبي، وفاء فلسطين هي عُمق السين في سر كلام السيد، ونون الحسن ترفدها نون النصر تعطف عليها الواو السورية، لا يضاهيها إلا نون النهايات واقتراب نجم أمة يلمع عن قريب ومن قريب، وسيبقى السيد نصرالله حراً طليقاً عربياً مسلماً مهما حاولت نون النفط حبسه في مذهب، وسيظل العلم السوري أخضر العينين مهما حاولت مهما حاولت كاف التكبير المزورة تأجيره لتاء الانتداب، وسنبقى نحن على صهوة الضاد في عمق هذه الأرض، ولن تتنجس بصادكم الصهيونية وإن حرصتم.